لا شيء ، بالمجان ، يا صديقي ..

علي مسعاد

[email protected]

لكل قصته ، مع الهجرة ، وقد تختلف الظروف والحكايات ، لكل فرد منا ، لكنها ، حتما ، تلتقي، جميعها ، في أن الظروف الاقتصادية ، هي أس الأسباب ، في الدفع  بأغلب الناس ، إلى الهجرة ، بعيدا ، حيثما أتفق وحيث يعتقد الواحد منا ، أن خلاصه هناك ، بعيدا ، من الفقر ،الحاجة وضيق الأفاق ، حيث هو .

هناك ، في مكان ما ، من الكرة الأرضية ، توجد السعادة ، بكل تلاوينها ، وحيث تتحقق الأحلام كل الأحلام  وحيث الحياة غير الحياة .   

هو وهي والكل ، يعتقد ، أن خلف البحار ، يوجد ما لا يوجد هنا ، وأن هناك ناس غير الناس ، و .وووو من الأحلام الجميلة ، التي لا تكتمل ملامحها ، إلا بتحقق شرط الهجرة

والتي اعتقدوا للحظة ، أن كلها نعمة ، لكنها ، للأسف ، تحمل في ذاتها ، كثير مآسي ، وما تنشره الصحافة الورقية كما الإلكترونية ، إلا غيض من فيض .

فهرولة، الكثيرين ، وراء الهجرة ، أنست العديدين ، عديد أشياء .

أنستهم ، أن وراء البحار ، ليست دائما ، الحياة بالألوان ..فهناك ، كذلك الحياة بالأبيض والأسود . 

وأن الهجرة ليست كلها عسلا ..ففي محطات عديدة من الحياة ، هناك مرارة الغربة وجحيم الفراق .

فراق الأسرة الصغيرة ، التي حاجتها إليك ، بقدر حاجتك إلى تحسين ظروفك المعيشية والمستقبلية ..ورغبتها فيك ، بحجم رغبتك ، في الخروج من عتبة الفقر والحاجة .

الحياة وراء البحار، لست دائما مفروشة بالورود ..ففي لحظات كثيرة ، هناك العنصرية ، التمييز ومرارة الغربة .

الوجه الآخر ، من الصورة  ومن واقع الهجرة ، الذي تخفيه ، شاشة التلفزيون ، عند عودة المهاجرين ، إلى حيث ولدوا ، حيث الأهل ، الأحباب ، الأصدقاء والذكريات .

شاشة التلفزيون ، التي لا تظهر إلا الجانب المشرق منها ، الوجه الذي يغري ، بمزيد من الهجرات ، وبمزيد من القصص والحكايات المؤلمة .

قصة ، صديقي يوسف ، المهاجر إلى أمريكا ، واحدة من القصص ، التي لا تجد طريقها ، إلى التلفزيون ، فهو حين ، علم ، أن أمه ، قد ماتت ، وهو هناك ، لم تعد ، لكل أموال الدنيا قيمة ، وبدت له كل الأحلام زائفة ، فالموت ، أختطف أمه وهو هناك وهي هنا .

سيعود بعد ساعات ، لكن ، حين سيعود ، سيجد أن أمه ، وقد توارت خلف التراب ، وأن المعزين قد غادروا الدار ، وأن اللحظة الحرجة ، التي احتاجته فيها ، أمه ، لم يكن هنا ، بل كان هناك.

ما قيمة ، أموال كل الدنيا ، بلحظة وداع والدته ؟ا بلحظة  لن  تتكرر ؟ا بلحظة هي أحوج فيها إليه ؟ا في أن يدعو ، لها ، رب السموات والأرض ، أن يغفر، ذنوبها كل ذنوبها  ، ما تقدم منها وما تأخر ..وفي أن يكون إلى جانبها ، لحظة النطق بالشهادة .

وفي أن يقف لحظة ، إجلال وتقدير ..لأم ، قد لا تشبه ، كل الأمهات ، أما ، الآن ، والأموال بين يديه ، أحلامه وقد تحققت و أن ما سعى إليه ، قد أدركه كله أو بعضه .

في هذا الوقت ، بالذات ، خسر لحظة هي بكل متاع الدنيا ..لحظة لا تباع ولا تشترى .

يوسف ، ليس وحده ، من ربح الدنيا وخسر لحظة وداع ، أعز الناس إليه ، فحكايته قد تتكرر هنا وهناك .

هناك ، حيث هرول الكثيرون ، حاولوا جهدهم ، بكل الوسائل والإمكانيات ، إن سرا أو علنا ،  هربا ، من ضيق الأفق واليد ، هناك في أمريكا ..أوروبا ..إفريقيا  ..آسيا وحتى في أستراليا .

و ما جهله أو تجاهله ، العديدون ، أن لا شيء بالمجان ، ففي مقابل ، أن تملأ جيوبك بالأورو والدولار ،  لا بد أن تضحي ، بعديد أشياء .

قد تضحي بدفء الأم و بمساندة الأسرة الصغيرة ، في لحظة من لحظات ضعفك ..قد تتناهي ، إليك أخبارهم ، لكنك ، لا تجد إليهم ، سبيلا ، للوقوف إلى جانبهم ، أو لست أنت بديلا ، عن أبيهم ؟ا

وقد.. وقد.. وقد ..، لكنك ، قد تكون هناك ، كصديقي يوسف ، الذي ، وإن عاد مسرعا ، سيكون آخر من يلتحق بموكب  جنازة أمه ، أمه التي لن تعود ، ولن تتكرر أبدا .