المحطة الروحية الجديدة

خواطر من الكون المجاور 

ز.سانا

ما أكتبه في مقالاتي هذه ليس إلا عرض لما رأته عيني من بينات لتراه عيون اﻵخرين أيضا. وهذا واجب علي وعلى كل إنسان يحترم إنسانيته فكما يقول الله في اﻵية 159 من سورة البقرة (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أؤلئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)

قبل أيام قليلة وبالتحديد في 26/ 10/ 2014 تناقلت معظم وسائل اﻹعلام خبرا مفاده أن ( العالم الفيزيائي ستيفن هوكينغ ينضم إلى " صفحة الفيس بوك " ويحصد مليون إعجاب في أقل من 10 ساعات). 

عندما قرأت هذا الخبر تذكرت ما شعرت به عما قاله هذا العالم الفيزيائي قبل أشهر عن الأزمة السورية وتم نشره في جميع وسائل اﻹعلام في 17 / 2 / 2014 حيث أعلن عن غضبه إتجاه وقوف العالم متفرجا أمام الموت والدمار الذي تعيشه سوريا ،مذكرا أن النزعة العدوانية متأصلة منذ ما قبل التاريخ تدعمها اليوم التكنولوجيا وكذلك إن إختفاء العدالة في إطارها الكوني سيؤدي إلى إختفاء الجنس البشري قريبا.

في ذلك الوقت عند قراءتي لكلمات هذا العالم الذي يلقبونه بالفيلسوف والعالم الكوني وبخليفة آنشتاين وكذلك بأذكى رجل في العالم مازال على قيد الحياة ،شعرت وكأني أرى مشهد قاتل لا يسير في جنازة قتيله فحسب بل و يصرخ أيضا بغضب وبصوت عال أمام الناس ضد القاتل! وأنا متأكد تماما بأننا إذا سألناه فيما إذا كان هو قد ساهم بما يحصل في دمار سوريا والعالم فإنه سيفتح عينيه مندهشا ومستنكرا ومعبرا من خلال جهازه الإلكتروني قائلا : أنا !!! هل أنتم مجانين؟! ما علاقتي أنا في مثل هذه الجرائم؟! تماما كما هو مذكور في بداية سورة القلم (ن والقلم ومايسطرون ، ما أنت بنعمة ربك بمجنون). وهذا شيء طبيعي فجميع الفلاسفة الذين عاشوا في إنحطاط حضارة وساهموا في ولادة حضارة جديدة إتهموهم بالجنون والهرطقة،فالنبي سليمان عليه الصلاة والسلام إتهموه بالكفر وإبن الرشد بالهرطقة.

فللأسف المنطق المادي البحت الذي يستخدمه العالم ستيفن في البحث العلمي سيجعله عاجزا عن ربط ما ذكره ديستوفسكي على لسان الفيلسوف إيفان في روايته اﻷخوة كرامزوف (إذا لم يكن الله موجودا فإن كل القيم واﻷخلاقيات تسقط من نفسها ويصبح كل شيء مباح من أصغر الذنوب إلى أكبر الجرائم ) وما قاله هو في كتبه ومقابلاته التلفزيونية "ولادة الكون وتطوره ليس بحاجة إلى خالق" - وحسب رأيه أن قانون اﻹنتروبيا ( حالة اﻹضطراب والفوضى) هي التي تتحكم في تطور الكون وكذلك في حياتنا! إذا ما ترجمنا رأيه هذا إلى معنى روحي سنرى انه يحمل المنطق نفسه الذي حمله كارل ماركس تماما في رأيه عن- صراع المتناقضات- لﻷسف حتى أذكي شخص في العالم سقط بهذه السهولة في الخدعة الماركسية

يقول ستيفن هوكينغ أيضا بما معناه ان مستوى تفسير الظواهر الكونية وصل إلى مستوى عالي جدا من الناحية الفيزيائية بشكل لم يعد للفلاسفة اليوم المقدرة في متابعة ما يحصل، و فعلا كان معه الحق في ذلك ﻷنه يتكلم عن فلاسفة العصر الحديث المطففين الذين لا يعلمون شيئا عن المخطط اﻹلهي ،ولكن بالنسبة لفيلسوف يسير على خطى النبي يوسف وسليمان عليهما الصلاة والسلام وعلى خطى فيثاغوراس وإبن رشد وليوناردو دافنشي، فمثل هذا الفيلسوف يستطيع أن يتجاوز هذا المستوى ويقوم بتصحيح أخطاء علماء الفيزياء الكونية أيضا وأن يثبت لهم بأن كل ما يعلمونه عن الكون هو القشور أما جوهر ومضمون مايحصل فلا علم لهم به على اﻹطلاق. وأن بداية ظهور الفلسفة الذي كان مع ظهور النبي يوسف لم يكن صدفة بل يحمل في داخله رمزا يوضح حقيقة الفلسفة، فالفلسفة هي كثمرة اليوسفي قشورها هي العلوم المادية ولبها هو العلوم الروحية . فجميع ما يعلمه العالم ستيفن عن الكون هو القشور والتي وظيفتها حماية اللب (المضمون )،أما إذا إنفصلت هذه القشور عن اللب كما يحصل اليوم فمصيرها سلة المهملات، هكذا هي معلومات ستيفن هوكنغ ليس لها أي فائدة في حل المشاكل الحقيقة في هذا العالم.

لا شيء يحدث صدفة فإنضمام ستيفن هوكينغ إلى الفيس بوك في هذه اﻷيام بالذات أتى في الوقت المناسب فموضوع مقالاتي عن نقد فكر الدكتور خالص جلبي هي على مستوى الوطن العربي وهو المستوى اﻷول والذي فهمه يسمح إلى اﻹنتقال إلى مستوى أعمق ليصل إلى جوهر مشكلة المنهج العلمي للعصر الحديث الذي سقط في المادية البحتة كما يعبر عنها فكر ستيفن هوكينغ. والذي سأشرحه قريبا إن شاءالله ﻷثبت له أن عبارته الشهيرة ( إن ولادة الكون وتطوره لا يحتاج إلى خالق ) هي أغبى فكرة خرجت من فكر عالم يدرس الكون في تاريخ البشرية، وان تطور الكون لم يعتمد قانون الفوضى واللانظام كما يظن والذي يمثل قانون الشيطان كمصطلح ديني ولكن إعتمد على قانون الله الذي يمثل قانون اﻹنسجام والتوافق في إتحاد اﻷشياء واﻷحداث تماما كما عبر عنه الفيلسوف أفلاطون (الله يهندس في خلقه). وقد عرضت مثال بسيطا جدا في الفقرة اﻷخيرة للمقالة السابقة التي تحدثت عن معجزة رقمية في تصميم القرآن.

للأسف العمى الروحي الذي يعاني منه منهج العصر الحديث جعل علماء هذا العصر غير قادرين على فهم ما يحدث من تطورات روحية ، ولم يفهموا أن الروح اﻹنسانية في هذه الفترة تدخل في مرحلة جديدة في تطورها مختلفة نهائيا عن المراحل اﻷخرى، فمنذ ظهور الكتابة قبل خمسة آلاف عام وحتى نهاية عصر النهضة كانت اﻹنسانية في تعيش مرحلة روحية واحدة بعدة محطات ولكن اﻵن تدخل في مرحلة روحية جديدة تماما وكاننا نعبر من مرحلة الزواحف التي تسير على اﻷربع إلى مرحلة ظهور اﻷجنحة في اﻷطراف اﻷمامية لتتحول إلى طيور لتنطلق وتحلق في السماء، فمعجزة اﻹسراء والمعراج ليست صدفة ولكن تعبر عن المرحلة الجديدة التي ستصل إليها اﻹنسانية مع إكتمال دور الديانات وكذلك عصر النهضة اﻷوروبية - من كلمة ينهض- أيضا يعبر عن إرتفاع اﻷطراف اﻷمامية عن اﻷرض لتتحول من أرجل إلى أجنحة وليس من الصدفة أن ليوناردو دافنشي الذي يعتبر من أكبر مؤسسي عصر النهضة كانت أكثر إهتماماته هو المقدرة على الطيران. وهو رمز روحي له معنى أن روح اﻹنسان تدخل مرحلة جديدة وليس من الصدفة أيضا أن إختراع الطيارة من قبل اﻷخوين رايد، ظهر في أمريكا والتي لها شكل حشرة (الصورة ) . والمقصود هنا ان هذا النوع من الطيران هو طيران مادي ، أما الطيران الروحي فهو من نوع آخر يجعل فكر اﻹنسان يدخل بنوع جديد من الوعي يجعله يكتسب مقدرات فكرية جديدة غريبة عن المألوف فطبيعة حياة الطيور تختلف نهائيا عن طبيعة حياة الحيوانات التي تسير على اليابسة.

إنظروا إلى الصورة في اﻷسفل

عائلة جميع أفرادها يسيرون على اﻷربع ، هذه الظاهرة أحدثت نقاشات عديدة في الوسط العلمي في أوروبا . وبسبب عدم وجود فلاسفة في أوروبا والعالم بشكل عام، الجميع نظر إليها نظرة مادية طبية سطحية وإعتبروها نوع من الخلل في عمل بعض الخلايا الدماغية ، ولم يعلم أحدهم أن هذه الظاهرة سببها خلل روحي يعبر عن مشكلة المنهج العلمي المعاصر وأنها علامة إلهية تفسر نوعية هذا الخلل، فظهور هذه الظاهرة (المشي على اﻷربع ) في تركيا وليس في دولة أخرى ليس صدفة ولكن هو رمزي يعبر عن إنعكاس جهة محور التطور الروحي في اﻹنسانية. ﻷن الدول اﻷوروبية قامت بدورها على أكمل وجه في عصر النهضة واﻵن وقد ظهرت أشعة النور اﻷولى من الحضارة الجديدة في آسيا ( عاطفة السلام) راحت تركيا وبدلا من أن تتجه نحو الحضارة الجديدة إتجهت نحو انحطاط الحضارة السابقة فغيرت كتابتها من اﻷبجدية العربية إلى اﻷبجدية اللاتينية لذلك بدلا من يحدث التطور نحو النهضة والطيران الفكري وتحول اﻷطراف اﻷمامية إلى أجنحة كمعنى رمزي نجد أنها سقطت إلى اﻷسفل وتحولت هي اﻷخرى إلى أقدام ترتدي أحذية لتستطيع السير على اﻷربع.

فجوهر المشكلة في أطفال العصر الحديث والذي أدى إلى ولادة ظاهرة - حب العنف واﻹجرام عند الطفل- تكمن في تشويه البيئة الروحية للأطفال ، فالطفل يولد وروحه تقول له مثلا ( أنت طير ) فيذهب لينمي أجنحته وكلما حاول أن ينهض يجد يدا تأتي وتجبره على السقوط على اﻷربع وكلما شعرت روحه بالتناقض لما يحصل يحاول أن ينهض ثانية ليحرك جناحيه ليجد يدا تمنعه مرة ثانية و ثالثة ورابعة مع صوت يتسرب إلى أذنيه من الكتب المدرسية و من اﻷفلام السينمائية والتلفزيون والقصص المصورة واﻷلعاب ومن كل شيء حوله صنعه الكبار يقول له (كن مثل هؤلاء ) وجميع هؤلاء الذين إختارهم الكبار ليكونوا قدوة لهم بارعين في - الجري على اﻷربع- وليس في الطيران فيضطر الطفل أن يتعلم الجري على اﻷربع ليصبح هو أيضا مخلوقا راقيا مثل - هؤلاء - وبدل إن ينمي أجنحته ليطير و ليعبر عن عواطفه السامية نراه ينمي عوضا عنها أطرافه الخلفية التي تعبر عن الغرائز الحيوانية.

إن ولادة ظاهرة حب العنف واﻹجرام عند اﻷطفال والتي ظهرت في بداية العصر الحديث هي في الحقيقة ليست إلا صرخة روح اﻷطفال لتعبر عن دمار البيئة الروحية التي يعيش بها هؤلاء اﻷطفال ،الطفل ليس لديه طريقة أخرى يستطيع بها التعبير عن تناقض ما يحصل بين داخله وخارجه. لذلك يحاول التعبير بأقصى صفات الكائن السفلي وهي غريزة القتل ليستطيع الكبار رؤيتها، ولكن للأسف الرؤية المادية السطحية في المنهج العلمي الحديث جعلت جميع أبحاث علماء النفس وعلماءاﻹجتماع وعلماء اﻹجرام تخرج عن صلب المشكلة وذهبت تبحث في قشورها، لذلك ظلت هذه الظاهرة تسير من السيء إلى اﻷسوأ وإنتقلت إلى معظم الدول في العالم.

للأسف نظرية دارون التي في صميمها تؤكد على (أن أصل اﻹنسان قرد ) والتي يؤمن بصحتها 99،9% من مفكري العالم ومن بينهم الدكتور خالص ، شوهت طريقة تفكير اﻹنسان المعاصر وجعلته ينظر إلى ما حوله نظرة مادية مشابهة تماما لنظرة قرد له ذكاء إنسان لذلك عجز هذا اﻹنسان -الذي يعتقد أن أصله قرد - عن رؤية التعبير الروحي في اﻷشياء واﻷحداث لذلك لم يفهم حقيقة ما يجري من التغيير الروحي الذي يحدث في تطور اﻹنسانية ( خدعة نظرية دارون سنتكلم عنها إن شاءالله في مقالات قادمة عندما نكون قد تحدثنا عن القوانين اللازمة من الكون المجاور )

صفة تطور اﻷطراف اﻷمامية إلى أجنحة وإكتساب المقدرة على الطيران لها معنى روحي وهو تطور طريقة الدفاع عن النفس من غريزة إلى عاطفة أي بدل تنمية القوة الجسدية للمشاركة في القتال والإنتصار على العدو، يتحول إلى تنمية اﻷطراف اﻷمامية للتحليق في السماء وعدم المشاركة في القتال، وبكلام آخر الكائن الذي إكتسب المقدرة على الطيران يدخل في مستوى أعلى من عدوه فينفصل عنه وينتهي من سلوك عدوه اﻹنحطاطي ويتركه يعيش مع أسفل السافلين، أوبمعنى آخر أيضا يدخل هذا الكائن الطائر في كون آخر له قوانين أخرى أرقى من قوانين عدوه بهذه الطريقة يكون قد إنتصر عليه دون أن يلوث نفسه بإستخدام غرائز منحطة.

في بداية القرن العشرين إستطاعت روح المحامي الهندي غاندي رؤية هذه الصفة - عاطفة السلام - في المرحلة الجديدة من التطور الروحي للإنسانية، تماما كما أعلن عنها عيسى عليه الصلاة والسلام والتي كانت في ذلك الوقت عبارة عن نوع من التنبؤ لهذه المرحلة الجديدة لذلك كما تقول الديانتان المسيحية واﻹسلامية بأن الله رفع عيسى إليه في آخر يوم من حياته والمقصود هنا الطيران والتحليق في السماء كما حدث في اﻹسراء والمعراج، ولكن للأسف مادية الفكر الحديث عند المفكرين لم تنظر إلى هذه الظاهرة الجديدة لفكرة غاندي كنوع من التطور مثله مثل تطور اﻷطراف اﻷمامية إلى أجنحة ولكن نظرت إليه وكأنها فكرة شخصية خرجت من عقل مفكر هندي لا أكثر ولا أقل. لذلك لم يفكروا نهائيا كيف إستطاعت هذه الفكرة أن تنتقل إلى أكثر من 300 مليون هندي وتجعلهم يواجهون بصدور عارية بنادق الجنود البريطانيين. تفسير هذه الظاهرة هو واحد وهو أن روح هؤلاء جميعا كانت تطابق تماما في إحساساتهم لما شعرت به روح غاندي ، وليس من الصدفة أن هذه الصفة الروحية ظهرت من آسيا وليس من أوروبا ﻷن الشعوب الغربية مهمتها تنمية العلوم المادية ،أما الشرقية (الشعوب اﻵسيوية ) فمهمتها تنمية العلوم الروحية لذلك نجد أن جميع الديانات العالمية ولدت في آسيا ومنها إنتقلت إلى جميع بلدان العالم، لذلك أيضا هذه الصفة الروحية الجديدة كان يجب عليها أن تظهر في آسيا لتعلن إنتهاء حضارة غربية وولادة حضارة جديدة شرقية.

لنستطيع فهم ما حدث لهذه العاطفة الجديدة التي تعبر عن إنسان المرحلة الروحية الجديدة ،سنتكلم عم حدث في الوطن العربي، هذه الصفة رأتها روح الأستاذ جودت سعيد أيضا والذي روحه عاشت بشكل مشابه تقريبا لحياة غاندي، فهو من أصل غير عربي ولكنه ولد في سوريا وتابع تعليمه في جامعة اﻷزهر بمصر وشاهد ما يحدث مع العرب واليهود من عداء أعمى وكذلك شعر بخطورة ظهور حزب إخوان المسلمين الذي راح يحرض على إستخدام العنف كحل لقيام دولة إسلامية . .فشعرت روحه بأن هناك فوارق بين طبيعة سكان كل منطقة ولكن جميعهم يشتركون بأعظم شيء يمكن أن يصف به اﻹنسان وهو وجود ذلك الجزء من روح الله في كل فرد من سكان أي منطقة من هذا العالم وان الحل الوحيد ﻹزالة هذه الفروقات التي تكون عادة منبع جميع المشاكل والحروب بين الشعوب ،هو الدعوة للسلام .لذلك ذهب يعبر عن هذه الفكرة في كتابه اﻷول (مذهب إبن آدم اﻷول ) بإثباتات من آيات القرآن الكريم والأحداث التاريخية. ولكن فكرته كانت مصدرها إدراك روحي وإثباتاته أيضا كان مصدرها روحي (دين ، تاريخ ) لذلك لم يستطع إقناع علماء المسلمين الذين كانوا يعيشون في ظلام عصور اﻹنحطاط وشيء آخر ساعد في عدم إقتناع اﻵخرين بهذا المبدأ أنه قد أتى من غاندي الهندوسي أو من اﻹنجيل المسيحي لذلك فإن التعصب اﻷعمى لدينهم جعلهم يثورون ضد أفكار الأستاذ جودت -عقيدة غاندي- وطبعا أغلب المسلمون إتبعوا شيوخ اﻹسلام ورفضوا أفكار جودت.

الدعوة إلى السلام لغاندي على المستوى العالمي ولجودت سعيد على مستوى الوطن اﻹسلامي والعربي كان ينقصها (اﻷجنحة) لتطير وتنتقل من روح إلى روح في كل إنسان من بلدان العالم، وهذه الأجنحة في الحقيقة هي الشق المادي للفكرة، فحتى يراها الجميع ليقتنع بها لا بد من وجود الشق المادي ﻷن اﻹنسانية كانت في تلك الفترة تحت سيطرة علماء بمنطق الفكر المادي، ولنفهم ما حصل على مستوى العالم بشكل واضح سنشرح ما حصل مع جودت سعيد على مستوى الوطن العربي، فقد أتى الدكتور خالص جلبي ذو المنهج المادي في التفكير وبدلا من أن يصنع أجنحة لعقيدة جودت لتستطيع الطيران جعلها أرجل ليسير عليها المنهج المادي الحديث، وتحولت الفكرة من الدعوة إلى السلام إلى الدعوة إلى اللاعنف ، وشتان بين اﻹثنتين فمن يقول أنه يعبد (اللاشيطان) لا يعني إطلاقا أنه يعبد الله، ﻷن عبارة ( اللاشيطان ) خالية من نور الله، هكذا تماما أيضا عبارة ( اللاعنف ) خالية هي اﻷخرى من نور الله، فالدعوة إلى السلام معناها يشبه تماما إكتساب ( صفة الطيران) والعيش في مستوى آخر أما الدعوة إلى اللاعنف فهو العيش في نفس المستوى المنحط مع العدو، لذلك نجد أن المسيحيين أنفسهم تخلوا عن مبدأ دينهم وحملو السلاح ،وكذلك نجد أن الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم الذي كان مثل عيسى عليه الصلاة والسلام رمزا لمرحلة الجديدة (طيران،سلام ) بتكوين جيش لحماية اﻹسلام من أعداء اﻹسلام. أما اﻵن فالوضع الروحي مختلف تماما ﻷن اﻹنسانية دخلت في عصر روحي جديد تماما.

ما دفع إلى فشل دعوة اﻹستاذ جودت سعيد على المستوى العربي واﻹسلامي . .هو نفسه ما حدث مع دعوة غاندي على المستوى العالمي، واليوم نجد اﻵلاف من أمثال الدكتور خالص جلبي في جميع العالم يدعون إلى اللاعنف ويؤلفون الكتب ويكتبون المقالات في الصحف والمجلات ، ورغم ذلك نجد مشكلة العنف تسير من السيء إلى اﻷسوأ وبسرعة الفهد وفي معظم دول العالم.

هناك فرق كبير بين ان تشعر بشيء روحيا و بين أن تعرفه عقليا فالمعرفة العقلية للشيء دون اﻹحساس به سيجعل معرفة هذا الشيء معرفة مزيفة سطحية ،وهذا ما حصل مع الدكتور خالص ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة مبدئيا كتعبير قدري فهو في كل مكان يظهر فيه ينوه بشدة إلى شعاره ( سوري المولد......كندي الجنسية. ...) وهذا ليس صدفة فكندا تقع شمال القارة اﻷمريكية الشمالية. ....وكما ذكرنا أمريكا الشمالية والجنوبية لهما شكل حشرة وكندا تقع في منطقة تمثل القسم اﻷعلى للحشرة، 

ومن المعروف أن أرقى الحشرات هي النمل التي إستطاعت أن تصنع حياة إجتماعية معقدة ولكنها تعتمد قاعدة مادية بحتة وهدف التعاون بين أفراد المجتمع النمل هو تأمين الحاجات المادية فقط لا غير تماما كما وصلت عليه اﻹنسانية اﻵن بفضل المنهج الفكري الحديث.

أيضا نوعية فكر الدكتور خالص لا تتعدى مادية اﻷشياء والإثبات على ذلك أنه في شبابه عندما كان طالبا في كلية الطب في الستينيات كان عضو منظم في حزب اﻹخوان المسلمين. إنتسابه لهذا الحزب دليل كافي على فقر قاعدته الفكرية روحيا وإبتعاده نهائيا عن عقيدة السلام منذ ذلك الوقت . فليس من المعقول أن يكون الدكتور خالص قد إنتسب إلى حزب إخوان المسلمين دون أن يعلم شيئا عن شعار الحزب الذي وضعه حسن البنا مؤسس هذا الحزب والذي يذكر في آخر شعاره كلمة السيف (إن اﻹسلام عقيدة و .....و....و....ومصحف وسيف) وهذا يعني أنه في الوقت الذي روح غاندي رأت علامة عقيدة السلام في هذه المرحلة الروحية من التطور ،نجد ان حسن البنا مؤسس الحزب كان لايزل يعيش في ظلام إنحطاط العصر اﻹسلامي ويدعو في إتجاه معاكس للمشيئة اﻹلهية ،في هذا اﻹتجاه المعاكس شارك أيضا الدكتور خالص.

لﻷسف غياب وجود الفلاسفة في العصر الحديث كانت عواقبه وخيمة جدا لا يمكن لعقل إنسان أن يتصورها، فما حدث في الدول العربية لم يكن إلا مصيدة فيلسوف مزيف إسمه ماركس إستطاع أن يوقع الجميع في مصيدته. فظهور حزب إخوان المسلمين لم يكن إلا ردة فعل لنمو الحزب الشيوعي (حزب الملحدين حسب الرأي السائد في الغرب وكذلك عند اﻹخوان المسلمين) الذي كان يتمثل باﻹتحاد السوفييتي وكان أهم دور لهم هو إجبار حكومات الدول العربية في قطع جميع علاقاتها مع اﻹتحاد السوفييتي ﻷنها بلاد الكافرين-حسب إعتقادهم - لتنضم إلى المعسكر الغربي ضد المعسكر الشرقي. ولكن السلطات العربية التي كانت تواجه دولة إسرائيل المدعومة من المعسكر الغربي كان عليها أن تقيم علاقة قوية مع اﻹتحاد السوفيتي لمدها بالسلاح،تماما كما حدث في أفغانستان. وكانت النتيجة أن تستخدم هذه السلطات أسلوب القمع والذي وافق عليها نسبة من أفراد الشعب لمنع حزب اﻷخوان ( المتخلف حسب ظنهم ) من الوصول إلى السلطة. .وبهذا الشكل تحولت معظم الدول العربية إلى حكومات ديكتاتورية أو شبه ديكتاتورية، الديكتاتورية في الدول العربية لم تولد من طرف واحد ولكن العمى الروحي في أعضاء حزب اﻹخوان المسلمين كان له دور كبير في ظهور اوإستمرار الديكتاتورية في معظم الدول العربية

إذا تمعنا في القاعدة الفكرية لحزب إخوان المسلمين سنجد أنها تعتبر الخطوة اﻷولى في تكوين الفكر الخوراجي المغضوب عليهم من الله عز وجل ورسوله ، فكما يقال عن مؤسسه حسن البنا بأنه قبل دخوله كلية العلوم كان يحفظ 18000 بيت شعري غيبا، الأخوان يفتخرون بذلك ولكنهم لايعلمون بأنه دليل قاطع على أن طريقة تعلمه للأشياء كانت ببغائية سطحية تماما كما هي عند الخوارج، وكذلك فإن فكرة إنشاء حزب سياسي يحمل إسم إخوان المسلمين وكذلك اﻹنتساب إليه هو دليل قاطع على حب العنف، فتصوروا مجتمع فيه حزب سياسي بإسم إخوان المسلمين وآخر بإسم إخوان الشيعين وآخر إخوان المسيحيين اﻷورثوذكس وآخر الكاثوليك وآخر إخوان اليهود وآخر إخوان الشيوعيين ،وآخر إخوان اﻷكراد ، والسريان ،واﻷرمن ،والدروز،واليزيدين.و..و...و كل حزب سيحاول -كما هو شائع في السياسة -أن يستخدم أقذر اﻷساليب ليصل إلى السلطة أو على اﻷقل ليحصل على أكبر عدد من المقاعد في مجلس الشعب (برلمان). مثل هذا البرلمان سيمزق المجتمع إلى عشرات اﻷجزاء المتناقضة حيث كل جزء سيحاول اﻹنتصار على اﻵخر، وسيتحول المجتمع إلى مجتمع حيواني وهذا هو تماما جوهر الفكر الماركسي والذي أجبر دخول الدين في السياسة ﻷن الماركسية ليست حزب سياسي- شيوعي - كما يعتقد الجميع ولكنه كان بالنسبة للآخرين حزب ديني - حزب الملحدين - لذلك وقع معظم رجال الدين بمختلف أنواعها في فخ الماركسية ودخلت السياسة لتشارك بأبشع وجه لها وهو التعصب والعنصرية ،وهذا ما أشار له قول الله في آيته القرآنية " وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد " مثل هذا الرجل هو ماركس وحسن البنا وكل إنسان يحاول تمزيق المجتمع إلى مجموعات صغيرة متصارعة فيما بينها. لذلك نلاحظ أن إينما يذهب حزب إخوان المسلمين يأتي بالدمار لتلك المنطقة وﻷهلها التي ذهب إليه ودائما ما يخرج من معاركه بخسارة فادحة وكأن الله قد سخر كل شيء ضدهم، ليحتقرهم جميع أهالي المنطقة وذلك ﻷنهم يستخدمون أخبث انواع الحروب وهي حروب الشوارع ليجعلوا من أجساد اﻷبرياء اﻷطفال والنساء والشيوخ ترسا يحميهم من رصاص الطرف الآخر، فحسب ظنهم بأنه إذا مات أحد من هؤلاء اﻷبرياء برصاصة عدوهم سيجعل أهل الضحية عدو لعدوهم كما حدث في معركة حماة عام 1982 حيث أبنية كثيرة سقطت وعائلات عديدة تمزقت وتشردت بسببهم.

بفضل إخوان المسلمين تحولت سوريا بعد إنتفاضتهم الفاشلة في آواخر السبعينيات إلى دولة أخرى، ظاهريا مشابهة لسوريا قبل الإنتفاضة ولكن في أعماقها فهي مختلفة تماما فقد تحولت إلى قنبلة ذرية من الفتن الطائفية التي تنتظر كبسة اصبع فقط على زر التشغيل لتنفجر وتحول سوريا إلى جهنم تماما كما تقول اﻵية القرآنية التي ذكرناه في اﻷعلى (...... كل ممزق إنكم لفي خلق جديد) وطبعا الخلق الجديد كان العيش في جهنم صنعها إنساني.

الدكتور خالص إنفصل عن حزب الإخوان ،ولكن في الحقيقة ظلت تلك القاعدة الفكرية التي دفعته إلى اﻹنتساب لهذا الحزب هي نفسها وعليها ذهب وبنى عقيدته اللاعنفية، لذلك لا هو ولا العديد من المفكرين غيره إستطاعوا أن يروا حقيقة نتائج إنتفاضة إخوان المسلمين في سوريا. لذلك قبل أربع سنوات عندما بدأت ظاهرة ما يسمى بالربيع العربي و رأوا هؤلاء أن الحكومة في تونس سقطت بعد 3 أشهر وفي مصر سقطت حكومة مبارك خلال 18 يوما وأن حكومة القذافي في طريقها أيضا إلى السقوط وكذلك في اليمن فظنوا انه سيحدث نفس الشيء في سوريا. ولكن رؤيتهم المادية السطحية كانت عاجزة عن رؤية الحقيقة وأن الوضع في سوريا كان يختلف نهائيا في العديد من النواحي ، يكفي أن نقول مثلا أن أمريكا والدول اﻷوربية شاركت في إسقاط القذافي وتكلفت بأموال طائلة وكان ذلك ليس حبا بالشعب الليبي الثائر ولكن ﻷن مصالحها ستنهار إذا دامت اﻹضرابات لفترة طويلة في ليبيا ﻷن 20 % من بترول أوروبا مصدره هو ليبيا وكانوا يعلمون تماما أن ليبيا دولة غنية تستطيع دفع تكلفة كل قذيفة ستخرج من سلاح أمريكي أو أوروبي ضد القذافي. أما سوريا فعدا أنها ليس لها أي أهمية إقتصاديا في أوروبا فهي أيضا دولة فقيرة عاجزة عن دفع تكاليف التدخل اﻷوربي واﻷمريكي، وكذلك سوريا لم تكن مثل دولة القذافي منعزلة عن الدول العظمى. فأمريكا نفسها كانت تعلم خطورة التدخل العسكري في سوريا والذي قد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة ﻷن روسيا لن تسمح بأي شكل من اﻷشكل ان تدخل سوريا أيضا في المعسكر الغربي. وخاصة أنهى تعلم تماما بأن إيران والصين ستكون حليفة لها مهما كلفت اﻷمور.

كل هذه اﻷشياء كان على الجميع في سوريا أن يحسب حسابها ولو كانوا حسبوا هذه الحسابات لكانوا فعلوا تماما ما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف (إذا جاءت الفتنة إكسروا سيفكم وإقطعوا أوتاركم وإلزموا فيها أجواف بيوتكم وكونوا فيها كالخير من إبني آدم ) فسوريا كانت شبه قنبلة ذرية من الفتنة الطائفية وكذلك كان يجب على الجميع أن يعلم بأننا نعيش في عصر عشوائي مخادع يمكن لكل طرف أن يستخدم جميع أنواع الخداع في هدف تحقيق مصالحه. وشرارة واحدة كانت كافية لتفجير هذه القنبلة الذرية للفتنة لتمزق سوريا وشعبها إلى عشرات اﻷجزاء. من الطرف الذي سيقوم بإشعال الشرارة اﻷولى؟ا لا يهم ﻷنه سيستطيع خداع الجميع وسيحاول إثبات أن الطرف الآخر هو الذي فعلها وجميع أتباعه سيصدقونه. وكل طرف سيصدق قادته دون أي محاولة للبحث عن الحقيقة ﻷنه أصلا في وضع مجتمع يعيش حرب الفتنة لا يوجد مجال لمعرفة الحقيقة . فعندها الجميع سيدخل سواء شاء أو أبى في اللعبة الشيطانية لذلك تعتبر عموما ان الحروب والمعارك وإستخدام اﻷسلحة في عصرنا الحالي جميها هي من عمل الشيطان مهما كان المبرر لها.لذلك ايضا إن كل مفكر حرض على قيام الثورة في سوريا سواء كان بشكل مسلح أو بشكل لا عنفي عن طريق تحريض المظاهرات السلمية في تلك اﻷيام الحرجة فهو قد ساهم في دمار سوريا تماما بنفس المقدار الذي ساهم به ذلك الشخص الذي أمر أو أطلق الصواريخ وقذائف الهاون ورصاصات القنص من جميع اﻷطراف والتي أدت إلى دمار اﻷبنية وقتل المدنيين اﻷبرياء، ليست مهنتي أن اتكلم عن هؤلاء ﻷن هؤلاء يعرفون بأنهم ساهموا في دمار سوريا، مهنتي أن أتكلم عن أولئك الذين حرضوا ولكنهم يظنون أن آياديهم نظيفة من هذا الدمار.

طبعا كان الدكتور خالص جلبي أحد أهم أولئك الذين حرضوا الشعب السوري في القيام بالثورة وذلك من خلال ظهوره المستمر على شاشات التلفزيون وكذلك من خلال مقالاته التي كان لها نفس الهدف في تلك اﻷيام الحرجة، ومن يتمعن جيدا في كل ما ذكره بخصوص هذا الموضوع في تلك الفترة وقارنها في الوضع الذي وصلت اﻷمور عليها اﻵن سيرى أن جميع توقعاته كانت خارج المكان والزمان، ففي أحد مقابلاته التلفزيونية قال بما معناه أن حكومة مبارك سقطت خلال 18 يوم ويأمل أن تسقط حكومة اﻷسد في أقل من هذه المدة، ولكن مرت أكثر من ثلاث سنوات ونصف ولم يحدث ذلك، ولعل أصدق مقالة له تثبت تماما سطحية رؤية الدكتور خالص جلبي في الحكم على اﻷشياء ، هي مقالته التي تحمل عنوان ( إقرعوا باب التاريخ ياشباب اللاعنف السوري ) والتي نشرها في تاريخ 2011/2/20 وفيها ألف شعارا ليهتف به المتظاهرون السوريون ضد النظام السوري أثناء مسيراتهم في المظاهرات والتي تنتهي بهذه اﻷسطر :

قولوا سوري سوري. .....قولوا لا شيعي ولا سني.....قولوا كردي عربي إخاء أبدي....قولوا سوري سوري. .....قولوا لا مذهبية ولا حزبية. .....قولوا لا قبلية ولا طائفية.......إنسانية إنسانية.......قولوا قولوا اليوم يوم الرحمة والتسامح والغفران وليس اﻹنتقام. .....إنه يوم المرحمة وليس يوم الملحمة. ...........يوم اﻷخوة الكبرى بإتجاه سوريا حرة ديموقراطية.........تغيير شامل جذري. ......يدا بيد وبدون قطرة دم واحدة.

من يقارن ما كان يتخيله الدكتور خالص أثناء كتابته هذه المقالة مع حقيقة ما وصل إليه وضع سوريا وأهلها. سيتأكد تماما بأن مستوى إدراكه لمضمون اﻷشياء كان صفرا وكأنه يعيش في كوكب آخر. فهو يبدأ شعاره سوري سوري ولكن نجد أن أكثر الذين يحملون السلاح من جميع اﻷطراف في سوريا بعد بدء اﻷزمة بشهور قليلة كان معظمهم غير سوريين فمنهم العراقي واﻹيراني والسعودي والشيشاني واللبناني من حزب الله، والتركي، واﻷفغاني والفرنسي واﻷمريكي والباكستاني و...و وجميع هؤلاء الغير السوريون هم من راحوا يتحكمون في مصير السوريين في بلادهم سوريا..

ورغم أن الدكتور خالص كان يعلم تماما بأن اﻷطراف الإسلامية اﻹرهابية والمتعصبة أمثال القاعدة والشيخ محمد العريفي لن يتركوا فرصة اﻷزمة السورية تذهب بدون أن يستغلوها في تحقيق ما يسمى الجهاد اﻹسلامي المسلح ، ولكن نراه قد ظل يتخيل أيضا أن النظام سيسقط دون إراقة قطرة دم واحدة ولكن الحقيقة كانت أبعد بكثير مما يتصوره عقل الدكتور خالص فعدد ضحايا أزمة سوريا تجاوز ال 150 آلاف ضحية وبدلا من أن تأتي حكومة جديدة أفضل من الحكومة السابقة ظهرت عدة أطراف متنازعة وكل طرف له عصاباته التي تستغل غياب ضعف السلطة في تنفيذ القوانين لحماية المواطنين، وراحت كل عصابة تقتل وتسرق وتخطف وتقطع المياه والكهرباء في المناطق المسيطرة عليها كما تشاء وتحتكر المواد اﻹستهلاكية لتبيعها في السوق السوداء بأعلى اﻷسعار لتجعل المواطن السوري يشعر تماما بأنه بدلا من ان ينفتح عليهم باب التاريخ كما تخيل الدكتور خالص وأمثاله فتح عليهم باب جهنم ، فإحصائيات منظمة اليونسكو اليوم تعتبر أن درجة دمار مدينة حلب هي ثاني مدينة في التاريخ بعد مدينة هيروشيما من حيث حجم الدمار الذي تكبدته أثناء اﻷزمة السورية.وأن 70%من شعبها نزحوا من بيوتهم إلى أماكن أخرى داخل سوريا أو خارجها.

جميع الديانات تحرم بشكل مباشر أوغير مباشر مشاركة اﻷطفال والصبيان في الحروب. وحادثة أسامة بن زيد شاهدة في تعاليم الدين اﻹسلامي يعرفها الكثير ،فحين طلب أسامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشارك في القتال في معركة غزوة الخندق وكان فتى آن ذاك بعمر 14 عام رفض الرسول ﻷنه كان صغيرا على المشاركة في المعارك ولم يسمح له أن يشارك إلا في غزوة حنين عندما تجاوز ال17من عمره مع العلم أن عمر 17 كان في ذلك الوقت يعادله عن فوق العشرين في هذا الوقت، ولكن اليوم نجد أن اﻷطفال أصبحوا جزء لا يتجزأ من معارك اﻷزمة السورية، إنظروا إلى هذا الطفل السوري

هل تعلمون ما ذا تقول روح هذا الطفل لكل علماء الدين اﻹسلامي ولكل كبار مفكري العالم " جعلتوني من أتباع الشيطان قبل أن أعرف ما معنى شيطان"

بسبب طول المقالة ،سأتكلم بشكل مختصر عن مقالة الدكتور خالص والتي فيها نقد لكتابي (النساء عين الروح ) وبشكل يوضح تماما نوعية نقده لهذا الكتاب.

عندما قرأ الدكتور كتابي وجد أن كل التفسيرات للأحداث واﻷشياء الموجودة فيه لم يسمع عنها من قبل ﻷنها جميعا تظهر ﻷول مرة في تاريخ البشرية. فالفرق بينه وبيني أنه يثق بالعلماء الكبار ثقة عمياء وخاصة الغربيين فيجمع ما يقولونه ويضيف عليها بعض اﻷشياء ويذكرها في كتبه ومقالاته،بينما أنا فمنذ كنت طفلا بعد حادثة إنتحار الطفلة سعاد فقدت ثقتي في الكبار ومنذ ذلك الوقت لم آخذ منهم أي نوع من التفسيرات، وطلبت من الله أن يعلمني هو فهم ما يحدث حولي.

هذه اﻹختلافات الكبيرة بين معلومات الدكتور ومعلومات كتابي وبسبب نظرته السطحية وبسبب أن مؤلف الكتاب غير مشهور وغير غربي من الدول المتقدمة جعلت جميع معلومات كتابي تسقط في عينيه، فراح وقرأ صفحات كتابي بنوع من اﻹستهزاء ووضع بعض الملاحظات ليذكرها في مقالته..من طريقة وإسلوب نقده لكتابي سيعتقد أي شخص لم يقرأ كتابي بأن مؤلفه هذا فعلا مغفل، الدكتور خالص لم يذكر هذه الكلمة ولكن مقالته كتبت بطريقة تجعل القارئ يأخذ فكرة وفهما خاطئا عن الكتاب والمؤلف.

في كتابي مثلا أذكر حادثة قتل موسى عليه الصلاة والسلام لغريمه ،بينما الدكتور يضع إسم آدم بدل موسى! و ذكرت في كتابي أيضا أن كلمة (القرآن) لها علاقة مع إسم (آنا) أم مريم العذراء التي تمثل حواء كرمز، بينما الدكتور في مقالته يبدل اﻷسماء ثانية ويذكر إسم مريم العذراء بدل آنا.....هذا التبديل في اﻷسماء ليس نقد ولكن نوع من التشويه لمعلومات الكتاب ﻷنه حصل ليس بسبب أخطاء مطبعية أو النسيان ولكن بسبب اﻹستهزاء المطلق بمعلومات الكتاب ومؤلفه.

ويذكر أيضا أن سرعة الضوء حسب كتابي تختلف من مكان إلى آخر ،وهذا - حسب رأيه هو - مخالف لعلم الفيزياء....وأنا أطلب من كل قارئ أن يسأل شخصا مختصا في الفيزياء أو أن يذهب إلى اﻹنترنت في الويكيبيديا (الضوء ) وهناك سيقرأ أن سرعة الضوء تختلف من وسط إلى آخر كما هو مقصود في كتابي.

في كتابي أتكلم عن المعنى الروحي للرمز ΙΛ بينما نجد الدكتور يذكره بإستهزاء وينتقل مباشرة إلى الرقم 19 ويتحدث عن ذلك الكتاب الذي ذكر هذا الرقم وبشكل يجعل القراء يظن أنه يتكلم عن كتابي. ...ما علاقة معلومات كتابي بذلك الكتاب الله أعلم.يبدو أن الدكتور خالص عندما رأى الرمز ΙΛ لم يعلم أنه موجود في كف يد اﻹنسان. في الفقرة اﻷخيرة من المقالة السابقة ذكرت شيئا بسيط عن علاقة هذا الرمز في تصميم القرآن.

في فقرة أخرى يذكر أن رأيي عن عمر الكون خرافي ﻷن حسابات علماء الكون تؤكد على أن عمر الكون هو 13،7 مليار سنة، منذ حدوث اﻹنفجار الكبير. بينما في كتابي أذكر ان عمر الكون (المادي) أكبرمن هذا الرقم بحوالي 600 مليون عام....إنظروا إلى( الصورة ) ستجدون خبر نشرته وكالة ناسا الفضائية بعد صدور مقالة الدكتور التي تنقد كتابي بعامين تقريبا، هذا الخبر يقول إكتشاف نجم يحير علماء ناسا ﻷن عمره يكشف خطأ في حسابات علماء الفيزياء الكونية في تحديد عمر الكون. .وحسب هذا النجم فإن عمر الكون هو 14،5 مليار عام وليس 13،7 كما يذكر الدكتور خالص في مقالته. ..،،إذا حسبنا نسبة الخطأ المسموح بها في الحساب حسب رأي العلماء سنجد أن عمر الكون (المادي ) قريب جدا مما ذكرته في كتابي. ....لا أدري ما رأي الدكتور خالص بإكتشاف هذا النجم الجديد وعلاقته بمقالته، ولكن بالنسبة لي فإن إكتشاف هذا النجم ليس صدفة ولكن هو علامة إلهية لها معنى أن الدكتور خالص هو على خطأ وليس أنا ، وما علي سوى تجاهل رأيه الخاطئ لأواصل متابعة أبحاثي على نفس المنهج الذي اتبعته منذ صغري .

أخيرا أود أن يعذرني الجميع إذا كان نقدي لفكر الدكتور خالص جلبي قاسيا في بعض اﻷحيان، فهو يتكلم في مقالاته عن عذابه في السجن هو، بينما أنا أتكلم عن بكاء أرواح اﻷطفال السوريين في الداخل والخارج بسبب الجهنم اﻷرضية التي صنعها لهم المنهج الفكري المعاصر. وليت المسؤولين من جميع اﻷطراف يفكروا لفترة قصيرة من الزمن فيما تعانيه هذه اﻷرواح البريئة التي عقولها لا تستطيع إستيعاب وفهم ما يحدث وسبب ما يحدث حتى تستطيع أن تجد مبررا أو حجة ترى من خلاله أملا بأنه يوما ما سينتهي هذا الكابوس. ....آخر اﻹحصائيات تقول أن أطفال سوريا وأفغانستان هم أتعس أطفال شعوب العالم.