علم الحكمة (الفلسفة)

خواطر من الكون المجاور7.. الخاطرة 7:

ز.سانا

في أواخر القرن التاسع عشر عندما رأى الأديب الروسي الشهير فيدور ديستوفسكي التغيير الجذري الذي يحدث في قاعدة الفكر الغربي ،ذهب وألف روايته الخالدة ( اﻹخوة كارامازوف) وفيها قال على لسان الفيلسوف إيفان (إذا لم يكن الله موجود فإن كل القيم واﻷخلاقيات تسقط عن نفسها ويصبح كل شيء مباح من أصغر الذنوب حتى أبشع الجرائم ) . بهذه الكلمات البسيطة وصف ديستوفسكي خطورة المنهج الفكري الحديث ، وهنا هو لا يقصد اﻹيمان بالله عقليا ولكن حسيا ، أي أن نشعر بقوة بذلك الجزء من روح الله في داخلنا فهذا الجزء هو الذي يجعل اﻹنسان كائن حي مختلف نهائيا عن جميع الكائنات الحيوانية. الفيلسوف هو ذلك العالم المسؤول عن تقوية الشعور بهذه الروح وليس علماء الدين كما يظن الكثيرون ،

ولكن للأسف نعيش اليوم في عصر تسيطر عليه فلسفة مزيفة ﻷن جامعات الفلسفة اليوم لا تدرس الفلسفة ولكن شيئا آخر له علاقة بعلوم مختلفة ولكن ليس له علاقة بالفلسفة نهائيا ،لذلك كانت أهم نتائج غياب الفلسفة هي ولادة ظاهرة ( الطفل المجرم ) والتي ظهرت في البداية في بريطانيا وثم إنتقلت إلى أمريكا وفرنسا وبقية دول العالم واليوم وصلت إلى الدول العربية أيضا، ورغم كل الدراسات التي قام بها علماء النفس وعلماء اﻹجتماع و علماء اﻹجرام لم يستطع أحد الوصول إلى جذور هذه المشكلة ﻷن جميع هذه الدراسات كانت خارج صلب الموضوع، ولم يعلم هؤلاء العلماء أن أساس المشكلة هو إختلال في شمولية المنهج العلمي الحديث، لذلك فإن أصح صفة يمكن بها وصف المنهج العلمي الحديث هي ( الخداع ) ﻷن غياب علم الفلسفة حطم الروابط بين اﻷشياء وخلق نوعا من العمى الروحي في رؤية العلاقة بين السبب والنتيجة، فلا عجب أن يتفاجئ و يتساءل بعض قراء مقالتي السابقة عن علاقة الدكتور خالص جلبي بظاهرة العنف عند اﻷطفال، فالدكتور خالص كما يبدو من مؤلفاته ذو علوم شاملة ويدعو إلى اللاعنف ويحاول تفسير اﻹيمان علميا و..و..و الخ...للأسف كل هذه اﻷشياء التي أبهرت عيون قرائه هي نفسها التي أبهرت عيون الناس في أوروبا في بداية القرن العشرين فرحبوا بالمنهج العلمي الحديث وإتبعوه ودافعوا عنه فقد ظنوا أنهم على مدخل حضارة جديدة ولم يعلموا أنهم كانوا يعيشون عصر إنحطاط نهضة أوروبا، النتيجة هي أكبر إثبات علمي والتي سجلتها صفحات التاريخ واصفة " لم يعرف التاريخ وحشية مثل وحشية قرن العشرين". 

في مقالتي هذه أكتب عن الدكتور خالص كرمز عربي للمنهج العلمي الحديث بشكله الإيجابي الذي أقنع الكثير فأصبح منهج جميع مدارس وجامعات العالم، وسأشرح كيف يمكن لأفكار يبدو عليها أنها تقدمية ولكن نتائجها تكون وخيمة وفظيعة أكثر مما يتصوره عقل إنسان، ولكن حتى نستطيع رؤية العلاقة بين السبب والنتيجة لا بد أولا من شرح المعنى الحقيقي للفلسفة، ﻷن الفيلسوف هو الذي يستطيع رؤية ما لا يراه اﻵخرون لذلك تعتبر الفلسفة أرقى أنواع العلوم،وكما يقول إبن رشد لا يوجد إيمان بالله أرقى من إيمان الفيلسوف ﻷنه يبحث بشكل دائم عن عظمة الحكمة اﻹلهية في خلق وتركيب اﻷشياء. 

عندما خلق الله اﻹنسان وضع به جزء من روحه لذلك تعتبر طبيعة اﻹنسان ككائن حي مختلفة نهائيا عن طبيعة الكائنات الحيوانية اﻷخرى، فالحيوانات لها حاجات مادية فقط أما اﻹنسان فعدا حاجاته المادية له أيضا حاجات روحية أهم بكثير من تلك الحاجات المادية، في محاولة اﻹنسان لتأمين النوعين من حاجاته ظهرت عبر الزمن أنواع مختلفة من النشاطات الفكرية سميت "علوم ،فنون" حيث كل علم له وظيفة في تأمين نوع معين من الحاجات فعلم الطب مثلا مسؤول عن تأمين الصحة الجسدية وعلم الرياضيات لتسهيل حساب الزمن وقياس الظواهر الطبيعية والتعاملات التجارية. .وهكذا....أحد أهم هذه العلوم كان علم الحكمة وهو العلم المسؤول عن تأمين حاجة روح اﻹنسان للتطور بشكل صحيح بهدف الوصول إلى الكمال الروحي ليستطيع العودة ثانية إلى وطنه اﻷم "الجنة" ، وﻷن هذا العلم يعتبر أعلى من المقدرة العقلية للإنسان لذلك أرسل الله أنبياء ورسل بين كل فترة وفترة لمساعدة اﻹنسانية في تأمين هذه الحاجة الروحية لذلك يعتبر علم اﻷنبياء نوع من أنواع الحكمة المقدسة، وهو علم روحي مطلق يساعد اﻹنسانية في التقدم ودخول مرحلة جديدة من التطور الروحي ،وهناك نوع آخر من علم الحكمة وهو "الفلسفة " ، ولتوضيح الفرق بين علوم الحكمة عن العلوم اﻷخرى سنعرض هذا المثال البسيط : 

إذا إعتبرنا أن كل علم هو بمثابة أحد اﻷجهزة في جسم اﻹنسان مثلا علم الطب هو القلب وعلم الفلك هو جهاز الرئة، وفن الموسيقى هو الإذن وهكذا..فإن علم الحكمة المقدسة "علم اﻷنبياء " هو الدماغ وعلم الحكمة "الفلسفة " هو بقية الجهاز العصبي الذي يحمل المعلومات من الخارج إلى الدماغ وبعد ترجمتها في الدماغ يحمل الجواب من الداخل إلى الخارج. لذلك بدون علم الحكمة أي بدون الجهاز العصبي يتم إنفصال عمل جميع اﻷجهزة في جسم اﻹنسان ويحدث شلل عام يؤدي شيئا فشيء إلى موت الجسم وهكذا تماما يحدث عند غياب علم الحكمة "الفلسفة" حيث يتم إنفصال جميع العلوم عن بعضها البعض وشيئا فشيء يبدأ كل علم بالإنهيار إلى أن ينقرض من الوجود، فسبب وجود جميع الأجهزة في الجسم هو تأمين عمل الدماغ ﻷنه هو مستودع اﻷفكار التي ستحدد سلوك اﻹنسان، لذلك بدون الحكمة المقدسة وعلم الحكمة "الفلسفة " فإن جميع العلوم تعتبر علوم ثانوية لا معنى لوجودها لوحدها، اما فلسفة اليوم المزيفة فيمكن التعبير عنها بأنها تمثل اﻷوعية الدموية فهي تبدو وكأنها تشبه اﻷعصاب في توزعها في الجسم ولكنها تنقل المواد الغذائية وليس اﻹحساسات الروحية وهي تبدو أيضا وكأنها تربط أجهزة الجسم مع بعضها البعض ولكن بروابط مادية مزيفة، لذلك ليس من الصدفة أن الدكتور خالص كان إختصاصه جراحة في اﻷوعية الدموية وليس في جراحة اﻷعصاب، هذه علامة لا يراها إلا فيلسوف ﻷنه لا يؤمن بالصدفة ولكن كل شيء له معنى روحي ﻷن الله وراء كل شيء.

أول عالم حكمة ظهر في تاريخ البشرية هو النبي يوسف عليه الصلاة والسلام وقد أشارت الكتب المقدسة إلى هذه الناحية من خلال حادثة تفسيره ﻷحلام الملك ،المقدرة في تفسير اﻷحلام هنا لها معنى رمزي يعبر عن فرط تطور مستوى اﻹدراك الروحي في يوسف فليس من المعقول أن يعين حاكم مصر أحد عبيده في منصب وزير دولة يفعل ما يحلو له لمجرد ان هذا العبد فسر له أحلامه ولاسيما أن فترة التحقق من صحة التفسير تحتاج إلى سنوات لا دقائق قليلة! والحقيقة هي أن حاكم مصر وقد إطلع على سعة المعارف التي لدى يوسف ،لم يصدق أن هناك على سطح اﻷرض إنسانا يمتلك هذه المعارف والعلوم، فعالم الحكمة هو عالم له علوم شاملة تسمح له بدراسة الشيء أو الحدث من جميع زواياه ،ومن خلال هذه الدراسة الشاملة يستطيع التغلغل إلى المضمون "الروح" ومعرفة سر وجوده ودوره في التطور الكوني، هذه المعرفة تسمح لعالم الحكمة بالمقدرة على التنبؤ والمقصود هنا التنبؤ بنتائج سلوك المجتمع السلبية واﻹيجابية لذلك يتدخل ويحاول إيقاف كل تطور يسير بالبشرية نحو الوراء، ولعل قصيدة هرمس تعبر بشكل واضح عن فكر ومنطق علم الحكمة التي علمها يوسف لعلماء مصر القديمة :

إسمعوا ما في أعماقكم. .....وانظروا إلى اللانهاية ......للمكان والزمان.....هناك ستسمعون أغنية النجوم. ....وصوت اﻷرقام... وإنسجام اﻷفلاك الكونية. ...كل شمس هي فكرة من الخالق... ....وكل كوكب هو نهج لهذه الفكرة. ...تعلمي الفكر اﻹلهي أيتها اﻷرواح. .....فهو السبب الذي جعلك تهبطين. ...وتحاولين بإصرار. ...الصعود نحو السماء...

لتوضيح معنى الفلسفة بشكل أوضح سنحاول شرحه بشكل آخر، كل شيء نراه يؤثر بنا بنوعين من الوعي. اﻷول وهو وعي روحي " حسي" وهو الذي يعبر عنه الفنان فنقول أن هذا الشيء (جميل..قبيح. .هادئ. .وحشي. .....إلخ ) والنوع الثاني من الوعي هو الوعي المادي "العقلي" ويعبر عنه العالم المادي فيزيائي. .كيميائي.. .. فنقول أن هذا الشيء (كبير. .صغير..ثقيل خفيف..لونه أحمر. .أصفر... .إلخ) دور الفيلسوف هنا هو إيجاد وتوضيح علاقة التداخل بين الوعي الروحي والوعي المادي ( بين الحسي والعقلي ) لنحصل على المعنى المطلق لهذا الشيء، لتوضيح نوعية رؤية الفيلسوف للأشياء بشكل أفضل إليكم هذا المثال البسيط :

حسب الوعي المادي فإن جميع الثديات العاشبة لها جبين له شكل خط مستقيم ،أما الثديات اللاحمة فلها جبين شكله خط منكسر 

صورة ‏عين الروح‏.

شكل الجبين كتعبير روحي 1-4 جبين منكسر تعبير وحشي ذئب..رجل

ا 2-3-5 جبين مستقيم تعبير السلام حصان.طفل.إمرأة

وحسب الوعي الروحي فإن جميع الحيوانات العاشبة هي حيوانات مسالمة تعيش بسلام في جماعات كبيرة من نفس النوع ومع اﻷنواع الاخرى ، أما الحيوانات اللاحمة فهي حيوانات وحشية مفترسة تعيش وحيدة أو في جماعات صغيرة أفرادها من نفس النوع فقط، هذا القانون في وصف الثديات هو حكمة إلهية يراه الفيلسوف ويحاول من خلال هذا القانون فهم الحكمة اﻹلهية في التطور الروحي للإنسان فيقول أن الجبين المستقيم هو رمز للسلام ، أما الجبين المنكسر فهو رمز العنف والقتل ، فيرى الفيلسوف أن جبين اﻷطفال والنساء هو مستقيم لذلك فيجب عليهم أن يكونوا كائنات مسالمة وبعيدة عن أي نوع من أنواع العنف، ويرى أيضا أن الرجال لهم جبين منكسر وهذا يعني أن الرجل بطبيعته هو كائن فيه غريزة العنف. لذلك فهو المسؤول عن الدفاع عن العائلة، عن الوطن. ..،ولكن إذا نظرنا إلى تطور جبين اﻹنسان عبر آلاف السنين فنجد أن شكل الجبين يتطور دوما نحو الخط المستقيم هذا يعني أن تطور اﻹنسان سواء كان رجلا أو إمرأة حسب الحكمة اﻹلهية يجب أن يكون نحو السلام. لذلك ليس من الصدفة أن آخر ديانة سماوية إسمها إسلام ومعناه الحقيقي فرض حب السلام على المؤمنين، المؤمن هو اﻹنسان المحب للسلام. وليس من الصدفة أن جميع التماثيل اليونانية لها جبين مستقيم تعبر عن السلام لذلك ولدت اﻷلعاب اﻷولمبية في تلك البلاد.

https://fbcdn-sphotos-a-a.akamaihd.net/hphotos-ak-xpa1/v/t1.0-9/1375821_1487398321519673_8743213107803964178_n.jpg?oh=9768dda8474cb67b5fcc60b5bff8f314&oe=54AB64A2&__gda__=1424872218_533feb7f48e27760178e56a81b414b12

بروفيل إغريقي ( جبهة مستقيمة )

من يوسف إنتقل هذا العلم إلى علماء مصر حيث ذهبوا وأعطوا إسم عالم الحكمة لقب (النبي ) ووضعوه في أعلى مراتب درجات العلم ، لذلك كان على كل إنسان يريد أن يصل إلى هذه المرتبة وجب عليه المرور بمراتب علمية عديدة مثل. .علم الكتابة ،علم الدين، علم الزراعة، الهندسة ،الطب. ...فإذا إجتاز هذه العلوم بتفوق عندها يمكن له متابعة دراسته في علوم الحكمة.

هذا العلم إنتقل مع قوم موسى إلى اليهود ووصل إلى النبي سليمان عليه الصلاة والسلام ..فطوره وأضاف عليه أشياء جديدة لذلك يعد النبي سليمان أحد أعظم علماء الحكمة ( فلاسفة ) عصره ومنه إنتقلت آرائه وأفكاره إلى علماء اليهود وسميت بعلوم الحكمة السليمانية ومن أهمها تلك المعروفة بإسم القابالا ، ولكن بعد سنوات من وفاته حدثت إختلافات كثيرة على صحة هذه العلوم لذلك راح بعض رجال الدين اليهودي وإتهموا النبي سليمان بخروجه عن تعاليم الله في آخر حياته ولكن القرآن الكريم ينكر هذا في آيته الكريمة "....وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا...." في علم الحكمة بالنسبة ليوسف وسليمان نجد أنها تعطي أهمية كبيرة للأرقام وتعتبرها لغة إلهية يمكن بواسطتها فهم الفكر اﻹلهي والحكمة اﻹلهية في خلق اﻷشياء، وقد أشارت الكتب المقدسة إلى أهمية اﻷرقام في فهم كل شيء من حولنا ،فالكتب المقدسة مليئة باﻷرقام سواء في وصف اﻷشياء أو في تراتيب اﻹصحاحات والسور واﻵيات وفي التوراة نجد ان الكتاب الرابع يحمل عنوان (عدد ) وفي القرآن الكريم نجد الله يصف كتابه العزيز في سورة المطففين (كتاب مرقوم ) والمقصود به هو أن لغة اﻷرقام هي التي تساعد على كشف المطففين في علم الفلسفة. لأن هؤلاء لا يفقهون ولا يشعرون باﻹحساس الروحي للأرقام ، لذلك لا يعطون لها أي أهمية في فهم المعنى الشامل للشيء أو الحدث، فلاسفة اليوم يرفضون سماع إثباتات لغة اﻷرقام ويعتبرونها تخلف فكري ،أيضا الدكتور خالص له نفس الرأي رغم أنه درس الشريعة اﻹسلامية. 

حسب فلاسفة العصر الحديث الذين لا يفقهون شيئا في الفلسفة يعتقدون أن طاليس الميليسي (634-543 ق.م) هو الفيلسوف اﻷول في التاريخ. هذا الرجل كان تاجر إغريقي سافر مرات عديدة إلى مصر وبلاد الشام بهدف التجارة وهناك في تلك البلاد سمع من كبار علماء الحكمة آراء في خلق اﻷرض وكينونة اﻹنسان والكائنات الحية وكذلك عن تفسير الظواهر الطبيعية وآراء عن تركيب الحياة واﻷشياء. هذا النوع من العلوم أثار إهتمامه فأخذها معه إلى بلاده وهناك فتح مدرسة تعلم وتبحث في هذه المواضيع وحتى تكون هذه المعلومات خاصة به ولا تطابق تماما آراء علماء المصريين واليهود والبابليين ذهب طاليس وحذف منها كل شيء له علاقة بالدين والروح وهكذا تحولت هذه العلوم من منطق روحي (فلسفة) إلى منطق مادي (علوم مادية ) وعلى هذه القاعدة ذهب تلامذة طاليس يتابعون أبحاثهم. 

بعد فترة ظهر تلميذ ذو إدراك روحي عالي إسمه فيثاغوراس (570-490 ق.م) والذي شعر من البداية أن هذا النوع من اﻷبحاث يعاني من ضعف شديد بسبب غياب اﻹحساس بروح اﻷشياء المدروسة لذلك بدلا من ضياع وقته في تلك المدارس المادية حمل نفسه وذهب إلى مصر ليتابع دراسته في مدارسها ليحصل على القاعدة اﻷصلية لهذا النوع من العلوم التي تركها النبي يوسف عليه السلام لعلماء مصر وهناك بقي فيثاغوراس لمدة ( 22 ) عام وأثناء إحتلال جيوش الفرس لمصر كان فيثاغوراس مع أولئك اﻷسرى المصريين الذين تم نقلهم إلى بلاد بابل وهناك سمحت الفرصة لفيثاغوراس أن يتعرف على علماء بابل وعلماء اليهود الذين تم أسرهم هم أيضا وهكذا إطلع على علومهم التي أخذوها من النبي سليمان والمعروفة بالقابالا، في بابل بقي فيثاغوراس ( 10) سنوات أخرى وبعمر (53 )عام عاد إلى بلاده جزيرة ساموس التي كانت تعيش تحت حكم الديكتاتور بوليكراتيس فإضطر إلى الذهاب إلى جنوب إيطاليا بلدة كرتون وفتح هناك مدرسة علمية روحية وأطلق على هذا النوع من اﻷبحاث إسم ΦΙΛΟΣΟΦΙΑ ( فيلو صوفيا = فلسفة ) ومعناها (المهتم بالحكمة ) وهكذا وﻷول مرة في تاريخ البشرية تظهر كلمة (فلسفة ) كعلم ليعبر عن علم الحكمة الذي يدرس في مدرسة فيثاغوراس .والذي عبر عنه تلميذه أفلاطون بالعبارة الشهيرة (الله يهندس في خلقه ) والمقصود هنا أن كل شي في هذا الكون لا يوجد صدفة ولكن يتبع قانون يعبر عن الحكمة اﻹلهية في خلق هذا الشيء، ودور الفيلسوف هو كشف قوانين الحكمة اﻹلهية في الخلق.

للأسف بعد أفلاطون أتى أرسطو وكما فعل طاليس ذهب وحذف كل شيء روحي من علوم الفلسفة وحول هذا العلم من فلسفة تدرس العلاقة بين الشكل والمضمون ( الروح والمادة ) لفهم الحكمة اﻹلهية في خلق اﻷشياء حوله إلى علم مادي لا يختلف عن علم الإجتماع وعلم النفس والسياسة والعلوم الطبيعية والفلك، لكن الله عز وجل لا يترك شيئا وإلا وقد عبر عنه بحادثة لتراها عين الفيلسوف ليفهم حقيقة ما يحدث، فأرسل الله إسكندر المقدوني ليعبر عن ذلك الخطأ الذي إرتكبه أستاذه أرسطو. فعندما علم أرسطو أن إسكندر يجهز جيشه ليغزوا العالم ، عد فكرة إسكندر ضربا من الجنون ﻷنها تخالف المنطق الذي علمه إياه ،فحسب منطق أرسطو أن جيش إسكندر الذي يتألف فقط من 35 الف جندي من الجنون ان يخوض معركة ضد جيش الفرس الذي يتألف من 250 ألف جندي، ورغم النقاش الحاد الذي جرى بين اﻹستاذ أرسطو وتلميذه إسكندر ، أصر إسكندر على رأيه وأخذ جيشه منطلقا لغزو العالم وبعد سنوات قليلة حقق هدفه وأثبت ﻹستاذه أرسطو ان المنطق المادي الذي يؤمن به ويدعو إليه ،هو منطق ضعيف لا يلعب أي دور رئيسي في تطور اﻷشياء وتفسيرها ،وأن هناك منطقا آخر هو المنطق الروحي الذي إعتمده فيثاغورس والذي يسيطر على كل حركة في هذا الكون.

إذا قارنا بين منهج البحث في دراسة اﻷشياء لأرسطو وبين منهج فيثاغوراس ،لوجدنا فرقا كبيرا بين المنهجين ،حيث نجد أن أرسطو يعتبر المادة هي اﻷساس وجوهر اﻷشياء ( كما هو اليوم في منهج العلمي الحديث) ، بينما فيثاغوراس يعتبر أن الروح " الله " هو اﻷساس والجوهر، لذا قسم المفكرون الفلسفة عبر التاريخ إلى نوعين : فلسفة ذات مذهب مادي ( أرسطو) وفلسفة ذات مذهب مثالي ( أفلاطون ) هذا النوع من التقسيم يعتبر اول تشويه يحدث في مفهوم الفلسفة ﻷن أرسطو لم يكن فيلسوفا ولكن عالما بعدة أنواع من العلوم، إجتماع ،نفس، رياضيات ،فلك ،حياة.. أما أفلاطون فكان فيلسوفا وعالما أيضا في العلوم اﻷخرى، وهؤلاء المفكرين الذين قسموا الفلسفة لنوعين راحوا وحذفوا من أفلاطون علوم الحكمة. وتركوا منها تلك التي تشابه علوم أرسطو المادية

إن محاولة تشويه هذا العلم وتحويله إلى علم مادي جرت في شعوب العالم جميعها ،مما أحدث نوعا من الصراع بين الفلسفة المادية المزيفة والفلسفة المثالية، هذا الصراع دام عشرات القرون حيث كان للديانات الخمسة العالمية دورا كبير في القضاء على الفلسفة المادية المزيفة التي سعت على الدوام إلى الظهور من جديد مع كل إنحطاط ديني أو حضاري.

في عصر الحضارة اﻹسلامية وعصر النهضة جرت محاولات عديدة من عدة مفكرين في محاولة تنقية الفلسفة من كل الشوائب لتلعب دورها الحقيقي في تطور اﻹنسانية من بينهم كان إبن رشد وآخرهم كان الفيلسوف هيجل (1770-1831 ) ولكن أتى ماركس وأعطاها الضربة القاضية وحذف كل شيء روحي من الفلسفة قائلا (الدين أفيون الشعوب وزمرة العقول اليابسة) وهكذا إختفت الفلسفة من المنهج العلمي للعصر الحديث، اليوم يعتبر أرسطو ذو المذهب المادي اﻷب اﻷول لجميع جامعات العالم بكامل فروعها ، وأما فيثاغوراس الذي ظل 33عام في الغربة يبحث في علوم الحكمة في مصر وبلاد الشام والذي هو من وضع ﻷول مرة كلمة فلسفة على علومه والذي بفضله دخلت الحضارة اﻹغريقية عصرها الذهبي، فلا أحد اليوم يعترف به كفيلسوف ولكن للأسف ككاهن صوفي وعالم رياضيات لا أكثر ولا أقل! أما مبادئ الفلسفة الحقيقية فاليوم ينظر إليها كخرافات....وبسبب غياب الفلسفة في عصرنا الحديث تم تحويل جميع النشطات الفكرية إلى علوم خالية من الروح حتى جامعات الشريعة اﻹسلامية واللاهوت التي تبحث في الكتب المقدسة تدرس هذه الكتب بنظرة ماركسية خالية من نور الله، من يتمعن جيدا في آراء الدكتور خالص جلبي سيجد أنها من نفس نوعية فلاسفة عصر الحديث ويختلف جذريا عن منطق فيثاغوراس في البحث العلمي. 

لتوضيح دور الفيلسوف الحقيقي في هذا العصر الذي علماؤه من الذين لا يؤمنون بوجود الله وعددهم يزداد يوما بعد يوم ، سأعرض عليكم معلومة بسيطة من فلسفة القرآن الكريم لتكون إثبات علمي لا يستطيع أي عقل علمي إنكار وجود الله :

انظروا في راحة كف أيديكم ستجدون فيها خطوط لها شكل رقم ثمانية عشر "1Λ " في اليد اليمنى والرقم واحد وثمانون"Λ1 " في اليد اليسرى، هذان الرقمان ليس صدفة فمجموعهما يساوي (99) وهو عدد أسماء الله الحسنى و وكذلك فهما يلعبان دورا كبيرا في تفسير اﻷشياء، فالشكل" 1Λ " يبدو وكأنه حرفان يونايين لهما لفظ ( إل ) ومعناه الله في اللغة العبرية ، مثل إسم إسماعيل ( إسمع - إل) ومعناها الله يسمع، اﻵن إذا حسبنا عدد مجموع آيات القرآن الكريم سنجد أنها تساوي ( 6236) آية ،هناك نوعان من السور النوع اﻷول يبدأ بشكل طبيعي ومفهوم متل سورة الفاتحة ،أما النوع الثاني من السور فتبدأ بأحرف غامضة مثل (ألم ، المص، الر، كهيعص، طه، طس ، طسم ، يس، ص، حم، ق، ن ) وعددها 29 سورة ومجموع عدد آياتها هو (2743 ) إذا ترجمنا لغة هذه اﻷرقام حسب الكابالا العربية (النظام الرقمي للغة العربية ) سنجد أن معناه عين أثينا ، أثينا هي إلهة الحكمة في اﻷساطير اﻹغريقية، السورة اﻷخيرة من هذا النوع هي سورة القلم التي تبدأ باﻵية ( ن والقلم وما يسطرون ) والمقصود هنا هو ما يسطره علماء العصر الحديث بعد أن حذفوا علوم الحكمة (الفلسفة ) من المنهج العلمي والذي أدى إلى ظهور الوحشية والعنف في سلوك الصغار والكبار...إله الحرب والعنف في اﻵساطير الإغريقية هو إله آريس (مارس باللاتينية) وهو الكوكب الرابع المريخ ،اﻵن إذا حولنا العدد السابق(2743 ) إلى سنوات مريخية سنحصل على الرقم (1458)  وهو حاصل ضرب (81×18) أي الذي له شكل خطوط اليد ( 1ΛΛ1 ) . أي أنه عندما تدور اﻷرض حول الشمس (2743) فإن كوكب المريخ يدور حول الشمس (1881) مرة .السؤال هنا ما معنى هذا التطابق ؟!. لنذهب الآن الى النوع الثاني من السور فمجموع عدد آياتها هو ( 6236 -2743 =3493 ) هذا العدد هو مجموع سنوات الكواكب الثلاثة اﻷولى (عطارد، زهرة،اﻷرض ) عندما يدور كل واحد منها 1881 مرة حول الشمس أي :كوكب عطارد يدور حول الشمس 1881مرة في زمن يعادل (529،25 ) سنة، والزهرة تدور 1881 مرة في زمن يعادل (1351،59) سنة واﻷرض تدور في زمن (1881 ) سنة ،المجموع يعادل 3493. وهو عدد آيات السور من النوع اﻷول.هذا يعني أن مجموع عدد آيات القرآن بأكمله (6236 )ليس صدفة ولكن هو مقدار زمني يعادل 1881 سنة لكل كوكب من كواكب المجموعة اﻷولى من المجموعة الشمس (عطارد،الزهرة،اﻷرض) وللمريخ (81×18) . لشرح الحكمة اﻹلهية في تطابق هذه اﻷرقام يحتاج إلى وقت طويل ولكن هنا نستطيع أن نقول فقط انه يساعد على فهم المخطط اﻹلهي في تصميم المجموعة الشمسية. مثلا من خلال إستخدام الشكل الهندسي لشكل( 1Λ) يمكن إخراج قانون مكان تواجد كل كوكب بدقة متناهية وبشكل يحطم قانون الصدفة الذي يؤمن به علماء الفلك اليوم. ويجعل كل عالم ملحد مهما كان نوع علومه أن يعيد التفكير بهذا الموضوع .فإذا كان القرآن الكريم من تأليف إنسان وليس الله ،فمن أين أتى بهذه المعلومات العلمية التي بدات تظهر بعد أكتشاف كوبرنيكوس للمركزية الشمسية.أي بعد ظهور اﻷسلام بألف عام. 

للأسف الدكتور خالص قرأ هذه المعلومات في كتابي ولكن تجاهلها نهائيا ولم يذكر في نقده لكتابي شيئا منها، وترك معلوماته هو ليقرأها الناس، من يقرأ آرائه عن الدين والعلم يجد أنها معلومات سطحية فقيرة كتب مثلها الكثير من علماء الغرب عن ديانتهم ولكن لم يكن لها من القوة في إقناع أي شخص ملحد في إثبات وجود الله أو في صحة القرآن أو الكتب المقدسة اﻷخرى. لذلك ظل عدد العلماء الملحدين في تزايد مستمر 

ما أرجوه من المعجبين بآراء الدكتور خالص هو عدم التسرع بالحكم - كما فعل الدكتور خالص -على آراء إنسان كان يشار إليه بالطفل المعجزة، ووهب جميع مواهبه من أجل حل مشكلة العنف في اﻷطفال. وكما فعل فيثاغورس الذي هدر سنوات طويلة من عمره ليصل إلى الحقيقة هو أيضا راح يبحث بصمت في مضمون اﻷشياء لمدة أربعين عاما قبل أن يطرح أفكاره على الناس، وأعتقد أن مثل هذا اﻹنسان أرقى بكثير من أن تستطيع أن تجرفه مشاعر سخيفة مثل الغيرة. .واﻹنتقام....وغيرها ..فحق اﻷطفال في أن يعيشوا في بيئة روحية صالحة هو فوق جميع مشاعر الكبار الشخصية.

في المقالة القادمة إن شاءالله سأعرض آراء الدكتور خالص التي ساهمت في دمار سوريا وتشريد ملايين السوريين من بلادهم والتي لا تستطيع رؤيتها إلا عين فيلسوف حقيقي!