القضية الساخنة
طلعت سقيرق
قضية فلسطين، ولا نخترع أو نبتدع، هي قضية شعب.. قضية أمة.. قضية تاريخ ومصير وأزمان.. ومثل هذه القضية لا تكون هنا مرة وهناك مرة أخرى حسب الأمزجة أو المتغيرات والتقلبات السياسية وغير السياسية!!.. فهي بالتأكيد أكبر من كل ذلك وأعمق من أي تصور يخطر على بال هذا السياسي أو ذاك.. سخونة هذه القضية مرتبطة بزمنٍ يطول أو يقصر، وحلٍ يوجد أو لا يوجد.. ومن يظن أنّ كلمات قليلة تُغير المجرى والمسار بكليته فهو دون شكك مفكر قصير النظر جداً.. لأن الأمور هنا ستبقى على مدار الأيام كبيرة، أكبر من الأشخاص مهما علا شأنهم!!..
بطبيعة الحال، يظن البعض، أنهم سيوجدون الحل بين ليلة وضحاها!!.. لكنهم في هذا عندما يفعلون يوجدون أشياء صغيرة من الحل تؤدي بطبيعتها إلى حلول مؤقتة من جهة وتعقيدات كبيرة من جهة ثانية!!.. وقد علمتنا الأيام كما السنوات أنّ الحقيقة غير ما ذهب إليه كل الساسة الذين فكروا بأنصاف الحلول أو أرباعها أو أخماسها!!.. فكان خطأ كل واحد منهم مريعاً بما استجرّ من فوضى مميتة للشعب صاحب القضية أولاً.. فالحلول المجتزأة الناقصة تترك أشياء غير مكتملة على الأرض ليدفع الشعب الثمن من دمه ووجوده ومستقبله وكل ما يتعلق به.. وتراجع السياسي عن الخطأ يأتي بعد فوات الأوان..!!..
القضية الفلسطينية، قضية كلّ لا قضية جزء.. والتفكير بالتجزيء مصيبة صارت نتائجها معروفة للقاصي والداني إلا للسياسيين الذين ما زالوا يأخذون ويعطون ويعملون في مساحة الهوامش الضيقة الخانقة.. مع أنه من المفترض، حسب مفهوم السياسة، أن يعي السياسي معنى القضية ومعنى الشمولية في الحل.. وكأنّ الجميع يتناسون أنّ خطأ السادات كان مريعاً حين اجتزأ وجزأ فأخرج مصر من موقعها الريادي من جهة ودفع الثمن غالياً من جهة ثانية ولم يصل إلى أي شيء من جهة ثالثة مع كل ما مضى على خطئه المريع من جهة رابعة!!..
يُفترض أن نفهم ونعي ما تفهمه سيئة الذكر "إسرائيل" قبل غيرها وتعمل على أساسه.. هذا الفهم يتحدد في التناقض بين حالتي التواجد العربي والتواجد "الإسرائيلي" على طول الخط.. وما المماطلة والتسويف واللف والدوران من قِبل "إسرائيل" إلا لأنهم يعون ذلك تماماً بل ويعملون على أساسه.. فليس من باب الغباء رفضهم للسلام مع المحيط العربي بل من باب معرفة الواقع الذي لا كأننا نريد أن نعرفه.. هذا الواقع الذي استوعبه الثوريون العرب منذ البداية ورأوا أنّ إمكانية قيام "إسرائيل" في محيط عربي محض خيال!!.. وأنّ بقاء ما هو عربي مع وجود هذا الكيان غير ممكن أيضاً.. فكانوا يعملون من هذا المنطلق الواعي ويرسمون خططهم على هذا الأساس الذي بقي حتى الآن واقعاً لا يمكن القفز فوقه..
فلسطين في هذا المعنى نفي للكيان الصهيوني.. والكيان الصهيوني نفي لفلسطين.. وإذا كنا نستطيب الوقوع مرات في فخ الخطأ القاتل، فقد آن الآوان أن نفتح العيون بعد ستين عاماً من النكبة على الحقيقة دون حاجة إلى الكثير من الضحك على الذات والذقون، لأن الأمور جدّ واضحة ولا تحتاج إلى الكثير من التفكير.. إنها الحقيقة فاغتنموها واعملوا على أساسها وكفانا تضييعاً للوقت فيما لا ينفع ولا يُجدي ولا يُفيد بأي حال!!..
===================================
حكمـة: أن تكون فرداً في جماعة خير لك من أن تكون قائداً للنعام!