مطبّات
جميل السلحوت
لا أعلم ان كنت سأبقى ملكا للشارع ، أم انني سأتخلى عن عرشي مكرها، فعندما اتجول في طرقات قرى ومدن وطني، أشعر بأنني ملك الشارع حقا ، فالجزء الأعظم من هذه الشوارع لم يعانق الاسفلت منذ عشرات السنينـ حتى أخال انه تطلق منه طلاقا بائنا بينونة كبرى ، وكثرة الأبنية التي تعتدي على حرمة هذه الشوارع اكثر من ان تحصىـ فاذا ما التقت سيارتان فإما ان تحصل " طوشة " بين السائقين، وأما ان يرجع الأعقل الى الخلف مئات الامتار حتى يجد متسعا يسمح للآخر بالمرور .
ولكثرة الحفر في هذه الشوارع فان السفر عليها يشكل خطرا على المركبة وعلى المسافرين فيها ، واما محسوبكم فإنني بلا فخر اجوب هذه الطرقات على ظهر حماري بدون ازعاج اللهم الا ازعاج سائقي سيارات الفورد ترانزيت وسسيارات الاحتلال العسكرية وسيارات المستوطنين، فهؤلاء لا يرعون للطريق حرمة ولا ينجو منهم أحد من المارة الا من تسعفه قدماه فيولي هاربا .
وانا الان امام ظاهرة " المطبات " التي يتزايد عددها حتى في الشوارع الفرعية الضيقة التي لا تدخلها وسائل النقل الحديثة الا في المناسبات ، وقد اخذت هذه الظاهرة شكلا اكثر خطورة في المبارزة بين المواطنين الذين يضعونها على مقربة من بيوتهم، تماما مثل مبارزات اطلاق الرصاص في الاعراس والتي يتجندل فيها ابرياء وتزهق ارواحهم، أو في مبارزة " طبايخ " الاعراس التي تزهق فيها ارواح عشرات الرؤوس من الغنم يكون مصير غالبيتها المزابل .
ومبارزة عمل " المطبات " اخذت شكل ارتفاع عمودي، بحيث تصطدم بها السيارات فيلحق بها خراب فوق خرابها ، أما حماري فقد اصبح امام خيارين هما: اما تعلم القفز فوق الحواجز -واذا اتقن تلك اصبح امبراطور الشوارع- ، أو يعجز عن ذلك فأكون بين خيارين أحلاهما مرّ، وهما إما ان ابيع الحمار فينقطع رزقي، وأما ان اسلك طرق المشاة وأتأخر عن عملي ، فهل يلهم الله المجالس البلدية والمحلية فتمنع ظاهرة المطبات ان لم يكن لها ضرورة ، وان كانت هناك ضرورة فلماذا لا تعمل حسب المواصفات الهندسية ؟؟!
مكاره صحيّة
التلوث البيئي يهدد صحتي وصحة حماري بشكل لا يحتمل التأويل او التأجيل، فمجاري القدس تمر مكشوفة من وسط قريتي حتى انها قسمتها الى قسمين شرقي وغربي، ومجاري مستوطنة " ارمون هناتسيف " – قصر المندوب – التي اقيمت على قمة جبل المكبر في نفس المكان الذي هللّ وكبّر فيه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما اكتحلت عيناه برؤية القدس عندما جاءها فاتحا في القرن السابع الميلادي، تمر من وسط الجزء الغربي من القرية لتنفجر في الوسط مختلطة بالمياه السائبة من القدس ، وكلا خطي المجاري اللذان ينشران الاوبئة والروائح الكريهة وما يصاحبها من بعوض وناموس وذباب وغيرها من الحشرات غير مسموح للقرية باستعمالها لعدم وجود مجار في القرية ... وينساب واد الديماس لتلحق اضراره بالعبيدية لتتواصل حتى شاطئ البحر الميت ناشرة المكارة الصحية .. اما الجزء الشرقي من قريتي فإن المجاري تحيط به من جهته الغربية لتصاحب روائحه الكريهة هبات نسيم الهواء الغربي محولة اياها الى لعنة بعد ان كانت رحمة ... اما شرقي القرية فهناك مزبلة بلدية اولمرت التي ورثها عن سلفه تيدي كوليك، والتي تتربع في المثلث الجنوب الشرقي الذي يربط السواحرة الشرقية بابوديس، ليتقاسم اهالي القريتين المكارة الصحية التي يصدرها المحتلون الاسرائيليون للأراضي الفلسطينية المحتلة رغما عن اهلها ، وعن العالم اجمع، حتى اصبح السكان يتندرون على شر المصائب المضحكة من حضارة الاحتلال التي يصدرها للشعب الفلسطيني والممثلة بالزبل والبراز والنفايات السامة ، حتى اصبح الهواء النقي امنية يتغنى بها كل عليل، ضاقت رئتاه ربما من عفن زنازين الاحتلال .. او من بلاوي الاحتلال التي لا تنتهي . فهل نقوم بحملة اعلامية كي يوقف المحتلون رمي نفاياتهم في اراضينا ؟؟ خصوصا وانني اصبحت اشك ان تلويث البيئة ربما يكون سببا في كثرة " الطوش " التي تحصل عندنا لان الاكسجين لا يصل الى ادمغة " المتطاوشين "
من المرحاض نبدأ
عندما ذهبت الى احدى مؤسساتنا لانجاز احدى المعاملات وجدت نفسي حضاريا اكثر مما كنت اتوقع ، بحيث يحق لي ولحماري ان نفاخر على كل مدعي الحضارة والنظافة والنظام ، ولسبب بسيط هو ان حظيرة حماري – اجلكم الله – اكثر نظافة من " دورة المياه " في مكتب المؤسسة والتي لا يستطيع الانسان الوضوء فيها لكثرة الاوساخ فيها التي توصلها الى درجة النجاسة ، وكل موظف فيها يلقي المسؤولية على زملائه وكأنه بريء من تراكم الأوساخ او غير مشارك في زيادتها ، ولما رأيت احد التعساء الذي جار عليه الزمن فوقع ضحية لحادث طرق وافقده اكثر من نصف قواه الجسدية وعرقل قدرته على النطق وحوله من امير الى سواق حمير يعمل " فراشا " في مؤسسة مجاورة قررت ان اطبق المثل الذي يردده اشقاؤنا في ارض الكنانة والذي يقول ( ما قدرناش نحمل الحمار حملنا البردعة ) فاقترحت ان يقوم بتنظيف دورة المياه في المؤسسة المذكورة ، ولما سمع اقتراحي نظر الي نظرة عتاب وارتسمت على وجهه نظرة غضب ، وادار ظهره كأنه لم يسمع شيئا فلحقت به مهددا متوعدا فإذا بحماري ينهق نهيقا غاضبا اجفلت منه ، فخرج احدهم ويدعى " ابو حسين " على نهيق الحمار ، ولما رأى حماري قال " حمار الشيخ شيخ " قياسا على مقولة " كلب الشيخ شيخ " ولم يعلم الا لاحقا وبعد ان ردد " الحيط القصير الكل بنط عليه " ان الحمار كان على حق بعكس صاحبه ، ثم استدار ووبخ عددا من موظفي المؤسسة وهو يردد " صاحب الحاجة احق بحملها " والمفترض في كل انسان ان يحافظ على نظافة مكان عمله كما يحافظ على نظافة بيته ، وان مقياس نظافة اي مؤسسة تبدأ من " مراحيضها " فإذا كان المرحاض نظيفا فمن المؤكد ان تكون المكاتب نظيفة ، فاستحييت من نفسي وانسحبت هاربا دون انجاز معاملتي ، فوجدت حماري قد قطع " الرباط " وولى هاربا احتجاجا على موقفي مما اجبرني ان اعود الى البيت سيرا على الاقدام .
المال العام
وحفاظاً على حماري وحرصاً مني عليه من أن يصيبه مكروه ، فإنني سأرفض رفضاً قاطعاً تأجيره لأي مؤسسة رسمية فيما لو عُرض على ذلك، لأنه وكما يقول المثل الشعبي ( ابن الحزينة يعلم أولاد الجيران ) فقد علمتني السيارات ذات اللواحات الحمراء أو المخصصة للمؤسسات الرسمية أو الشخصيات الرسمية الكبيرة ،انها في غالبيتها مثل حمار العرس في موروثنا الشعبي الكل يركبها ،والكل ينقل عليها الماء والحطب سواء كان مخصصاً لهذا العمل أو غير ذلك ، وأنا أرفض أن يكون حماري حمار عرس ، في حين أن السيارات ذات اللوحة الحمراء تقبل بذلك، أو هي على رأي استاذنا الدكتور محمود العطشان مثل فرس حاتم الطائي الذي جاد بلحمها بعد أن لم يجد ما يقدمه لضيوفه ، وهي أيضاً تكون مطية للأغراض الشخصية يقودها الولدان والصبيان ،ولا يأبهون بالحفر والمطبات والجدران ، والسبب بسيط انها مال عام لم نتعود الحفاظ عليه ، ولا يهمنا كيفية الحصول عليه ، وكأننا من أغنى الدول والشعوب ، فسبحان الله الذي لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، غير أن زميلتي اللطيفة لمياء ذات اللسان الطويل والتي لا يعجبها العجب ولا الصيام في شهر رجب ضحكت بملء فيها، عندما علمت بأفكاري ، وقالت ساخرة بأنني لن أجد أي شخصية أو مؤسسة رسمية تقبل استئجار حماري ، لأن ذوي الشأن لا يستطيعون استعمال الهاتف الخلوي الذي تسدد فواتيره من المال العام من على ظهر حمار ! فاستظرفتُ فكرتها وتخيلت أحدهم وهو يستعمل الهاتف الخلوي من على ظهر حمار ، وإن أوصلني خيالي التعيس وأطماعي الأتعس بأن أبني قصوراً في الهواء، وأن أؤجر حماري بشرط أن اكون مرافقاً للمستأجر الذي سيترك هاتفه الخلوي معي في ساعات راحته أو ساعات خلوته لأمور شخصية، فأقوم بالاتصال مع أقربائي وأصدقائي في أرض الشتات ، وبهذا أحصل على نصيبي من المال العام المهدور دون أن يعلم بذلك أحد ، استبعدتُ الفكرة سريعاً عندما جال في خاطري وضع لوحة حمراء على أبي صابر، فمن سيضمن لي بانه لن يتحول الى مال عام ؟
عليّ الطلاق من.....
لا أدري ان كان ميلادي وعيشي في بيئة عشائرية دلالة على حسن الحظ أو سوئه نظراً لكثرة المشاكل والخصومات التي تحتاج الى أيام وليالي وسهرات، وحرق ساعات لحلها أو تعقيدها، لكن الملفت للانتباه حضور بعض الأشخاص لهذه الجلسات والذي يكررون أمام كل جميلة يقولونها لازمة لا غنى عنها وهي " عليّ الطلاق " وكأن الزواج والطلاق سلعة رخيصة الثمن تشترى وتلقى على قارعة الطريق، ليدوسها الانسان والحيوان ، والبعض منهم والذي يعتز بذكوريته ورجولته يكرر لازمة ( عليّ الطلاق من مروة " مروءة " الرجال والنسوان ما فيهن خير ) أو ( عليّ الطلاق من شاربي والنسوان ما فيهن خير ) دون أن يعلم أن في النساء مروءة وشهامة وخير أكثر من حضرته ، وأن زوجته المصون لو كانت تعرفه قبل الزواج لما قبلت به زوجاً ،حتى ولو قضت بقية حياتها عانساً ، ودون أن يعلم أو يريد أن يعلم أن شعرات شاربه العظيم تنمو مثلها وبشكل غزير شعرات في الأماكن الحساسة من جسد النساء اللواتي يطلق منهن ، ودون ادراك من حضرته عن الفوارق البيولوجية والخلقية بين الذكورة والأنوثة .
أما محسوبكم فقد قررت أن أقص شاربي كي لا أتساوى مع هذا الصنف من الرجال الذي يُفاخر بشاربه مهيناً زوجته بشكل خاص ، وجنس النساء بشكل عام ، وان كان هذا الصنف وديعاً ومطيعاً للنساء عندما يلتقيهن كطاعة كلب الصيد لصاحبه، وذلك بعد أن رأيت أحدهم يريد فتوى لارجاع زوجته الى ذمته بعد أن رمى عليها الطلاق من شاربه العظيم على مشكلة ليس لزوجته علاقة بها من قريب أو بعيد ، غير عالم أو مستعد لأن يعلم بان الطلاق يقع على زوجته، وليس عليه أو على شاربه .
المشعوذون
لا أعرف أي الشتائم يستحقها الأطباء بعد أن أُصيب أحد معارفي بأنفلونزا وأعطاه احد الاطباء علاجاً أطاح ببقايا دماغه ، فأصبح لا ياكل ولا يشرب ولا ينام ولا يجلس ، ويعتقد بانه ميت ، ولم يستطع أي شخص أن يُقنعه بأنه لا يزال على قيد الحياة ، والسبب هو ذلك الطبيب المعالج الذي انهالت لعناتنا عليه بدون حساب ، ولم يجرؤ أحد بأن يأخذه الى طبيب أو مستشفى لعدم ايماننا بالطب ، وكانت فرحتنا عظيمة عندما أحضر أحد الحاذقين من أسرة المريض " فتاحاً " من منطقة بعيدة ، وبلغت فرحتنا ذروتها عندما وقفنا رجالاً ونساءً وأطفالاً لاستقبال الفتاح العظيم مع أن الاختلاط عندنا من المحرمات الا أننا سمحنا " لحريمنا " – أجلكم الله – بالمشاركة في الاستقبال كي لا تفوتهن بركات الفتاح، وليزددن ايماناً على ايمان مما سيساعد على تربية الجيل الصالح الذي سنبني دولتنا العتيدة دولة العلم والايمان على أكتافهم ، وأعجبني تواضع الفتاح وارشاداته غير المفهومة واتساخ جسده وملابسه والرذاذ المتطاير من فمه ، فهذا هو التواضع الذي هو من صفات الحكماء والفلاسفة والذي لا يقوى على فهمه رعاع الناس من أمثالي .
وازددتُ اعجاباً بعلم الرجل عندما طلب كشفية خمسمائة دينار لتشخيص المرض الذي يعجز أطباء الكرة الأرضية عن تشخيصة ، حيث تبين أن الرجل المريض مسكونٌ بجني كافر والعياذ بالله ، ومع ان الفتاح المؤمن يحكم جنيا مؤمناً أو رحمانياً على حد تعبير صاحبه ، الا أنه لم يستطع اخراج هذا الجني من جسد المريض لأن الجني المؤمن ضعيف البنية والقوة كضعف المؤمنين هذه الأيام ، في حين أن الجني الكافر قوي كقوة الكفار ، وكما اخبرنا الفتاح كان الجني المؤمن يهرب كلما اقترب من المريض خوفاً من الجني الكافر مما استدعى الفتاح مشكوراً أن يقبض خمسمائة دينار أخرى كي يجند جنياً آخر يعاون صاحبه على ذلك الكافر اللعين في مدة أقصاها أسبوع من العراك والنطاح .
وانصرف الفتاح بعد أن أكل المناسف التي تليق بعظيم من أمثاله، ونحن نودعه شاكرين له لطفه وكرمه وحسن تعاونه ، بعد أن أعطانا مواعيدا لبقية المرضى من أبناء قريتنا، حيث أن وقته ضيق لكثرة المرضى في المناطق الأخرى ، وازدادت حالة المريض سوءاً حتى أصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت مما اضطر أحدهم ورغماً عنا بأن ننقله الى مستشفى المقاصد ، حيث حوله الأطباء الى طبيب للأمراض النفسية بعد علاج في غرفة الانعاش المكثف لثلاثة أيام ، وما مضى أسبوع الا وقد شفي صاحبنا لأن الجنيين المؤمنيين طردا الجني الكافر من جسده، ولم يوافق أحد على دفع أجرة العلاج للمستشفى، واستبدلناها بقرار جماعي بإكرامية الفتاح الذي أشفى الرجل بإذن الله .
أما محسوبكم فقد وقعت في شرور جهلي لولا أن رحمة الله حلت علي ، ففي هذه الأيام القائظة أصبح حماري كالمجنون يخبط بقوائمة على غير هدى ، ويتمرمغ كيفما شاء، فتأكدت من أن جنياً كافراً يتلبسه، وصممت أن أحدد موعداً مع الفتاح كي يعالجه لولا أن أم العيال رأت ذبابة الخيل تلسعه فقتلتها رغماً عني لاعتقادي أن انها الجني الكافر ، ومع ان الحمار عاد الى سابق عهده الا أنني لا أزال خائفاً على أم العيال من شر الجني الذي قتلته فمن سيحميها من ثارات أقاربه ؟؟