أنفهمُنا؟!
جُمان يوسف النتشة
كلية الطب - جامعة القدس/ فلسطين
ككل يوم ولجتُ باب المشفى..
وإني لأعلم أن حديثي غدا مملاً.. إذ صار جوهره الآلام والأوجاع.. صار يصف المشافي والأطباء والمرضى.. صار آهاتِ ثكالى وتأوهات مكلومين..
لكن ماذا أفعل إذ أعيش هناك؟!
ماذا أفعل إذ أنظر حولي فلا أجدني إلا عن يميني مصدوع وعن شمالي موجوع؟!
إن العاشق يناجي القمر ويزفر على صدر الليل الثقيل.. فتكون كلماته كلمات صبّ يرى الدنيا في نظرةٍ من عينٍ أرقها السهر وأغرقها الهوى.. لكنها لها كبرياءٌ يقول لها أنْ عذبيه!..
وإن الذي له جنات في الأرض يعزف بكلماته على أنغام الطبيعة.. يزقزق مع عصافيرها ويهدل مع حمائمها.. فتكون كلماته أرضاً وسماء ً وأزاهير!..
وصاحب الوطن السليب يكتب بلغة الرصاص والدم.. فيخلق بكلماته قوة الحق ويجنّد بحروفه أناشيد النصر!..
والأسير ينعى أيام الشمس!..
وأنا!..
أنا أكتب عن أولئك الذين أشهدهم كلّ يوم.. أشهد آلامهم.. ودموعهم.. واستغاثاتهم..
فاعذروني.. لكنّي هنا أعيش.. ومن هنا أتعلم!..
اليومَ كان في الغرفة الأولى طفلة يتيمة تبكي..
تبكي من شدة الألم!..
وأم الطفلة كانت تبكي..
تبكي -كذلك- من شدة الألم!
فأما الألم الأول فألم الجسد الطفل الذي يستجيب بطبيعته للمرض..
والدموع الأولى: دموعُ شكوى!..
وأما الألم الثاني فألم القلب..
القلب الذي يرى قطعة من قطعه تشكو ولا يملك إلا الدعاء!..
والدموع دموع لهفة ورجاء.. ودموع حسرة وذكريات.. ودموع شوق لزوج تخلف عن ضم بنيّته لأنه.. في القبر!
كانت المعاني كثيرة جداً.. متبعثرة في كومة من المشاعر الدافقة.. كومة من مشاعر الإنسان!..
القلوب والدموع والعيون.. تخفق وتنزف وتشكو..
وأنا أفكر...
كيف تخفق قلوبنا للحبّ وتذرف عيوننا للأسى؟!
ولـِم َ تسمو مشاعرنا إلى السماء أو تهوي بنا إلى الأرض؟!
هل نفهم الإنسان؟!
هل نفهمنا؟!..
"وفي أنفسهم.. أفلا يبصرون؟!"