المعلم الفلسطيني وواقع التنشئة

تحسين أبو عاصي

– غزة فلسطين –

[email protected]

(( بـعـيـدا عـن التسـيـاسـة ))

لا شك أن المعلم الفلسطيني في الوطن يخضع لتجاذبات ومناخات سياسية كثيرة ومعقدة ، تجعله يعاني كثيرا من الضغط والإرهاق ، ومن المعلوم أن كل امة أرادت النهوض والبناء والتحرير، إنما تُحقق ذلك كله من خلال المعلم ، وأن كل ويلات ومصائب الأمة وتخلفها ، إنما يرجع أسبابه إلى عدم وجود خطة علمية راقية في بناء المعلم ، وإعداده إعدادا يرتقي به إلى حجم ومستوى المسئولية وتحدياتها الجسام .

إن ضياع المعلم وانهياره ، يعني ضياع وانهيار كل شيء ، يعني انهيار القيم والسلوك والأخلاق ، وضياع التعليم والبناء والاقتصاد والتطوير ، يعني فقدان الوطن والشعب والهوية ، يعني التيئيس والتهجير والتذويب .

ما أشد حاجتنا في هذه الظروف والأوقات لبناء المعلم ، ولجهد المعلم ؛ من أجل النهوض بواقعنا المأساوي ، فإن كان المعلم مرهقا ، يشعر بالضغط  ، ويتألم مرارة ، فأنَّى له العطاء ؟ وأنَّى للمجتمع أن يحيى ؟ وأنَّى للوطن أن يتحرر؟ .

في دول كثيرة يحرص رجال الحكم والسياسة والقانون ، على أن يكون للمعلم دورا في جميع سلطاتها ومؤسساتها ، التشريعية والقضائية والتنفيذية والإعلامية ، وسائر المؤسسات الأخرى ، وجميع الدول التي وضعت المعلم في مكانه الحقيقي ، كان حليفها النمو والبناء والتطور والرقي ، وأما الدول التي تجاهلت المعلم ، فكان حليفها الجهل والفقر والمرض والتخلف والضياع والفوضى .

في أمريكا : وبعد أن أطلق الاتحاد السوفيتي أول سفينة فضائية ، اجتمع الرئيس الأمريكي بالمعلمين وطلب منهم خطة خمسية تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية بعدها من منافسة الاتحاد السوفيتي ، وإطلاق سفينة فضاء أمريكية ، وقد تم ذلك فعلا وفي أقل من خمس سنوات بواسطة المعلم الأمريكي .

وفي اليابان : تمكنت اليابان من منافسة أمريكا في الصناعة والتجارة عن طريق المعلم ، واستطاع المعلمون أن يحولوا الأرض التي كانت لا تصلح للزراعة بسبب القنبلة النووية التي ألقتها أمريكا ، إلى أرض زراعية صالحة ، ولا يُسمح للمعلم المتقاعد من الاعتكاف في بيته كأنه ينتظر الموت ، بل يجب عليه أن يكتب كل تجربته ؛ لتكون مرجعا للآخرين من المعلمين ، وأن يُشرف على المعلمين الجدد ولو ساعة في الأسبوع .

وفي بريطانيا : يترأس المعلمون أكبر مبنى في العالم وسط لندن من أجل التطوير والإبداع .

وفي سنغافورة : تخضع معظم الوزارات للمعلمين ، حتى تمكن الطفل السنغافوري من منافسة كل أوروبا بأجهزة الحاسوب وألعاب الأطفال .

وفي فيتنام : قاتل المعلمون جنبا إلى جنب مع طلابهم وشكلوا المجموعات والخلايا بمساعدة العمال والمزارعين ، واستطاع الفيتنامي من أن يطور مهارته القتالية ضد أمريكا ومن قبلها فرنسا بابتكار أساليب مقاومة جديدة لا تخطر على بال احد ، فقد ربّوا نوعا من الحشرات ( على سبيل المثال لا الحصر ) كانت الحشرة تقف على رقبة الجندي الأمريكي وتمتص من دمه ، وكان للمعلم ولا يزال شان كبير بعد النصر والتحرير .

وفي فرنسا : يشرف المعلمون على أكبر التجمعات والمنشآت الصناعية والزراعية في الدولة ؛ من أجل التقدم والتطوير .

نابليون بونابرت قال : لو لم أكن مقاتلا لوددت أن أكون معلما .

كثير من القادة في العالم كانوا معلمين ، استطاعوا أن يقودوا جيوشا وشعوبا ودولا وثورات وحركات ، كان الشيخ المجاهد الكبير أجمد ياسين رحمه الله معلما ، وكان الأخوان المناضلان الكبيران . صلاح خلف وخليل الوزير رحمهما الله معلمين ، وكان كثير من قادة ثورات الدول العربية والإسلامية معلمين .

في كثير من دول أوروبا يعمل المعلم ما بين العشر والخمسة عشر عاما فقط .

فما بال المعلم الفلسطيني اليوم ؟ وبعيدا عن التبريرات التي لا تعبر إلا عن الضعف والفشل ، فالمعلم الفلسطيني وبحكم أنه يعيش في مرحلة تحرر وبناء في آن واحد ، يجب أن يكون هو الأكثر جدارة من باقي المعلمين في الأرض ، وإن التجاذبات السياسية التي يعيشها ، يجب أن تزيده إصرارا على البناء والتحرير ، كما أن التباين في المشارب الفكرية والرؤى السياسية يجب أن تكون من أقوى العوامل على النهوض والرقي .

إن انتماء المعلم يجب أن يكون للوطن وللشعب وللقضية بعد الله عز وجل، بصدر واسع وبروح رياضية عالية ، وبقدرة كبيرة على الخطاب تعبر عن وعبه والتزامه ومسئولياته .

لا شك أن بعض المعلمين في وطننا هم كذلك ، فمنهم القادة والرجال ، ومنهم الوجهاء والأعيان ، ومهم الكتاب والأدباء والمفكرين ، ومنهم أصحاب القرار .

إن الواقع مرآة تعكس علاقة المعلم بكل شيء من حوله ، ولا شك أن هناك من المعلمين الذين لا ينتمون إلا لمرتباتهم آخر الشهر ، ومنهم أيضا يفتقر إلى الرؤية و المسئولية ، وسبب ذلك يعود إلى غياب الخطط والبرامج المتعلقة في التوعية والتنشئة والبناء .