صرخة غضب وكلمة هجاء في وجه الكتاب والأدباء
صرخة غضب وكلمة هجاء
في وجه الكتاب والأدباء
تحسين أبو عاصي
– غزة فلسطين –
فرق كبير بين من يشعر بمرارة الألم ، وبين من يُشَخّص الألم ، فالمثل الشعبي الفلسطيني يقول (( إللي إيدو في النار مش زي إللي بيتفرج عليها )) .
من العجيب أن يمر الأدباء بشكل عام ، والفلسطينيون تحديدا ، في ظروف قاسية ومحن صعبة ، ثم تؤثر عليهم بالسلب والذاتية واللامبالاة ، فبدلا من أن تختزل أقلامهم المعاناة والجراح والآلام ، حدث العكس من ذلك ، فقد اختزلت المعاناة والجراح والآلام أقلامهم .
وبمعنى آخر ووفق ما يجب أن يكون ، ولا أظن أن يخالفني في ذلك حريص أبدا .
من المفترض أن تشحن المحن صاحب القلم ، فتشعر وأنت تقرأ له ، أن نارا تشتعل من وراء كلماته ، أو جنان تعيش في رياضها ، وأنه يكتب بمداد من الدم والحرقة ، وليس بمداد من الكذب والرياء .
الكتابة تعبير عن نبض القلب الخافق بدم الكرامة والحياة ، لا ينبغي أن تتحول إلى ذاتية متقوقعة ، فمن كان قلمه ذاتيا ، باتت معالم ذاتيته واضحة كل الوضوح ، ومن كان قلمه متفانيا من أجل غيره ، وسباقا لخير ومصلحة الأمة شممت رائحة ذلك من بين ثنايا سطوره وصفحاته ، وأيقنت حينئذ أن هذه هي الكتابة الحقيقية وليست الزائفة المخادعة ، كما هو حال كذب وزيف معظم الأدباء والكتاب اليوم ، إلا من رحم ربي ( وقليل ما هم ) .
أليس من العجيب أن أطرق بنفسي أبواب صوامع بعض الكتاب والأدباء هنا في غزة ؛ من أجل مشاورتهم والاستفادة من خبراتهم ، والاستعانة بطاقاتهم ، ثم لا يحترمون توجهي أليهم فيوصدون أبوابهم دوني .
لو عرف القلم لحظة واحدة أن إبداعاتهم ستكون ذاتية محضة ، ولأهداف في نفس يعقوب ( كما يقول المثل الشعبي ) ، لذاب القلم من بين أصابعهم خجلا ولتحطم أدبا وذوقا .
ولو عرفت الأوراق التي يكتبون عليها ، أن كتاباتهم من فوقها سوف تكون شهرة ورياءً ؛ لتمنت شرف حرقها ؛ لتتحول إلى رماد كما تتحول الموتى إلى رماد في بلاد الهند والصين واليابان ، وفق ديانات السيخ والهندوس وعُبّاد البقر !!! .
لا أعلم إن كان مثل هؤلاء الكتاب والأدباء كما يُسمّون ، ينتمون إلى تلك الديانات ، أم إلى ديانات أخرى تنتمي إلى قبائل زحل والمريخ والمشتري من فوق الأرض ومن أسفل منها ؟ .
ولو علمت مطبوعاتهم أنها ستكون من أجل ( شوفيني يا مرت خال ) كما يقول المثل الشعبي أيضا ، شُهرة وسُمعة ورياءً ؛ لجفَّ مداد كتابتها حزنا ، ولتفجرت آلات طباعتها مُعبرة عن غضبها وسخطها ، متمردة ولو بكلمة واحدة : عيب ... عيب ...
فهل الإبداع في نظر أدباء الأبراج العاجية قاصر فقط على جيل العشرينات ومن حوله ؟ .
ولماذا تفتقرون يا معشر الأدباء وأصحاب أبرج الحظ والنجوم إلى وضع الخطط لتنمية مواهب وإبداعات كل الأعمار ؟ .
أين دور منتدى أمجاد الثقافي المتقوقع على جيل الشبان والشابات فقط وإلى حد ما!!! ؟ ليس تشكيكا معاذ الله إنما غضبا واعتراضا .
ولماذا التقوقع على مثل هذه الأعمار تحديدا ؟ .
هل من الممكن أن يجيبني رئيس المنتدى المحترم ، بإجابة علمية تبرهن على وعيه وعمق رؤيته وانتمائه ؟
لماذا يغيب غيابا تاما دور اتحاد الكتاب الفلسطينيين ؟
ولماذا يغيب تماما واجب وزارة الثقافة ؟
أم أنها لا تعدو على أن تكون أشكالا كرتونية ، أو أجساما هلامية مشلولة إلا من تحقيق الامتيازات الشخصية ، من مكتب مكندش ، وكرسي يهز من فوقه مؤخرته ، واضعا قدميه فوق مكتبه ، يتمايل مثل تمايل ذكر طائر البط ؟
أيجوز لكم أن تتركوا المبدعين هملا ؟
أم أن الإجابة المتوقعة هي أنكم لا تحبون من ينافسكم وأنكم تتمتعون بالراحة المطلقة من تحت رداء ذاتيتكم الممقوتة فلا ترغبون في كل من يحاول التعبير عن نبض الأمة بشكل مبدع من دونكم وليتكم صادقون
ماذا يعني تراخيكم بل فشلكم ؟
إذا كان انتماؤكم ورقة وقلما فقط ، فقد أبحرتم عميقا بالخطيئة .
لأن الرجولة في الأدب العربي ، وفي هذه المرحلة تحديدا من حياة الأمة ، هي عطاء الكتابة في عنفوان العَرَق والألم والتعب والمرارة ، وليست الرجولة في الكتابة من فوق كهنوتكم المقدس الذي يجب ألاَّ يُمس ، ولا من وراء التراخي الآسن ، والذاتية الممقوتة ، والنفعية الضيقة.