مخزون الحنان
يحيى بشير حاج يحيى
عضو رابطة أدباء الشام
إنهما أُمّان، إحداهما إنكليزية تتمتع بأحدث المخترعات، وتعيش في مجتمع الحضارة الأوربية، ولكن هذا لم يمنعها من أن تفقد حنان الأم، حين شاركت زوجها في قتل ابنتهما التي لم تتجاوز السنتين!؟ لأنها تزعجهما ببكائها المتواصل.. ثم عمدت إلى حملها في صندوق لتدفن في غفلة من الناس، ولتدعي وزوجها أنهما فقدا ابنتهما الصغيرة؟
وأما الأم الأخرى فهي إفريقية من كينيا، فاجأها التمساح وهي على ضفة النهر تملأ وعاء الماء، بسحب ابنتها التي لم تتجاوز العاشرة، فانتفض فيها مخزون الحنان، وعاطفة الأمومة، وألقت بنفسها في النهر محاولة تخليص صغيرتها من بين فكيه –رغم أنها كانت تحمل رضيعاً لها في شهره التاسع- غير أنها استطاعت، وهي تمسك بقدمي صغيرتها ابنة العاشرة أن تخلصها من بين فكيه، وتعود بها إلى الشاطئ؟!!
فكيف تنصهر الأمومة هنا على التمساح وأخطاره؟ وكيف تخفق الأمومة هناك بعد أن جف نبع حنانها في تحمل صرخات طفلة صغيرة؟
هل أفقدت الحياة المادية الإنسان مشاعره الإنسانية حتى تلك التي جعلت معه في فطرته؟ وهل مثل هذه الحضارة تستأهل كل هذا اللهاث خلفها، حتى وهي تقتل إنسانية الإنسان؟!
وهل بقاء الحياة على بساطتها بعيداً عن التعقيد هي الضمان للحفاظ على رهافة الحس، وسمو المشاعر، ونقاء الفطرة؟
ذلك ما يحمله موقف المرأة الإفريقية من انطباع أولي في النفوس.