هل تصبح الآلة أرحم بالإنسان من الإنسان؟!!
هل تصبح الآلة أرحم
بالإنسان من الإنسان؟!!
يحيى بشير حاج يحيى
عضو رابطة أدباء الشام
في كل يوم جديد يطلع علينا الغرب باختراعات جديدة، وانهيارات في القيم والعلاقات الإنسانية جديدة أيضاً!!
ففي ألمانيا يعاني المسنون من ذويهم وأقربائهم وأولادهم من خلال تعرضهم للمعاملة السيئة، وعدم الاحترام، وقد أوضح تقرير وزارة الأسرة والشبيبة والكهول الألمانية أن عمليات التعذيب الجسدي، والإذلال النفسي تبدأ بالنسبة للأشخاص المتقدمين في السن من رجال ونساء من قبل ذويهم عند تجاوزهم سن الستين حيث يبدأ هذا التهديد بنقلهم إلى مأوى العجزة، ثم عزلهم تدريجياً وتقليص الخدمة والمساعدة، ويليها بعد ذلك خطوة لا يحسد عليها الإنسان هناك، وهي الاعتداء عليهم ونهرهم، وإذلالهم والاستيلاء على أموالهم وموجوداتهم الشخصية، وحتى الامتناع عن عرضهم على الأطباء وإعطائهم الأدوية اللازمة؟!
وقدّرت هذه الدراسة أن عدد هؤلاء يصل إلى 400 ألف شخص سنوياً، وأن هذا الرقم يمثل عدد هؤلاء الأشخاص الذين تعرضوا للإيذاء الجسدي والمعاملة السيئة مرة واحدة على الأقل خلال عام 1993م دون أن يتمكنوا من التعبير عن أوضاعهم السلبية هذه بسبب الخوف أو الخجل، وأضاف التقرير بأن هذا الرقم يمكن أن يرتفع إلى حوالي 600 ألف شخص سنوياً.
وتعلل وزيرة الأسرة والشبيبة الألمانية –وهي في غاية الأسف- بأن من الأسباب الداعية إلى ذلك انخفاض معدل الوفيات وازدياد معدل العمر في ألمانية بصورة عامة، وكأن طول الأجل ذنب يؤاخذ عليه الإنسان في أرذل العمر؟ مع العلم أن ازدياد معدل العمر كان ولا يزال في بلاد الغرب مدعاة إلى التفاخر وأنه دليل على الرفاهية التي يحياها الإنسان هناك؟!
وأما التقرير فيفسر هذه الظاهرة بسيطرة الروح المادية وضعف الرابطة العائلية، والروح الإنسانية.
وفي أمريكا حاولوا التخفيف من معاناة المسنين، فتوصلوا إلى جهاز كمبيوتر يعمل بالأوامر الصوتية، فيلبي احتياجات المسن! والاحتياجات –كما هو معلوم- تنقسم إلى قسمين رئيسين: احتياجات جسدية، وأخرى نفسية، ولما كان المسنون يعانون بسبب عدم تلبيتهما، فإن المصممين قد أخذوا بعين الاعتبار هذه الملاحظة!!
فعندما يستيقظ المسن أو المعاق يستطيع أن يعطي أوامره للكمبيوتر لتشغيل الحمام الساخن، ثم يطلب الجريدة الصباحية وهو يتناول فطوره، وإذا كان الطقس بارداً أو حاراً فإن الحالة المطلوبة تتحقق بإصدار أمر، وهذا الكمبيوتر يرد على الهاتف، ويضيء الأنوار أو يطفئها.
ولكن للإنسان ولاسيما المسن والمعاق حاجات نفسية فيستطيع عند ذلك أن يعطي أوامره للكمبيوتر بأن يسأله عن صحته، وعن سير الأمور كل عدة ساعات، وهو يستدعي الطبيب أو الصديق بحسب الإجابة، كما أنه يصدر صوتاً في كل مرة يتسلم طلباً "حاضر – كما تريد".
ويبقى أن نتساءل: هل يستطيع هذا الجهاز أن يبتسم في وجه المسن، فيرسم تكشيرة ما على الشاشة؟ وهل يستطيع أن يشعره بدفء الحنان من خلال كلمة طيبة من تلقاء نفسه؟
ومن تمام الخبر أن كلفة هذا الجهاز (10) آلاف دولار، بينما كلفة مكان في منزل العناية المرضية للمسنين، لا تقل عن 30 ألف دولار سنوياً.
فهل الفرق بين المبلغين هو ثمن المشاعر الإنسانية التي قد تظهر مع ابتسامة الطبيب أو المشرف في زيارة التفقد الصباحية دون برمجة مسبقة، فتعطي للمسن المريض شيئاً من الثقة بأن الإنسان لا يزال أرحم به من الآلة؟!!