بالأثير .. نلتقي !!
بالأثير .. نلتقي !!
(2)
أبو دواة*
كعادتي دوماً -عند نزولي القاهرة- غشيتُ (الجامع الأزهر) .. كان الوقت ليلاً حيث تنشط الأنفس والروادّ لالتقاط الخواطر والإذاعات ..
خلعتُ الحذاءَ .. والجواربَ كرامةً للأزهر وأرضه المكشوفة الباردة ..
الصحن منظر مصغر للحرم المكي .. فضاء واسع .. وسقف رباني -أعني السماء- .. النسوة في رواق المغاربة .. ومكتبة المسجد في رواق الأتراك .. وبقية المسجد بأساسه العبيدي -الفاطمي كما يحلو للبعض تسميته- والزيادات العثمانية والحديثة للرجال .. رجال كحبات المنمنمات أشتات مجتمعات .. فيهم العربي والحبشي والرومي والصيني ... إلخ ..
كان الشيخ المفتي في المحراب العبيدي .. مسلطة عليه الأضواء الصفر .. وفي يديه متن يشرحه للعامي والعالم بأسلوب سلس جميل .. وبين يديه ما يعلمه الله من الطلبة .. وإلى جواره شيخ ضرير وآخر مبصر ..
"قال -رحمه الله- : سياق ما روي من المأثور عن السلف في جمل اعتقاد أهل السنة والتمسك بها والوصية بحفظها قرناً بعد قــ .."
-طرااااااااااااااخ
رجفت الأرض بالجلوس .. وإذا الصحن يغص بالخيول المطهمة .. وفوق الخيول ... خيول !! .. خيول في صورة بشر يرطنون بلسان الغال (الفرنسيس) .. تطلق النار من الغدارات على المصلين ..
-يا خفيّ الألطاف .. نجّنا مما نخاف ..
كان العسكر يبثوننا من مدنيتهم وحضاراتهم سلاسل وأغلالاً وسعيراً .. قنابل وخراطيش !! .. ليسحقوا الغوغائيين الذائدين عن حمى الإسلام .. فالـ(ـمسلمون) والغجر والمعاقون والشواذ عند أي هتلري سواء .. هم نفايات الأرض التي لا تستحق الحياة !!
حتى الكتب الهادئة أحرقوها .. فهذه ملح الرجال .. و(الساري عسكر) لا يريد (فيها) رجالاً !!
وبينا أنا أتأمل إذ تعثّر بي رجل أزهر الوجه أبيض اللحية ..
-من ؟! .. الجبرتي ؟!
-وما في ذاك يا هذا .. ثم ما هذي الثياب التي تلبس ؟! .. والله إن المرء ليحار أأنت منا أم من ...
-بل منكم يا شيخي ..
كانت المشكاوات تتهشم واحدة وراء الأخرى .. واحترق الحصير ..
-قل لي يا مولانا .. ما الأمر ؟! .. هل فعلها (ساركوزي) ولم يتم له في الحكم أيام ؟!
-!!!
-آخ .. أقصد نابليون يا أبي ..
تنهدتُ .. واستطردتُ ..
-ذلك هو وجه (الحملة) الحقيقي .. وقد كنا نرى فيها رياح الغرب المثلجة المحملة بالكتب .. (وصف مصر) وقد طبعوه في مصر عدة طبعات ...
-وهل في مصر مطابع -يا عافاك الله- ؟!
-أقصد .. فيما بعد يعني ..
-!!!
(ياللأثير وعالمه ! .. كيف السبيل لإفهامك يا جبرتي ؟! .. )
-إذن .. أعطني رقم (جوّالك) .. ربما ألقاك في العطلة القديمة ؟!
-!!!
(إذن سأفقدك ككل الأثيريين .. إلى الملتقى يوم الدين يا شيخي المسكين)
-يدك أصافحها يا سيدي العالم ..
وصافحت يد العالم التي ذابت في يدي كحصاة ملح .. بل حصاة أثير !!
*أديب من مصر، 19 عاماً.