بالأثير .. نلتقي !!
(1)
أبو دواة *
(بالأثير .. نلتقي .. نتضامّ .. نلتئم .. أحلام يقظة !!)
أنا الآن على (قاسيون) ..
في شرفة صغيرة .. أمامي طاولة صغيرة .. عليها كأس شاي صغيرة ..
(دمشق) نائمة .. مجدولة بيوتها بظلمة هذه الليلة الباردة من العام 1956 ..
ثمة صوت يأتي من بعيد .. أحسبه صوت الرادّ (الراديو) عند جيراننا في (الجادة) ..
بدأني الشيخ الطنطاوي بالسؤال: إيش لونك يا شيخ الشباب ؟؟
-بخير يا شيخي .. ولله الحمد.
-قد علمتَ يا بنيّ مبلغ كراهيتي لهذه الروادّ .. لولا حبل الود تمده بيني وبين أحبة لي عندكم في (القناة) ..
-ما أشجعهم !!
-إي والله .. ولئن طال بك العمر يا بنيّ لترينّ ما يصنع العرب .. ليلفظنّ إسرائيلَ تلك لفظ النواة .. وتئيض حكاية بل خرقة في مزبلة التاريخ !!
حدّقتُ في عيون الشيخ البراقة .. وأكمل هو ..
-احكِ لي يا بني .. فأنت في قلب الأحداث ..
-والله يا شيخي ...
-ماذا يا بني !!
-اسمع .. لك أن تتخيل بكل بساطة أنني لست أنا !!
- !!!
-يعني ... أنا لم أوجد بعدُ
-!!!
-باختصار .. يمكنك أن تسمع لأمي الطفلة يومها ..
وبالأثير جائتنا أمي القاهرية طفلة ً في مَرْيَلة بلون السمن وشريطين أحمرين ..
-نعم !!
قالت الصغيرة في سذاجة ..
-احكي لي يا شاطرة .. ما رأيتِ ؟؟
-مبارح -في الليل- ارتقيتُ السرير أنا وإخوتي .. في الدور الفوقاني .. كانت الفوانيس (تعني قنابل التنوير .. لكنها حكمة الأطفال المفطورين !!) تسقط من سماء المطار -مطار ألماظة- إلى أرضه .. لكن كان النور في بيتنا مطفأ ..وزجاج النوافذ مطلياً بالزهرة (زهرة الغسيل الكحلية) .. وكان العسكري أبو كحلي ينهر أصحاب البيوت المضاءة .. و ... بس !!
-طيب .. شكراً يا ماما
- ماما !! .. أنا ماما !! .. هي هي ..
ضحكت الطفلة في سذاجة وهي تذوب في الأثير .. بينا كنتُ أنا أتأمل عيون الشيخ تدور فيّ .. وشفتاه تسترجعان !!
*أديب من مصر، 19 عاماً