شهداء حرب البسوس

من الزير سالم  إلى جبران تويني

د. حمزة رستناوي 

بعد قطيعة عائلية عفوية يبِّررها انشغالي في شؤون العمل و هموم الحياة ,قررت أن أصل رحمي و حزمت جسدي لقضاء الليلة في منزل أخي, و أثناء متابعتي لجنازة الصحفي و النائب اللبناني جبران تويني على شاشة التلفزيون في منزل أخي، شعرت بحزن و إنتابني مزاج متشائم مركب

- الله يرحمك يا جبران تويني

رأيت علامات الاستغراب و الدهشة  على تقاسيم وجه أخي، و قال لي :

ـ كيف يرحمه الله و هو مسيحي

ـ قلت له: رحمة الله وسعت كل شيء

ـفقال  لي : لايدخل الجنة من كان مسيحيا

ـ فقالت له " بسم الله الرحمن الرحيم, إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء"

ـ فقال لي : و لكن المسيحيين مشركين

ـفقلت له : بل المسيحيون موحدين أصحاب رسالة سماوية يؤمنون بالله

ـ قال : و لكنهم مثلثون ،لديهم ثلاثة آلهة  في إله واحد

أوقفت النقاش ، كي لا أدخل معه في نقاش لاهوتي حول المسيحية

وقلت له  اقرأ  معي هذه الآية القرآنية" إن الذين أمنوا و الذين هادوا و النصارى و الصابئين من آمن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون" ألم يذكر الله النصارى

ـ قال نعم  و لكن هذه الآية تخص النصارى قبل بعثة سيدنا محمد

أوقفت النقاش، كي لا أدخل معه في نقاش حول تاريخية هذه الآية و مقاصدها

واعتذرت منه , ثم حزمت جسدي و أفكاري متذرعا بالتعب و حاجتي للنوم , و راودتني فكرة مفادها أن الدين عندنا هو " أن نصلي و نكره الآخرين "

في طريق العودة مررت على البقالية المجاورة لمنزلي كي أشتري بضع حوائج, فدعاني صاحب البقالية لشرب فنجان قهوة، فأجبت دعوته حيث أنه صديق دراسة قديم ، ولم أجلس معه منذ مدة " صلة الجيران"

بادرني للسؤال عن أخباري ، فأبديت له حزني ,و تشاؤمي  متأثرا بحادث اغتيال جبران تويني, و قلقي على مستقبل العلاقات السورية اللبنانية و مستقبل أولادنا و أحفادنا و البلد

-         لقد تخلصنا اليوم من ....و عقبال كل الخونة

-         قلت له : بماذا أساء لك جبران تويني و غيره ممن تصفهم ب.....

                لم  يطلق جبران النار على أحد ، و لم يفخِّخ سيارة في حياته و يقتل الأبرياء

ـ و لكنه يحرض علينا

ـ قلت له: يمكنك أن ترد على كلامه ، و تفند وجهة نظره بمقال مثلا ، و لكن قتله بهذا الشكل العنفي مرفوض  وفق كل الشرائع السماوية و القوانين البشرية

       أجابني : هيك ناس بدون تكسير روس

       قلت له : و فق منطقك هذا, أخوك الذي يعمل في لبنان يجب تكسير راسو و طرده  و قطع رزقوا" سلامتوا و سلامتك !!! "

 ليست القضية مين يكسر راس مين، منطق تكسير الروس ما بيجيب نتيجه، منذ حرب البسوس و نحن نكسر  رو س بعض ، و انظر إلى أين انتهينا.......

 حرام عليك يا شيخ لماذا تدافع عن القتل و  القتله... و أنت ليس لك ناقة و لا جمل .

و بذلك أنهيت النصف الثاني من سهرتي , و عدت مكتئبا حزينا إلى منزلي، و اتخذت قرارا غير قابل للطعن و عن سبق إصرار و ترصد, بقطع صلة الرحم و صلة الجيران و كل أنواع الصلات الملعونة

حقا إن الثقافة العربية الإسلامية الراهنة ثقافة مريضة, تغيب فيها قيمة الحرية و احترام الآخر, فأمامنا طريق طويلة أكثر مما نظن ...

ترى ما الذي يجعل أخي و صديقي بائع البقالية و تسعين بالمائة " جماهير شعبنا" تشمت في  الموت و تبرر القتل؟!