إلى ابنتي
إلى ابنتي
ربا زيدان
يا غالية.....
ان في الروح ثقوبا مزمنة لا يمكن شفاؤهاويستحيل معها علاج...ثقوب صغيرة....كبيرة ...لذيذة...نستلذ نحن تحريك الأزاميل بين جنباتهاواستثارة الوجع الساكن فيها....
ان في الروح ثقوبا عدة....لم تستطع سنوات النسيان واللامبالاة والنضج المدعى ردمها....
ولم تستطع لحظات السعادة المصطنعة تخفيف حدتها....
يا غالية....
اني لاتأمل عينيك العذبتين وكلي رغبة في تقبيلهما....فعيناك عدا عن كونهما جوهرتي مهجتي...تشبهان عيني ملاك طاهر كنت أعرفه منذ زمن...قبل أن تنهش الحياة تفاؤله وقدرته على الفرح...تانك الياقوتتان المتألقتان في محجريهما...تذكراني بتلك العينين الدامعتين أبدا...اللتين كانتا تتموجان بشلالات اغراء مبهم...وحزن دفين...
يا غالية....أن لعينيك وقعاً مؤلماً في نفسي...ونظراتك اليأسى هذه تقتلني...تذبحني...فما أردت أبدا لك حيرة كحيرتي...ووجعا كوجع نفسي ولهيبا يحرقك كما فعل بي...اني أحبك جدا يا ماما...
انت صورة حلوة عن أيامي...وامتداد رائع لأحلام لم أحققها...لا لضعف في...بل لقسوة من الزمن...أنت أنشودة عشق بدأتها أمك منذ سنين...لم تكملها...فهل تدعين الوهن يتسرب لقلبك دونها؟؟؟
أتدعين آمالاً لم تقربها أمك دون الامساك بها؟؟؟؟
غاليتي...
أنظر اليك الآن...وأتأمل عينيك الواسعتين الحلوتين....وشلال شعرك المنساب على قد رائع..وألمح تعثر الكلمات على شفتيك الورديتن...فلا يسعني الا ان أتذكر ذاك الملاك ثانية....
صورة عنك...أنت أعذب وأهدأ...فقد كان كتلة من نار فيما مضى...جمرة ساكنة ما زلت....لكنني ألمح شذرات لهيب قد تنبعث سريعا من هذه الجنبات المقدسة.
ماما...أعلم تماما مقدار الحيرة المتضاربة في عقلك البريء هذا...ألمح تساؤلات ما برحت تفارق نفس ملاكي الراحل...
وأبكي....لا يسعني الا أن أبكي...لا حزنا عليه أنتحب...فهو رغم تسرعه...ورعونته..قد حقق بعض ما أرسل من أجل انجازه....رغم احتراقه حبا، فقد أضاء عتمات الكثير ممن حالفهم الحظ بمصادفته أثناء مسيرتهم....
ياغالية....
أتذكرين فراشتي الزرقاء المفضلة؟ لا زلت أراها تطير مسرعة نحو اللهب...ترتعش، تبتعد...تعود...تعلم أن اقترابها يعني النهاية...صراع كبير في الجسد الصغير....تبتعد، تعود...تقترب...مبهورة جدا بالنور....
فضول أكبر من ان تتجاوزه وتمضي....رغبة حارقة مؤلمة في اكتشاف المجهول....خوف من ضياع الفرصة...ارتعاشة في القلب الصغير الدافئ...وخفق في الأجنحة...ترتعش، لكنها عازمة على اقتحام المجهول...وان كان فتاكا....
تقترب للمرة الأخيرة...مسرعة في انطلاقتها...و.......احتراق كامل.....شعلة نارية غدت، قنديل صغير يضئ ما حولها من سواد داكن..انبعاثة فجر خلاب...ولوكان فجرا كاذبا...ولو للحظات...خفقة فؤاد أخيرة...قوية...وصارخة...ارتعاشة نهائية تحمل كل المعاني...الا الندم...
و..انتهت....
لم تبكين صغيرتي؟ أرثاء لحال تلك الجنية الحلوة....
لا تبكي...فنحن أولى بالرثاء...من قال أن الاحتراق يعني النهاية...من قال ان اللهيب يعني الموت....
الا يكون انطلاقة جديدة....الا يكون بداية لا نهاية؟
الا يكون مقدمة لاحتراق آخر....احتراق من نوع آخر....أخشى ما أخشاه أن يكون هذا.......
يا غالية....
لا أحب نظرات الضعف في مقلتيك...فهل عهدت ملاكك هكذا؟!!! أريد عشقا للحياة متفجرا في شرايينك..أريد حبا من أجل الحب يورد وجنتيك...أريد ملامح نصر تلون جبينك..لا أريد يأسا يأكل مهجتك..وان كان قد فتك بي....
أريد عزة....وأنفة....أريد اباء يتسرب من كل مسامات جسدك الغجري الفتي....أريد اباء يا اباء.....
أكان اختيار اسمك مجرد صدفة أو وهم...أو. هو حلم؟؟!! أريد أن تثبتي لي عكس ذلك....
أريدك جديرة باعتناق اسم كهذا..أريدك كتلة اباء تمشي على الأرض...وأنا أعلم في الاعماق أنك ما كنت أبدا غير هذا...
أعطيتك الحياة.......فهل تبخلين علي بحلم؟؟؟!!!