إلى الفتاة المغتربة
إلى الفتاة المغتربة:
الشام تصرخ تستغيثك فاسمعي
عقبة مشوح
عندما قرأت خاطرة (مشاعر فتاة مغتربة) للطالبة آزاد منير الغضبان ثارت في مشاعر وأفكار مختلفة وتذكرت قصيدة الشهيد بإذن الله عبد العزيز الرنتيسي التي مثلت حواراً بينه وبين نفسه المُثبّطة التي تقعده عن العمل والجهاد لتحرير أرضه ووطنه والتي مطلعها:
مـاذا دهاك يطيب عيشك في مـاذا عـلـيك إذا غدوت بلا وطن | الحزنتشري النعيم وتمتطي صهو الصعاب ونعمت رغد العيش في ظل الشباب |
فهذه هي النفس الإنسانية التي تُمنّي كلاً منا بالقعود والإخلاد إلى الأرض والنعيم.. ولماذا كل هذا النصب والتعب والحزن وأنا أعيش في أرضٍ آمناً مطمئناً -وإن لم تكن أرضي- غنياً شبعاناً لا أحتاج إلى شيء.. لماذا ألقي بكل هذه النعمة وأُقحم النفس في الأخطار والأهوال والتي قد تأتي بمنية تخطفها أو بقيد يسلب حريتها.. من أجل ماذا؟ من أجل وطن..تراب..هواء عاث فيه الظالمون فساداً وطغياناً..!! فاليذهب هو وإياهم إلى الجحيم، فكل البلاد فيها هواء وتراب ولأنعم أنا هنا في شبابي راغداً جميل العيش..
لكن الرجال الذين أقدامهم على الثرى ورؤوسهم في الثريا لا يرضون ذلك والرنتيسي رحمه الله منهم ، لذلك فهو يُعنّف نفسه قائلاً لها:
ياهذه يهديك ربك فارجعي
القدس تصرخ تستغيثك فاسمعي
والجنب مني بات يجفو مضجعي
فالموت خير من حياة الخُنّعِ
ولذا فشدي همتي وتشجعي
أنترك وطننا السليب لهؤلاء المجرمين بعد أن سرقوه يعيثون فيه فساداً وظلماً ونستبدله برغد العيش بعيداً عنه!! لا. لن يكون هذا.. فلا بد أن يعود هذا الوطن إلى أيدي الشرفاء.. إلى أبناء شعبه.. لكي يزيلوا منه المجرمين ويصلحوه ويبنوه من جديد بعد هدم وخراب دام أكثر من أربعين عاماً.. بئس النفس هذه التي تبيع وطنها وتتخلى عنه من أجل مطامع وشهوات دنيوية زائلة.. إن هذا الوطن ليس لكل أحد.. ولكنه لهؤلاء فقط:
وطني لمن قام الليالي ساجداً يتضرعُ
وطني لمن بدمائه باب الشهادة يقرعُ
وطني لمن وفى النذور وبالمكارم مولعُ
أما الخونة والبائعون والمجرمون والفاسدون فلا مكان لهم على تراب هذا الوطن بعد أن فعلوا فيه مافعلوا..
ويمضي الشهيد الرنتيسي في قصيدته على هذا المنوال يُقرّع نفسه ويلومها على التخاذل والتكاسل في سبيل هذا الوطن حتى تهدأ وتعود إلى رشدها لتناصره في مبادئه ومثله العليا وتشجعه عليها.. لتقول له في النهاية:
إنـي أُعـيـذك أن تذل إلى فـاقـض الحياة كما تحب فلا ولن | وثنأو أن يعود السيف في غمد الجراب أرضـى حـياة لا تظللها الحراب |
لحظات إنسانية ونفسية معبرة ربما دارت في نفس كل من يحارب من أجل وطنه، وأنا متأكد من أن هذا الشد والجذب بين الإنسان ونفسه الداعية إلى القعود والخنوع لا بد من أنه حدث واقعاً في نفس الشهيد العظيم الرنتيسي قبل أن يصورها لنا في هذه الأبيات الرائعة والمعبرة. فهو بشر في النهاية يعتريه مايعتري أي إنسان، لكن العظمة كل العظمة هو في الإنتصار على هذه النفس وإذلالها وإنزالها على الحق والمبادئ الناصعة وهذا هو مافعله الشهيد البطل عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله.
إن هذا الوطن أمانة في أعناقنا فالنسعى إليه بكل ماأوتينا من قوة وجهد وجهاد ولنسخر له كل جوارحنا وأعمالنا وحركاتنا.. فمهمة هذا الجيل -جيلنا- الذي وُلد خارج أرضه ولم يره كبيرة وعظيمة تنوء بحملها الجبال العظام من السعي إلى تحريره وتخليصه من الظلمة والطغاة إلى بنائه من جديد وإزالة مخلفات المجرمين والمفسدين.
إنني أتمثل أبيات الرنتيسي وأقول لهذه الفتاة المغتربة ولكل مغترب عن الشام:
الشام تصرخ تستغيثك فاسمعي
ولذا فشدي همتي وتشجعي
وعلى البلاء تصبري لا تجزعي
تصبري أيتها الفتاة، فالدموع لن تعيد حقاً مأخوذ ولن تُرجع منفياً منبوذ.. ولكنه العمل والعمل فقط..