مشاعر فتاة مغتربة..

أزاد منير الغضبان

مشاعر فتاة مغتربة..

في الثالثة عشرة من عمرها..

أزاد منير الغضبان

[email protected]

بدأت في كتابة مذكراتي.. وفي عيني نعاس شديد .. كنت قبل أن أكتب أجلس إلى النافذة .. أتأمل السكون الغريب ..

باشرت بالكتابة: ليل طويل، وظلام قاتم، وهدوء غريب، وهناك ..ما وراء هذا الظلام .. إنه غامض وحزين .. أنظر من النافذة فأرى ذلك وأنظر إلى قلبي فأجده أيضا بانتظاري في هذا السكون الغريب .. ثم أسلمت عيني للنوم ..

بعد أن صليت الفجر وأخذت أجهز للذهاب إلى المدرسة .. قرأت أذكار الصباح راجية من الله أن يوفقني ...

وصلت إلى المدرسة ففوجئت باحتفال كبير قد جهز له وسوف يبدأ بعد لحظات .. جلست بعد أن سلمت على قريناتي .. في صفوف مرتبة تتميز بالنظام ..

بدأ الاحتفال .. وكان تقريبا عن الوطن وحب الوطن .. أثر في هذا الموضوع قليلا .. ولكن بعد فترة وجيزة .. لم أدر إلا والدمعات تنهال على خدودي حارة ملتهبة .. كان ذلك بعد أن صعدت طفلة صغيرة على المسرح وأخذت تتغنى بوطنها وبأمجاده .. وبعد أن انتهت ..كان لها تصفيق حار فرحا بها .. أما أنا فكنت أصفق إعجابا بها وحزنا على نفسي .. وبعد ذلك صعدت فرقة من الفتيات في مثل عمري ليمثلن رقصة شعبية تتميز بها بلادهن ..

أحسست أني وحيدة.. أني غريبة ..ربما بكت الأخريات تفاعلا مع هذا الاحتفال واعتزازا بوطنهن .. أما أنا.. فأبكي حزنا وحسرة في قلبي ..

استمرت تفاعلات الاحتفال ثم صعدت فتاة في الثامنة عشرة من العمر .. وأخذت تنشد شعرا بلهجة الوطن .. كنت أنا الوحيدة التي أطرقت رأسها  وقلبها يتفطر ألما وحسرة .. كنت أود أن أرى وطني مرة واحدة على الأقل.. لكن الله كتب لي ألا أراه كل هذه السنين .. والآن وبعد أن بلغت الثالثة عشرة من العمر أخذت أحن إلى بلادي الحبيبة ..

انتهى الاحتفال وصعدت الطالبات جميعا إلى صفوفهن والنشاط يملأ أجسادهن بهذا الاحتفال الجميل .. أما أنا فقد تنهدت تنهيدة طويلة وصعدت إلى صفي وأنا أحاول رسم ابتسامة على شفتي وقلبي يقول: هنأكن الله بوطنكن .. من حقكن .. نعم من حقكن أن تتغنوا به وأن تذكرن أمجاده وأن تعشقن ترابه ..

ولكن .. أنا .. أنا لا يحق لي ذلك فهو ليس وطني وليس وطن أجدادي..

رجعت إلى المنزل بعد يوم شاق في الدراسة .. وبعد أن صليت وتناولت طعام الغذاء .. أمسكت بالقلم .. وأخذت أخط كلمات كأنني أخطها بدم من قلبي .. أو بعصب من أعصابي أو بوريد من أوردتي :

إنها حكاية .. وأي حكاية .. سأرويها لك أيها الزمان .. وسأرويها لك أيها القمر، وسأرويها لك أيها القلم:

هل سمعتم عن فتاة حرمت النظر إلى وطنها ؟.. حرمت شم ترابه .. حرمت تنفس هوائه .. حرمت النظر إلى سهوله الخضراء .. وإلى واحاته الغناء .. تشتاق إليه ولا تعرفه .. وتحن إليه .. ولا تستطيع أن توصفه .. ولكن ...... تحاول أن تتخيله ..

هل سمعتم .. تحاول أن تتخيل وطنها .. فلا تتخيله إلا جنة خضراء ملئت بزهور من الأقحوان والياسمين .. فاح شذا عطرها فملأ أرجاء تلك الجنة ..

هل سمعتم عن فتاة .. لم تر إلا القليل من أقاربها .. وهناك الكثير الكثير ممن لا تعرف صورهم .. تشتاق إلى الحديث مع بنات عماتها .. ولربما تبتسم ..عندما تتخيل الخصام مع بنات أخوالها ..

هل سمعتم عن عائلة هاجرت من وطنها .. وضحت من أجله لأن الظالمين حكموه.. وتحكموا في أهله .. وصار الظلم في كل مكان .. والرشوة في كل أمر .. والجريمة في أي وقت ..

فإذا بالجنة الخضراء ، تتحول إلى بستان قد حرق جله.. وقضى الخريف على الباقي المتبقي منه ..

لكن الأمل الذي يراودني .. أعظم من أي ظلم أوسطوه ، أعظم من أي رشوة أو جريمة .. سوف يأتي يوم يعود فيه الأمن والأمان والاطمئنان..

سوف يأتي يوم يعود فيه النور لترى تلك البلاد بصيصه بعد أن فارقها منذ زمن طويل ..

نظرت إلى الزمان .. وإلى القمر .. وإلى القلم .. ثم أطرقت رأسي في سكون.. وأنا أدافع عبراتي .

 وأذكر قول الشاعر:

أيها الراكب الميمم أرضي         أقر من بعضي السلام لبعضي

إن جسمي كما تراه بأرض           وفؤادي ومالكيه بأرض......

قد قضى الله بالفراق علينا         فعسى باجتماعنا سوف يقضي