فَذلكاتٌ انتفاضيّة (7)

فَذلكاتٌ* انتفاضيّة (7)

(من وحي انتفاضة الأقصى المبارك ، التي تدخل عامها الخامس)

بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف

(15)

للذكرى فحسب : سرعة تحرّكٍ قياسيّة !..

حرب الخامس من حزيران، في عام سبعةٍ وستين وتسع مئةٍ وألف، التي انتصرنا فيها انتصاراً مؤزّراً كاسحاً!.. باعتبار أنّ عروشنا لم تتزحزح أو تهتزّ، لأنها كانت تضخّ كلّ أنواع الحرّيات، والكرامة، والرخاء، والازدهار، والعدالة، واحترام حقوق الإنسان.. إلى كلّ ركنٍ فيه حياةٌ من أوطاننا، بحيث ينعم الإنسان والحيوان والنبات والجماد.. بكلّ الخيرات (المضخوخة) من مِضخّات عروشنا -وقاها الله من كلّ سوءٍ ومكروه-.. حرب حزيران تلك، التي لم نُضيّع فيها من الأراضي، أكثر من بضعة أضعاف مساحة فلسطين المحتلّة .. فحسب.. تلك الحرب التي أبادتنا من داخلنا، ومن داخل أرواحنا ونفوسنا.. لم تستغرق أكثر من ستة أيامٍ سوداء من عمر الزمن!..

حرب السادس من تشرين الأول، في عام ثلاثةٍ وسبعين وتسع مئةٍ وألف، التي أجهَضْنا فيها نخوة جيوشنا وشعوبنا، بحنكتنا السياسية والعسكرية.. التي تعكس براعتنا (البهلوانية) التي نمارسها على أمّتنا وشعبنا، كما تعكس حالة الشجاعة والبطولة والإقدام في عزائمنا.. حرب تشرين تلك، حُسِمَت بعد أقلّ من أسبوعين من اندلاعها.. وبالتأكيد، لم يكن الحسم لصالحنا .. والدليل على ذلك، ما نشهده بأعيننا منذ ثلاثين عاماً، من احتلالٍ لأرضنا، وهدوء الأموات في جبهاتنا مع عدوّنا، الصهيونيّ اليهودي!..

حرب عام اثنين وثمانين وتسع مئةٍ وألف، التي وصلت فيها قذارة اليهود إلى العاصمة (بيروت) العربية، حُسِمَت خلال الأيام الأولى لتفجّرها، واستطاع بعد ذلك أجبن خلق الله، أن يحتفظوا بجنوب لبنان، أكثر من عشرين سنة.. بفضل بركات ردعنا، وخُطَبنا الرنّانة، وكفاحنا التلفزيوني، والصحافي، والإذاعي والكلامي .. من غير هوادة!..

إذا كانت كلّ حروبنا الماضية مع عدوّنا الصهيوني، قد حُسِمَت خلال أيامٍ قليلة!.. فهل لكم أيها العرب .. والعُربان .. والمسلمون .. أن تفسّروا أو تعلّلوا لنا .. لماذا تمّت الدعوة (العاجلة)، لعقد مؤتمر قِمّتنا الطارئ جداً .. بعد أكثر من ثلاثة أسابيع.. نعم ثلاثة أسابيع.. من ابتداء المذبحة، والحرب الشرسة ضدّنا، وضدّ مقدّساتنا، وإنساننا، وطفلنا الأعزل .. حين اندلعت انتفاضة الأقصى المباركة؟!..

الجواب سنتركه في قلب الشاعر.. والساحر.. ومكتب (شارون).. ومكتب (البيت الأسود) الأميركي.. واللّبيب من الإشارة يفهمُ!..

أما الانتظار لأكثر من أربع سنواتٍ كاملةٍ منذ اندلاع الانتفاضة المباركة، ودسّ الرؤوس في الرمال كل هذه المدة الطويلة، وعدم تحريك أي ساكنٍ أو سيفٍ، حتى من تلك السيوف الخشبية.. فهذه أمور نعرف أجوبتها جيداً!.. فلتنعم الأنظمة العربية والإسلامية بجيوشها المكدّسة، تحت اسم: تحرير الأرض، وأولها أرض فلسطين بقدسها وأقصاها المبارك!..

 (16)

طابوران !..

طابوران سِلْميّان.. وسلاميّان!.. أحدهما عندنا، والثاني عندهم!..

الطابور (السلاميّ) الذي عندنا، يمثّل الأكثرية الكاثرة منّا!.. بلا حسدٍ، ولا غِيرة.. فـ (عين الحاسد تُبلى بالعمى)!.. هكذا زعموا حينها.. على طريقة صناديق الانتخاب أو الاستفتاء، المصمَّمة خِصّيصاً لنا!..

الطابور (السلاميّ) الذي عندهم، المسمى: (معسكر السلام)!.. كان طابوراً خامساً عندنا، لا عندهم!.. يصوّر لنا مدى عِشقِهم لـ (السلام)!.. أليس السلام عنوان التحضّر والتقدّم وإنسانية الإنسان؟!.. على طريقة عجن الدماء بالأشلاء، لصناعة فطائر صهيون ؟!..

طابور (السلام) الذي عندنا، مأخوذٌ بدعايات صهيون، وبنـزاهة الراعي الأميركي حتى العظم!.. ومفتونٌ بمتعة الربح الفاحش السريع، وبانهزامه الداخليّ!.. الذي جعل أجبن خلْق الله في نظره أكثر شجاعةً من الليوث المقدامة!.. فراح هذا الطابور المنخور، يحاجِجُنا بعيونٍ وقحة، وقلوبٍ ميّتة، وألسنةٍ صهيونيةٍ أميركيّة!.. وارتفع صوته وضجيجه، إلى أن غطّى حتى على صخب أصوات المحاربين التلفزيونيين والإذاعيين الأشاوس!.. فالاستقرار قادم.. والازدهار قادم.. والتحرير قادم.. فأبشروا يا قوم.. أبشروا!..

صوت طابورنا العالي، إلى درجة (الانفتاق) من شدّة الصراخ.. أخذ يخبو مع تصاعد دخان القنابل المسيّلة (للدماء)، واتساع رقعة الضباب، المنبعث من صواريخ طائرات (الأباتشي) الأميركيّة الصنع!.. إلى أن أصاب (الخرس) ذلك الطابور (السلاميّ)، ثم أصابه (الصمم) فـ (العمى)!.. بسبب انفجارات حمامة السلام (باراك).. السلميّة!.. وصواريخ حمامة الحرب (شارون) .. السلامية!.. فأصبح (الطابور) عندنا: لا يتكلم، ولا يسمع، ولا يرى!.. اللهم إلا بعض الهمس، المسنود ببعض الإشارات التعبيرية، التي يستخدمها الصمّ والبكم والعميان عادةً!..

أما صوت طابورهم أو معسكرهم، الذي كان يملأ الدنيا والشوارع والساحات عندهم.. بالمسرحيات، والتمثيليات، والخُدع (السلميّة).. لإقناعنا بأنهم ليسوا وحوشاً، ولا دعاة حربٍ، ولا مجرمين مجرَّبين طوال نصف قرنٍ فحسب!.. فقد قطع عليهم البومة (شارون)، الذي تحميه الحمامة (بيريز).. ذلك الشريط الخادع، الذي يُسخَّر لخداع الناس أجمعين.. أنهم دعاة (سلام)!.. فخرس ذلك الطابور أيضاً، ثم أصيب بالصمم والعمى.. وعاد إلى أصله وفِطرته الإجرامية الحربية العدوانية الحقيقية!..

هنيئاً للطابورَيْن.. بما أصيبا به، من (بلاوي) الخرس والصمم والعمى.. فقد أراحنا الله من حكمتهما، وواقعيّتهما.. وخداعهما!.. وأصبحا كما قال الله تعالى عنهم في محكم التنـزيل: (.. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (البقرة: من الآية 171)، فالحمد لله على نِعَمِه وكَرَمِه ورَحْمَتِه بنا وبعباده!..

(17)

راعي (البقر) النـزيه !..

كلّ التقدّم التكنولوجي، وكلّ عبقريّة أقمارهم الصناعية التجسسيّة، وشبكات اتصالاتهم، التي جعلت الكرة الأرضية، أصغر من ساحة (الكونغرس) أو حديقة (البيت الأبيض).. كل ذلك لم ينقل إليهم أخبار مئات الأطفال المقتولين وصُوَرهم، على أيدي مجرمي صهيون، بزعامة داعية السلام (شارون).. ولا أخبار آلاف الجرحى وصُوَرهم، الذين سقطوا برصاص القتل والتشويه الأميركيّ!..

لكن!.. عندما يُقتَل جنديٌّ صهيونيٌّ، ضُبِطَ متلبّساً وهو يَقتل طفلاً أو امرأةً، أو يجرّف أرضاً ويقتلع شجراً، متحدّياً كرامتنا، وإرادتنا.. عندئذٍ وحسب.. تعمل مكائنهم التكنولوجية، ويدبّ النشاط في أقمارهم الصناعية، ووسائلهم المتطوّرة!.. فيا لهول الكارثة التي حلّت بالعالم، وبمنطقة الشرق الأوسط!.. أليس هذا الجنديّ اللصّ، ينتمي إلى عصابة المجرمين المحتلّين.. اليهود ؟!..

لسان حالِهم يقول، وسيقول دائماً: أيها العرب والمسلمون.. إذا قدِم إليكم مَن يبغي قتلكم من اليهود، فعليكم أن تبتسموا له، وتأخذوه بالأحضان، وتدفعوا له ثمن الرصاص الذي سيقتلكم به، وثمن السكّين التي سيذبحكم بها.. ولا مانع من أن تشحذوا له سِكّينه جيداً، بِكَرَمٍ عربيٍ أصيلٍ معروفٍ عنكم!.. أما أن تكشفوه، وتكشفوا نواياه الإجرامية، ثم تقتلوه قبل أن يقتلكم!.. فهذا من الجرائم التي لا تُغتَفَر، فأنتم أعداء السلام، والتحضّر، وحقوق الإنسان!..

بناءً على ذلك المفهوم الحضاريّ الديمقراطيّ الغربيّ الصليبيّ اليهوديّ.. صرّح رئيس مهزلة النظام العالميّ الجديد قائلاً: [لن نسمح بمزيدٍ من القتلى الإسرائيليين]!.. كما صرّحت سابقاً اليهودية (أولبرايت)، التي كانت عميدة وزارة خارجية الراعي (النـزيه) لعملية السلام المزعوم.. قائلةً: [أشعر بالحزن الشديد لمقتل جنديّين إسرائيليّين]!.. ويقوم العالم الغربي، ولا يقعد.. وتبدأ الرحلات المكّوكية في المنطقة ولا تهدأ!.. ألم يُقتَل جندي من مجرمي اليهود، قبل أن يَقتل، ويَغتال، ويَعيث فساداً، في أرضٍ يحتلّها؟!..

هنيئاً لصناديد (الخيار الاستراتيجيّ) العميان.. بالراعي الأميركي (النـزيه)، لعملية السلام الشامل العادل.. الزاحل.. الزائل!.. هنيئاً لعرّابي انحطاطنا، وذلّنا، وقهرنا، وسقوطنا.. في أحضان راعي (البقر) غير النـزيه وغير العادل: خفير الشرعية الدوْلية!.. وفي أحضان إحدى ولاياته وأهمّها، المُقامة على أرض فلسطين، المزروعة في قلبنا النابض بالعار والشنار، والكوكا كولا، والبيبسي كولا، ونجمة داوود عليه السلام!.. وعلينا وعلى سلامهم السلام!..

يتبع إن شاء الله

             

* الفَذْلَكَة - كما ورد في المعجم الوسيط - تعني : [ مُجْمَلُ ما فُصِّلَ وخُلاصَتُهُ ] ، وهي [ لفظة محدَثة ].