فَذلكاتٌ انتفاضيّة (6)
فَذلكاتٌ* انتفاضيّة (6)
(من وحي انتفاضة الأقصى المبارك ، التي تدخل عامها الخامس)
بقلم :
الدكتور محمد بسام يوسف
(13)
داوودُ قتلَ جالوتَ !..
( أحمد شعراوي : طفل مصري، حاول اجتياز الحدود المصرية – الفلسطينية، من أجل الجهاد مع أطفال فلسطين ضد اليهود، لكنه أُوقِف عند الحدود، وأُعيد إلى أهله )
(أحمد شعراوي) .. لا تحزن أيها الفتى الطالع من خصوبة (أرض الكنانة)، فكلّ أرضٍ غُرِزَت فيها مئذنةٌ .. خصبة!.. يا زينة فتيان ما قبل الخطوط (الحمراء)، وما بعد الخطوط (الخضراء)!.. هي ذي الأمّة قُبِضَ عليها قبل أن يقبضوا عليك بعشرات السنين!.. الأمّة التي اخترقت (خط بارليف) في ست ساعاتٍ فقط، وضعوا أمامها ألف (خط بارليف)، لكن سموها أسماء عربية!.. فمِن أيِّها ستنفذ يا أحمد؟!.. أنت يا ابن الشعراوي لا تفهم العهود والمواثيق، ولا المعاهدات والاتفاقيات، لأنّك لم ترضع أعمدة (الحكمة)، فتهوّرتَ بلا مبالاة!.. من غير أن تُقدّر عواقب ما تفعل، على صناديد أمّتك مفتولي العضلات والشَنَبات!..
دَعْكَ يا أحمد من (الدرّة) و(أبو عاصي) و(الرّيان) و.. !.. فأولئك فتيان حمقى، مثل حماقة أحجارهم!.. دَعْكَ من هواجس النخوة والمروءة، فهذه من الأمور التي لا تُباع ولا تُشترى!.. دَعْكَ من دماء أقرانك المسفوكة تحت جنازير الدبّابات، فهذه ستدخل في أرصدة سماسرة (السلام الحربيّ)!..
عُدْ يا أحمد يا شعراوي إلى حُضن أمّك، واطلب منها أن تعيدَ إرضاعك حليب (الحكمة) و(الواقعية)!.. وأن لا تفطمك حتى يتطاول (شَنَبُكَ)، فيصل إلى ركبتيك .. وعندها فحسب.. ستزول أعراض النخوة التي تعاني منها الآن!.. وسنطمئنّ إلى التزامنا بمعاهداتنا واتفاقياتنا (الحكيمة)، من غير أن يهدّدها طفل مثلك!..
لا تسخر يا أحمد، ولا تستهِن بجوهر القضية .. ألم يَقتل الفتى ( داوودُ ) جالوتَ الملك الجبّار؟!.. (جالوت) الذي أهلك الحرْث والنسل، ودمّر البلاد والعباد، وأرعب المرعِبين من أصحاب الشوارب والشنبات والعضلات المفتولة.. مَنْ قتله يا أحمد؟!..
قتله ( داوودُ ) الفتى، الذي لم يكن أكبر منك .. قتله بحجر!.. كالذي تضمّه بين جناحيك!.. فمَسَحَ بذلك ذلّ عشرات السنين، وبنى إمبراطورية العزّ والازدهار والرخاء والكرامة.. فهل ستكرّر ما فعله الفتى ( داوودُ ) يا أحمد؟!.. فتُحرِجنا، وتدفن نظريات حكمتنا، وتمزّق ملفّات معاهداتنا .. وذلّنا؟!.. فيزعل (بوش) و(وباول) و(موراتينوس) و(رامسفيلد) و(بلير) و(شارون) و(كوفي أنان)؟!.. لا يا أحمد .. لا يا أحمد!..
(14)
للذكرى فحسب : مُجرِمو السِّلم !..
هل هي (طُرفة الألفيّة)؟!.. أم (نُكتة الموسم)؟!.. أن نلاحِق أعداءنا اليهود، على أنهم (مجرمو حرب)!.. وإذا كنا نتشبّث بما يسمى (عملية السلام) تشبّثاً مصيرياً، يفوق تشبّثنا بالكراسي التي نربض عليها صامدين، كأشجار السنديان والبلّوط .. فهل ثمّة (مجرمو حرب)، وأحوالنا كلها سلمٌ في سلم؟!.. أليس الأحرى بنا أن نُطلق على أولئك المجرمين اسم: (مجرمي السّلم)؟!.. وأين سنلاحق أولئك المجرمين؟!.. في (مقطورة كوفي أنان)، أم في (كنيس البيت الأبيض)؟!.. في (مجلس الفيتو الأميركي)، أم في (هيكل الكونغرس الصهيوني)؟!.. في (المحكمة الجنائية اليهودية)، أم في (محكمة الظلم الدولية)؟!..
لماذا كلّ هذه القساوة؟!.. ومَن سنُحاكِم أو نلاحِق؟!.. (شارون) الذي استفزّنا؟!.. واستخفّ بنا وبمعتقداتنا؟!.. أم (باراك) الذي لم يَقتل عُشْرَ ما نقتله من مواطنينا، في سجوننا أو في شوارعنا، إذا ما انتفضوا ساعةً من عمر الذلّ، والعبوديّة التي تُلاحقهم ببركاتنا وحِكمتنا وواقعيتنا؟!.. أم سنحاكِم المجرم (إيغور إيلند)، قاتِل الدرّة؟!.. وكأننا لم نقتل الآلاف المؤلّفة من (دُرَرِنا)، وفلذات أكبادنا، وعلمائنا، ونسائنا، وشيوخنا .. ودجاجاتنا، وأغنامنا .. ومستقبلنا، ومَن هَجَّرنا من أبنائنا، مَن وُلِد منهم، ومَن لم يولَد بعدُ؟!..
إذا كانوا يرفعون أصواتهم بكلّ هذه النخوة (المُضَريّة) لمحاكمة المجرم الذي قتل بضع مئاتٍ من الأطفال، فماذا سيفعلون بمن قتلوا ألفاً، من خيرة الأبناء والعلماء، بعد أن صفّدوهم بين جدرانٍ أربعة، في قلب الصحراء؟!.. أو بمن جمعوا مواطنيهم، بالعشرات والمئات والألوف، هنا وهناك.. ثم أطلقوا عليهم النيران من كلّ جهة، بدمٍ أكثر برودةً من دم المجرم السفّاح (إيغور إيلند): قاتِل (الدرّة)؟!.. ماذا سيفعلون بمن ذبحوا الثلاثين ألفاً من مدينةٍ واحدة، خلال أسبوعٍ أو أسبوعين، من عمر (دُرّة) المدن العربية والإسلامية؟!..
هل سيُحاكَم (شارون) على مذابح (صبرا وشاتيلا)، ومذابح (قِبية)، ومذابح انتفاضة الأقصى الشريف، وغيرها؟!.. أم أنها دماء قديمة، غُسِلَت بمِداد معاهدات السلام المزعوم؟!.. وهل سيُحاكَم (باراك) على مذابح (الأسرى المصريين)، ومذابح (جنوب لبنان)، وأعمال الاغتيالات التي كان يشترك في ارتكابها وتنفيذها؟!.. أم أنّ تلك الدماء لم يسمع بها أحد، وغُسِلَت أيضاً بعواطف الحُبّ الأزليّ لـ (دُمية) السلام، كما تُغسَل أموال القذارة والمخدّرات، في بنوك سويسرة وأميركة؟!..
ومجازر حمامة السلام (شمعون بيريز)، على رأسها (مجزرة قانا) الرهيبة.. هل ستدخل ضمن إطار هبّتنا (المضريّة) لمحاكمة (مجرمي الحرب) أو (مجرمي السّلم) لا فرق؟!.. أم أنّ (بيريز) لم يعد جنرالاً حربياً ولا سِلمياً.. ما يُعفيه من كلّ جرائمه الحربية والسلميّة على السواء؟!..
أم أنّ كلّ ما نسمعه، ونراه.. ذَرٌّ لـ (العيون) في الرماد.. رماد الشهداء، من ضحايا كلّ الجرائم والمجازر.. منذ أكثر من نصف قرنٍ إلى يومِنا هذا.. والأيامِ القادِمةِ الحُبلى.. بالمجازر، والشهداء، والدماء.. ليس في فلسطين المحتلّة فحسب، بل في شارعنا العربي المكبوت المخنوق: من المحيط إلى الخليج؟!..
يتبع إن شاء الله
* الفَذْلَكَة - كما ورد في المعجم الوسيط - تعني : [ مُجْمَلُ ما فُصِّلَ وخُلاصَتُهُ ] ، وهي [ لفظة محدَثة ].