التربية الإسلامية في بلاد الغرب
أمير أوغلو
قد يكون العنوان غير ذي دلالة تامة على الموضوع , ولكنني لم أجد عنوانا آخر أقرب لما أريد الحديث عنه من خلال تجربتي الشخصية في أوروبا في مجال التربية .
من المعروف لدى الجميع أن الدين المسيحي هو الدين الرسمي في أوروبا وأننا كمسلمين في هذه البلاد نشكل أقلية جاءت من بلاد مختلفة ولأسباب مختلفة وهذه الأقلية تشتكي دوما من أن هذه البلاد بعيدة عن الإسلام وأن تربية الأبناء هنا تربية إسلامية هي مشكلة عويصة وهناك الكثير من الندوات والمحاضرات المستمرة والتي لا تتوقف حول تربية الأبناء في بلاد الغرب وحول مشاكل هذه التربية التي يعاني منها الوالدان.
يكثر الحديث أيضا عن اضطهاد الغربيين للأجانب , وخاصة المسلمين منهم , بعد أحداث سيء الذكر سبتمبر والتي زادت من عزلة المسلمين ومشاكلهم .
لا أريد في هذه العجالة أن أنقض أوأن أرد على ما سبق لأن الكثير منه واقعي , ولكن الكثير منه أيضا من صنع أيدينا ومن أخطائنا ومن عدم فهمنا للمشكلة الحقيقية ولمعنى التربية أصلا , فلا يزايد أحد علي بضرب الأمثلة على ما ذكرت سابقا ولا يبدأ أحد بالعويل والبكاء وسرد القصص والحكايات عن عذاباته في بلاد الغربة فليس هذا مجال البحث.
أريد هنا أن أبدي بعض الملاحظات التي أرجو أن تكون دافعا للبعض لتلمس بعض الإيجابيات في هذه البلاد التي يعيشون فيها ولكسر هذه الإزدواجية المعطلة لكل ما هو إيجابي وفعال في حياة المسلمين في الغرب بشكل خاص والمغتربين بشكل عام . هذه الإزدواجية التي تتمثل بوضوح في المثل الشعبي القائل : " جالس بحضنه وينتف بذقنه " أي أنه يتمتع بكل خيرات هذا المجتمع الذي يعيش فيه وبكل الوسائل المشروعة , وحتى غير المشروعة أحيانا , ثم يندب ويبكي ويشتكي القهر والظلم والعنت ناسيا القهر والظلم والعنت في البلاد التي جاء منها والتي دفعته للهجرة غصبا عنه إلى هذه البلاد .
كلنا يعرف أن نبينا صلى الله عليه وسلم وليس نبيهم هو القائل " علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل " ولكن القليل منا يعرف أن تعلم السباحة فرض مدرسي في هذه البلاد يمارسه الأطفال في الصفوف الأولى ويجب أن ينجحوا فيه حتى يتابعوا دراستهم ولم أسمع , ربما لقلة اطلاعي , عن دولة تسمي نفسها إسلامية تفرض هذا على طلابها المسلمين تطبيقا لأمر نبيها صلى الله عليه وسلم .
كلنا يعرف أن نبينا صلى الله عليه وسلم وليس نبيهم هو القائل " إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه " ولكني لم أجد مدرسة في بلادنا تعلم الطالب الإتقان كما تعلمه المدرسة الغربية في بلاد الكفر هذه التي نعيش فيها . ولم أجد إنسانا في بلادنا يمارس الإتقان في عمله إلا من رحم ربي .
كلنا يعرف أن نبينا صلى الله عليه وسلم وليس نبيهم هو الذي يصف مخلف الوعود بالنفاق ويحذر من الإخلاف بالمواعيد في كثير من الأحاديث الصحيحة ولكني لم أجد من يخلف بمواعيده ولا يحترمها ولا يحرص على تعليم الحفاظ عليها لأبنائه من أهل هذه البلاد أكثر من العرب والمسلمين .
كلنا يعرف أن طفلنا وليس طفلهم الذي كان يقول لخليفة المسلمين :" إنني لم أرتكب ذنبا فأهرب منك ولا الطريق ضيقة لأوسعها لك " ثم أرى طفلهم يناقش أستاذه في كل صغيرة وكبيرة ويقرر معه كل أمور المدرسة , أما طفلنا الذي شبع قمعا في المنزل فيأتي إلى المدرسة ليتابع دروس العبودية لأستاذه , ثم يخرج من المدرسة ليكون عبدا صالحا في خدمة مالكي الدولة .
ليس هدف هذه الكلمات أن يأتي المسلمون إلى بلاد الغرب ليربوا أولادهم فيها , وليس الهدف هو إثبات أن تربية الأطفال هنا أسهل وأكثر إسلامية من بلادنا , ولكن الهدف كما قلت في البداية أن يرى بعض من لا يكفون عن الشكوى والإعتراض أن فشلهم في تربية أولادهم إنما يعود لسوء تخطيطهم أولا ثم لسوء فهمهم لمعنى التربية ثانيا , قبل أن يعود إلى المجتمع المحيط الذي فيه من الإيجابيات بقدر ما فيه من السلبيات والذي لا تختلف إيجابياته وسلبياته عن أي مجتمع من مجتمعات بلادنا العربية أو الإسلامية .