إلى أخي المقبل على التخرج في كلية الطب
إلى أخي المقبل على التخرج في كلية الطب
د.مصطفى عبد الرحمن
منذ عدة سنوات .. استوقفني أخي المقبل على التخرج في كلية الطب وسألني:
هل لديك ما تنصحني به كي أكون طبيباً ناجحاً؟...
فتعجبت وقلت : عجيب !.. هاأنت على خطوتين من الخروج من باب الكلية الواسع ولم تدري بعد كيف تكون ناجحاً في مهنتك !... قال : لم أتعلم في كلية الطب شيئاً من هذا ... نعم تعلمت كيف أفحص المريض وأشخص الداء وأصف الدواء!... لقد درست مواداً كثيرة واجتزت امتحانات عسيرة لكن لم أتعلم أي شيء عن هذا )الاتيكيت( الذي تعنيه . قلت : وما هي إذن أخبار هذه المادة التي أجبرونا على حفظ صفحاتها )العشرين !... ( عن ظهر قلب عندما كنا على مدرجات الكلية منذ حوالي عشرين عاماً ؟... قال : وما هي هذه المادة؟... قلت :هذه المادة التي يسمونها آداب مزاولة المهنة الطبية... قال : أنا لم أسمع عنها شيئاً فعن ماذا تتحدث؟... فما زلت في قلت وقال وقال وقلت حتى علمت أن حتى هذه المادة الصغيرة الحجم الهزيلة القد القليلة الصفحات قد صرفت بل سحبت وأصبحت في خبر كان ...
نعم فان كليات الطب في الشرق (وحتى في الغرب) لاتقدم لخريجيها وصفات جاهزة أو بروتوكولات واضحة تساعد الأطباء الشباب على معرفة السلوك الطيب والتصرف الحسن وكيف يكون الطبيب مبدعا في عمله محبوبا من مريضه محترماً من زملائه مقدراً في مجتمعه وباختصار ما نسميه )فن علاقة المريض بمحيطه(...
قلت لأخي : إذن اجلس أعلمك مما تعلمته من خبرتي بعد عقدين من الزمن قضيتها في ممارسة هذه المهنة الشريفة هي كل ثروتي في دنياي...
إنني أرى أن عليك أربعة واجبات أساسية إن حافظت عليها وأديتها كما يجب فانك ولا شك ستنال رضا ربك وتقدير مريضك وصداقة زملائك واحترام مجتمعك ...
أولى هذه الواجبات هو نحو مهنتك نفسها وهو أن تتعهد ها بالإتقان .
قال : وكيف السبيل إلى ذلك ؟... قلت :
أولا : المفروض أن اختيارك للطب كان عن حب واقتناع لاعن صدفة واندفاع وهذه والله هي أولى خطوات النجاح ...
وثانياً : أن تداوم على مطالعة كتبك الطبية باستمرار وبشكل دوري ومنهجي منذ مغادرتك مدرجات الكلية إلى آخر يوم تزاول فيه المهنة وحتى بعد ذلك ...
وثالثاً : أن يكون لك اشتراك في عدة دوريات معروفة في تخصصك تتطلع من خلالها على كل جديد ...
ورابعاً: أن تداوم على حضور المؤتمرات الطبية واللقاءات العلمية وأن تشارك فيها .
وثاني هذه الواجبات هو نحو مريضك وهو أن تتغمده بالإخلاص .
قال : وكيف يكون ذلك؟... قلت :
أولا : عليك أن تجند كل معارفك وعلومك وخبرتك في سبيل شفائه ويسهل عليك ذلك اذا تخيلت أن كل مريض يراجعك هو أبوك أو أمك أو أخوك أوأختك أو ولدك ...
وثانياً : أن تكون مؤتمناً على صحته فلا تصف له دواءً ضاراً أو مميتاً حتى ولو بطلب منه.
وثالثاً : أن تكون مؤتمناً على ماله فلا تطلب له فحوصات لا داعي لها ولاتجري له عملية جراحية لااستطباب لها.
ورابعا ً: أن تكون مؤتمناً على سر مريضك فلاتبوح لأي كان بطبيعة مرضه ولا انذاره ولاإختلاطاته إلا في حالات نادرة وضيقة جداً.
وخامساً : أن تلقاه دوماً بوجه صبوح طلق وبشوش وتعفو عنه اذا بدت منه اساءة تحت ضغط المرض وما أكثر ما تصادفك مثل هذه الانفعالات .
وثالث هذه الواجبات هو نحو زملائك وهو أن تتقرب إليهم بالود والإخلاص.
ويكون ذلك :
أولاً : أن تحترم علمهم وشهاداتهم وخبراتهم في حضورهم وغيابهم ...
وثانياً : أن لا تتعدى على اختصاصاتهم فلا تطبب مريضاً إلا في حدود تخصصك وليس في حدود علمك ومعرفتك ...
وثالثاً : ألا تتوانى عن استشاراتهم في ما هو خارج عن معالم تخصصك وحتى أن تتشاور معهم إذا كانوا في مثل تخصصك في ما إذا اعترضتك حالة صعبة أو استشارة نادرة وتذكر أن فوق كل ذي علم عليم ...
ورابعاً : ألا تأخذ أجراً منهم إذا استشاروك في اختصاصك وأن تقدم لهم يد العون المادي والمعنوي إذا ما احتاجوا إليه وكنت قادراً عليه.
ورابع هذه الواجبات هو نحو مجتمعك وهو أن تتولاه بنشر الوعي الصحي.
وذلك :
أولاً : أن تأخذ شيئاً من وقتك بعد فحص مريضك وأن تشرح له طبيعة مرضه وسبل الوقاية وألا تنتهي علاقتك بمريضك عند كتابة الوصفة وقبض الأجرة .
وثانياً : أن تكتب كتيبات صغيرة في تخصصك تنبه بها مثلاً على أضرار التدخين أو ألأخطاء الغذائية أو أضرار السمنة أو فوائد الإرضاع وغيرها وتوزعها على مرضاك فان فيها فوائد جمى .
وثالثاً : أن تنظم مع زملائك في حيك أو بلدتك أو قريتك حملات دورية لنشر الوعي الصحي وكشف أضرار التدخين أو أهمية اللقاحات أو تدبير بعض الأمراض الشائعة كالسكري والربو وغيرها.
نظرت إلى أخي حينها فرأيته منهمكاً بكتابة كل كلمة قلتها وكل عبارة صغتها وكل فائدة نطقتها ... فقلت له مبتسماً : لاعليك فستجدها مكتوبة جميعها في كتاب قادم .. أو منشورة على صفحات الإنترنت إن شاء الله .. وها أنا قد وفيت بوعدي .
..................................