الدعوة والدور الشخصي

الدعوة والدور الشخصي

هيثم الأشقر

(بلغوا عني ولو آية) خطاب عام يشمل جميع المسلمين إذ لا يعدم أي مسلم من أن يعي آية أو بابًا من أبواب العلم والمعرفة.

ومن يفتقر لذلك يكفيه خلق حسن ينشره بين الناس بالقدوة أو بالموعظة السهلة غير المتكلفة إن أمكنه ذلك.

وقصة الرجل الذي دخل الجنة بإحسانه لكلب بشربة ماء بعد أن أشرف على الهلاك عطشاً لها دلالات كبيرة على أهمية مبادرة الإنسان بعمل الخير مهما قل شأنه في نظره، ومنها مثلاً (وإماطة الأذى عن الطريق صدقة) حديث شريف، ومنها (لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك من حمر النعم) حديث.

تعالوا لنتصور مجتمعاً مسلماً واعياً لفقه المبادرة الشخصية كل بما يستطيع وبما يفهم، كيف سيكون حاله؟ وهكذا حفز الإسلام كل مسلم بما لديه من طاقات ليكون عنصراً فاعلاً مؤثراً مما يفسر سرعة انتشار وتمكن الحضارة الإسلامية من الشعوب التي دانت لرسالتها.

وقد درب رسولنا العظيم الصحابة رضوان الله عليهم على المبادرة والاجتهاد فيما لا نص قطعي فيه، فها هو صلى الله عليه وسلم يحفز معاذ بن جبل على الاجتهاد إذ لم يجد حكماً من القرآن أو من سنته صلى الله عليه وسلم.

كما أجاز صلى الله عليه وسلم فريقي المسلمين مَن التزم منهم بظاهر أمره، ومَن فهمه على دلالة السرعة، وذلك عندما قال لهم: (لا تصلين العصر إلا في بني قريظة) فصلى بعضهم في الطريق لأنه فهم من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الاستعجال، بينما صلى الآخرون عند بني قريظة التزاماً بأمره.

ومما نفهمه من موقف الرسول لكلا الفريقين حرصه صلى الله عليه وسلم على تنمية المبادرة وروح الاجتهاد واستثمار مكنونات كل إنسان كأفضل ما يكون الاستثمار بعيداً عن روح الكهانة والحزبية التي تلغي الإنسان وتجعله تبعاً وعبئاً على نفسه وعلى الأمة منهزماً كسير النفس لا يقدر على بناء أو فاعلية، مما يفسر لنا تهاوي جيوش كسرى والروم أما جيش المسلمين المتواضع، ويفسر أيضاً إنهيار الإتحاد السوفياتي والعراق السريع أمام التحديات.

إن روح المبادرة هي التي جعلت من ربعي بن عامر مرعباً مهيباً سفيراً قوي الشكيمة أمام رستم قائد الفرس، مما كان له أكبر الأثر النفسي في هزيمة الفرس أمام المسلمين.

كما إن روح المبادرة التي غرسها الإسلام في أمته وراء هيبة العز بن عبد السلام أمام السلطان مما حفظ للإسلام هيبته وللأمة فعاليتها وقدرتها على النهوض بعد كل كبوة.

ومما سبق نؤكد على أهمية الرجوع إلى منهج الإسلام في التربية وإعادة الخطاب الدعوي إلى أصوله ورشده النبوي، وهكذا أفهم الدعوات المعاصرة لتطوير الخطاب الإسلامي الذي أريد له أن يخلط بين عمل صالح وآخر غير ذلك.

لابد من إطلاق طاقات الإنسان المسلم في إطار المرجعية الموثوقة القائمة على المؤسسات وإحترام التخصص والإنسان وفق هدي الكتاب والسنة.

ولابد من فك قيود الحزبية والكهنوتية والظلم عن رقاب العباد لينطلقوا في رحاب الإسلام منتجين مؤثرين في أطر عامة تعيد للأمة مجدها الضائع على أيدي أدعياء التغيير والتحديث والتحرير مستهلمين قول فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).

(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).

وفي الختام لابد من توجيه جملة من الأسئلة:

ـ لماذا يبدع المبدعون في بلاد الغرب ويحبطون في بلدانهم الإسلامية.

ـ ولماذا ينطق الموهوبون ويضيفون لحضارة الأمة بينما كانوا في كآبتهم محتارين داخل أحزابهم الثورية العتيدة.

ـ ولماذا ينجح الابن إذا خرج في مشروع خاص بعيداً عن أبيه وأخيه.

ـ ولماذا لا يتدرب الفتى على مواجهة الحياة إلا بعيداً عن والديه.

وأسئلة أخرى كثيرة مطالبون بالإجابة عنها إذا أردنا لهذه الأمة أن تكون.