بالله عليكم .. أخبروني أين الخلل؟

د.مصطفى عبدالرحمن

بالله عليكم .. أخبروني أين الخلل؟

بقلم :د.مصطفى عبدالرحمن

كنت اطالع في احد مواقع الانترنت موضوعا حول هذا الاكتشاف الهائل الذي تستقبل به هذه الالفية الثالثة... والذي اعتبره البعض اكثر اهمية من هبوط الانسان على سطح القمر  ... الا وهو اكتشاف) الجينوم البشري (.. وجاء في هذه الدراسة.. ان هناك ثمانية عشر بلدا تشترك مع بعضها البعض لحل طلاسم هذه التراكيب الوراثية والشفرات الجينية والالغاز الامراضية لهذا الكائن الحي الذي يدور حوله الكون والذي يخلف الله على الارض الا وهو الانسان ... دققت في قائمة هذه البلدان التي تتشرف بالمشاركة في اكبر مجهود علمي في زماننا ... فوجدت انها خليط من مجموعة من البلدان تشكل فسيفساء عجيبا… اذ حوت بلدانا في الشرق كاليابان وكوريا واخرى في الغرب كبريطانيا وامريكا ... بلدانا في الشمال ككندا وفرنسا واخرى في الجنوب كالبرازيل والمكسيك ... بلدانا ضخمة واسعة تعد قارة كاستراليا واخرى صغيرة منكمشة لاتكاد ترى كهولندا ... بلدانا قمة في التقدم والحضارة كالمانيا واخرى غارقة في التقهقر والتخلف كروسيا ... بلدانا تصنف في قمة قائمة بلدان العالم الاول كالسويد واخرى اسفل قائمة العالم الثالث كالصين .

واصابني الدوار والله يا أصحابي وانا افتش بشغف ولهف علني اجد لي موطئ قدم مع هؤلاء القوم.. لكنني اصبت بخيبة امل شديدة  حين لم اعثر لي على اثر ...  نعم فلم يكن لاهلي واوطاني أي ذكر في هذه القائمة الطويلة لبلدان لايجمع بينها أي قاسم مشترك الا البحث العلمي.

لكن هذا  الدوارتحول الى ذهول تام حين وجدت ان )اسرائيل( هي احدى هذه الدول .. اليس هذا عجيباً بل وغريباً ؟...

-2-

يا قومي ... اين طاقاتنا العلمية ؟ ... اين ثرواتنا العقلية ؟... اين مراكزنا البحثية ؟... اين خيراتنا المادية ؟... اين ادمغتنا ؟... اين مخترعونا ؟... اين عباقرتنا ؟... يا سادة... تريدون ان تعرفون ام أنكم من قبل تعلمون ولاتريدون ان تبوحون ؟...

سأقولها لكم ... ان طاقاتنا العلمية في بلادنا معطلة تلهث خلف ارزاقها ... وثرواتنا العقلية مهاجرة لتشفي غليل طموحاتها... ومراكزنا البحثية تحولت الى مجموعات من الموظفين تدور في فلك روتينها... واما ممتلكاتنا المادية فتنفق بلا حساب على اهل الفن والرقص والخلاعة .. ونظرة واحدة الى أي من هذه المحطات الفضائية العربية تنبئك بهذه الدراما المبكية...

 اما ان سالت عن ادمغتنا ومخترعينا وعباقرتنا... فيجب ان تبحث عنهم في مراكز البحث الكبرى في لندن و واشنطن.. وفي المشافي الضخمة في باريس وبون.. وفي الجامعات العريقة في كمبريدج وهارفارد  والسوربون.. فرادى منعزلين .. وجنود مجهولين ... وجلهم في هذه المجتمعات التي يعيشون فيها ذائبين وضائعين ... لكنهم جميعاً في قضية واحدة والله لايختلفون .. اذ انهم لبلدانهم واوطانهم هم عاشقون مولهون... والى العودة اليها ليعطوها ويبنوها  ليل نهار يتغنون ويحلمون .

-3-

لازلنا نعيش بلا هدف .. لازلنا نستثمر في كل شيء الا في العقول والادمغة .. لازالت اموال اغنيائنا تضيع في الليالي الحمراء.. في  تكريم غانيات الفيديو كليب وراقصات الباليه ومغنيات الكاباريه.. وتغدق في الملاعب الخضراء وبسخاء.. على اصحاب الاقدام الذهبية والاهداف الخلبية .. اما اهل العلم والعلماء فلانصيب لهم في شيء.

حتى هذه المحطات الفضائية تخجل من ذكرهم وتعرض عن استضافتهم وتتوانى حتى عن الاشارة الى جهودهم واعمالهم ونتاجهم.

في مؤتمر ضخم اقمناه في باريس في أذار الماضي أعلمت أكثر من محطة اذاعية في باريس ودعيت اكثر من قناة فضائية .. ولكن دون جدوى .. فلم يكلف احد منهم نفسه حتى الرد على رسالتي .

انك لو نزلت الى الشارع وسألت أياً كان عن المطرب فلان او المطربة فلانة او النجم علان او النجمة علانه، لما عثرت على احد قط يجهلهم صغيرا كان أم كبيرا شيخا كان أم شابا . ولو تنحيت قليلا وسألت عن اللاعب زيد من الشرق او اللاعب عمرو من الغرب لما جهلهم احد.. بل لزودوك بمعلومات كثيرة انت نفسك تجهلها.. ماذا ياكل؟ ماذا يشرب؟ اين يقضي عطلته؟ اين يفضل نزهته؟ واين واين؟...

ولكن اسأل عن احمد زويل اوعبدالقادر مارتيني  او مجدي يعقوب.. اسال عن نزار عجان او حسان نجار او فيضي محمود.. لما عثرت عن احد يعرفهم او سمع بهم .. اليس هذا عجيباً بل وغريباً ؟...

-4-

لماذا تزهد امتنا بادمغتها وتتخلى عن عقولها وغير عابئة ولامبالية ان تهدر طاقاتها؟ ... في حين يدلل الاخرون حتى الادمغة التي تهاجر اليهم ؟.... ويغرون هذه العقول التي تاوي الى بلدانهم؟...ويعرفون كيف يفجرن هذه الطاقات التي سعت لتلتحق بمراكزهم ومعاهد ابحاثهم وجامعات علومهم ...

لماذا تتخلى بلادنا عن عقولها هذه التي تعمل في ديار الغرب وقد ربت اكثرهم ودفعت عليهم وانفقت على تعليمهم عقدين او ثلاثة ثم ولوا وجوههم شطر الغرب ليستزيدوا في علومهم ويتبحروا في ابحاثهم ... ثم لاهم عادوا ولاامتهم حاولت ان تعيدهم .

الم يفكر احد من اخطبوطات الاموال العربية ان يستثمر في هؤلاء ؟ ..

الم يفكر احد ان يبني اكبر مركز للبحث العلمي في الشرق ويذهب ليفتش على من يعمره من ابناء جلدته في الغرب ؟ ..

الم يخطر ببال احد ان يبني اكبر مشفىً عربياً يستدعي اليه خيرة هذه الطاقات الفذة التي هي مغتربة في ديار الغربة والمهجر؟...الم ... الم...الم...

-5-

ان اتحادنا ) اتحاد الاطباء العرب في اوروبا ( والذي يضم اليوم آلافا من هذه الطاقات الطبية الرائدة كان قد أخذ  زمام المبادرة وأراد أن يشعل شمعة بدلاً من الإمعان في لعن الظلام.. و طرح منذ أكثر من أربع سنوات مشروعاً فذا رائدا وحيوياً .. ألا وهو إنشاء )كلية للطب أوربية – عربية( مع مركز ضخم للبحث الطبي وذلك في إحدى بلادنا العربية الغنية، تكون نموذجاً لتجنيد هذه العقول الفذة والأدمغة المتقدة مع أساتذتها الأوربيين وجامعاتها التي تعمل بها، في خدمة أجيال أمتها وبلادها، وتكون مناراً للسالكين دروب المجد والعلم والرقي والعلا  ..

وطرق الإتحاد في سبيل ذلك أبواب أهل الحل والربط والعقد من الأمراء ورجال الأعمال ورؤساء الجامعات دون جواب حتى اليوم وما أحسبني أننا سنفوز بجواب!!! أليس هذا غريباً؟.. أليس هذا عجيباً؟.. فأين الخلل يا ترى؟.