أبثُّ البشرى

أحمد الجدع

وهذه البشرى هي بشرى النصر القادم  ، بشرى قيام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وبثُّ البشرى له أكثر من وسيلة، ووسيلتي في هذا المقال المزاوجة بين حديث نبوي كريم ، وأحاديث أخرى.

 الحديث النبوي الكريم يبين للمسلمين العصور السياسية للإسلام ، ولأن المسلمين في عصرنا تركوا الأحاديث، وتركوا الآيات، ولم يستفيدوا منها، وجروا وراء المحتل المنتصر في تقسيماته السياسية لتاريخنا، فضلوا وخابوا.

أنا أفهم أن تحدد كل أمة مساراتها التاريخية والسياسية والأدبية، ولكن أن تكون أمتنا استثناء من كل الأمم فتستسلم لعدوها في كل ذلك ،فهذا ما لا أفهمه إلا في إطار الهزيمة الشاملة لهذه الأمة حتى في فكرها!

أمة الإسلام التي استسلمت استسلاماً شاملاً وكاملاً لعدوها بعد الحرب العالمية الأولى أصابها عمى التفكير والفهم، فهي لا ترى النور الذي يشع به قرآنها وأحاديث نبيها، فجرت في طريق التقليد الأعمى أو الأسود شديد السواد، ودخلت في جحر الضب ولم تعد ترى النور نوراً والحق حقاً والهزيمة هزيمة،بل دعت النور ظلاماً والحق ضلالاً والهزيمة نصرا!!

هذا عصر من عصور الإسلام أشار إليه رسولنا صلوات الله عليه، رسولنا الذي صدقنا في كل ما قال، وحتى نعرف هذا العصر من بين عصور الإسلام التي حددها رسولنا تعالوا نقرأ هذا الحديث النبوي الشريف:

يقول الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام:

" إنَّ أوّل دينكم نبوة ورحمة، وتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تكون فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها الله جل جلاله، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون فيكم ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعه الله جلَّ جلاله، ثم يكون ملكاً جبرياً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه الله جل جلاله، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل في الناس بسنة النبي ، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض، يرضى عنها ساكن السماء ، وساكن الأرض، لا تدع السماء من مطر إلا صبته مدرارا، ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئاً إلا أخرجته".

أبادر فأقول: هذا الحديث المعجزة رواه الإمام أحمد والبزار والطيالسي، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الثقات، ورواه الطبراني في الأوسط من حديث حذيفة، وذكره الألباني في الأحاديث الصحيحة.

إذن هذا حديث موثق، وهو بالإضافة إلى توثيقة وصحته يصدقه مسار المسلمين من أيام الرسول حتى يومنا هذا .

وعليه فإن العصور السياسية كما حددها رسولنا في هذا الحديث هي:

أولاً: عصر النبوة.

ثانياً: عصر الخلافة الراشدة الأولى.

ثالثاً: عصر الملك العضوض.

رابعاً: عصر الحكم الجبري.

خامساً: عصر الخلافة الراشدة الثانية.

والملك العضوض هو الذي يستمسك به أهله ولا يفلتونه ، والكلب العضوض: الذي يعض أي يؤذي، والعضوض أيضاً بمعنى الداهية، كأن هذا العصر يأتي أهله بالدواهي.

والذي ألحظه أنا في معنى الملك العضوض انتقاص لبعض أمور الإسلام، ولكن هذا الانتقاص لم يكن من غير المسلمين ، بل منهم وبأيديهم، أي أن هذا العصر سيكون الملك فيه للمسلمين ، وأنهم سوف يدخلون الملك الكسروي إلى نظامهم بدلاً من الخلافة، وإن كانوا لا يزالون يتسمون بها، ولكنها ليست بخلافة ، إنما هي ملك كما سماها رسول اللهr.

ولم يكن هذا الملك شرأ مطلقاً، بل فيه خير كثير منه هذه الفتوحات العظيمة التي قادها هؤلاء الملوك الخلفاء، وقد ظهر عدد كبير من هؤلاء الملوك حاولوا العودة بالنظام السياسي إلى الخلافة الحقيقية كعمر بن عبد العزيز ومحمد الفاتح وعدد من خلفاء بني عثمان الأوائل.

وامتد الملك العضوض من بداية الدولة الأموية إلى سقوط الخلافة العثمانية.

أما الحكم الجبري أو الملك الجبري فهو الذي لم يبق فيه للمسلمين حكم ولمعالم الإسلام معلم، وهو هذا العصر الذي أجبر ويجبر فيه المسلمون قسراً على الخضوع لأحكام ليست من الإسلام في شيء، وهي أحكام يفرضها أعداء الله على المسلمين ولا يستطيع المسلمون لها رفضاً  أو نقضا.

وابتدأ العصر الجبري منذ سقوط العثمانين ولا زلنا نعيشه!

هذه إضاءة سريعة على معنى العضوض ..... والجبر!

ثم إن رسول اللهr بشر بفتح المدن الحضارية الأربع: مكة والقدس و والقسطنطينية وروما.

ومكة هي أم القرى، وقد حكم الله عليها بالفتح، فهاجر منها سيد البشر، وأعد نفسه للعودة إليها بالفتح المبين، وأكرم الله مكة بالفاتح الأعظم الرسول الخاتم سيد الأولين والآخرين ، فيا له من فاتح وياله من فتح ويالها من مدينة!

إذن فتحت مكة في العصر الأول: عصر النبوة، وهذا العصر هو الذي أشار إليه رسولنا بقوله: إن أول دينكم نبوة ورحمة، والنبوة دائماً مقرونة بالرحمة، لهذا خاطب ربنا رسوله بقوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

وتفاصيل فتح مكة تجدونها في السيرة النبوية العطرة.

والقدس مسرى رسول الله r بشر بفتحها، فافتتحت في عصر الخلافة الراشدة الأولى، حاصرها كبار القادة المسلمين : أبو عبيدة عامر بن الجراح وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، فلم تجد مناصاً من التسليم ، وطلب كبيرها أن يكون ذلك للخليفة ،   فقدم عمر بن الخطاب واستلمها.... وفتحها وأحداثه تجدونه في كتب التاريخ الإسلامي.

والقسطنطينية ، مدينة هرقل، وعاصمة الكنيسة الشرقية ، تطلع لفتحها المسلمون منذ معاوية بن أبي سفيان، وقيل إن أحد العلماء قال لسليمان بن عبد الملك عندما تولى الخلافة إن هناك حديثاً ينص على أن من يفتح القسطنطينية اسمه اسم أحد الأنبياء ، وأنت أول خليفة تسمى باسم نبي، فأشعل هذا الحديث روح الفتح لدى سليمان وسير الجيوش لفتحها ، وأبى أن يردّ الجيش رغم ما قاساه من متاعب في أثناء الحصار، ومات سليمان وجيشه يحاصر والقسطنطينية ، وعندما تولى عمر بن عبد العزير بعده فك الحصار ، وقدر الله أن يكون هذا الفتح من نصيب محمد الفاتح  سلطان العثمانيين ، وتم له الفتح، وكان قد لقي في محاصرتها متاعب جمة ، ولكنه بقي مصراً على الفتح لأنه كان يعلم أن رسول الله بشر بفتحها وأنه قال:" لتفتحن  القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش" وفاز محمد الفاتح بهذه التزكية النبوية وفازت جيوشه معه.

وتم فتح القسطنطينية في العصر الثالث من عصور الإسلام، عصر الملك العضوض.

ولم يبق إلا روما، وفتحها خاتمة الفتوح، إذ بفتحها يدين العالم كله للإسلام، ويظهر الله هذا الدين على الدين كله.

بعد انهيار الملك العضوض ودخول الملك الجبري لم يعد للمسلمين شأن ولا أمر، واصبحوا غرضاً يرمى وقصعة تتداعى عليها الأمم، لا يخرجون من هزيمة إلا ويدخلون في أخرى ، لقد أحكم عليهم عدوهم الخناق، وسلبهم الإرادة ، وساقهم كالأنعام.

ولولا أن رسولنا أعلمنا بأن بعد هذا العصر نصر ، وخلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة، لما صدقنا أن لهذا الجبر نهاية، وأن بعد هذا العسر يسرا.

وحتى لا ييأس الناس، ويظنون بالله الظنون ، توسع رسولنا الكريم في وصف الخلافة الراشدة الثانية فوصفها وصفاً دقيقاً، وبشر فيها البشريات الطيبات: تعمل في الناس بسنة النبي ، ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض (اي يثبت ويستقر) يرضى عن هذه الخلافة ساكن السماء، وساكن الأرض ، وينتشر الرخاء، لا تدع السماء من مطر إلا صبته مدرارا، ولا تدع  الأرض من نباتها ولا بركاتها شيئاً إلا أخرجته .

هذه الخلافة الثانية قادمة بعد ليل طويل عاشه ولا يزال يعيشه المسلمون .... ونحن فيه.... ولكن ليل هذا العصر إلى نهاية، وفجر هذا الدين قد أوشك أن يطلع.

ومن بشريات الخلافة الراشدة الثانية فتح روما.

وقد أدار المسلمون فتوحاتهم الأولى وكانت عينهم على روما.... ألم يبشرهم بفتحها الصادق المصدوق، عليه أفضل الصلاة والسلام؟

ففي مجلس للصحابة مع رسول الله r سألوه: أي المدينتين تفتح أولاً: قسطنطينية أم رومية، قال عليه السلام: مدينة هرقل تفتح أولاً.

ومدينة هرقل هي القسطنطينية ، وقد تم فتحها على يد محمد بن مراد الذي ما سمي بالفاتح إلا لأنه فتحها.

 مدينة القسطنطينية تفتح أولاً........ ورومية تفتح ثانيا.

اندفع موسى بن نصير ففتح إفريقية، ثم وثب إلى الأندلس، وطلب جنده شيئاً من الراحة ، فأمضّه ذلك،وقال: "لو أطاعني عسكري نفذتهم حتى أفتح رومية" ،  وعندما تمكن الأغالبة من شمال إفريقية واستقر حكمهم فيها تطلعوا لفتح روما، فوجهوا أساطيلهم إليها، وحاصروها مرتين، وأخذوا الجزية منها.

وعندما هزم السلطان العثماني بايزيد جموع الأوروبيين في معركة ناكوبولي قال مزهواً " لا أنثني حتى أطعم فرسي الشعير من مذبح القديس بطرس بروما..."

ويشاء الله أن يدخر هذا الفتح لقائد عظيم من قادة  الإسلام، يعيد مجد هذه الأمة ويؤسس للخلافة الراشدة الثانية ،ويقود جيوشه لفتح روما حتى تدخل أوروبا في دين الله أفواجا.

إذن:

فتحت  مكة المكرمة في عصر النبوة.

وفتحت القدس في عصر الخلافة الراشدة الأولى.

وفتحت القسطنطينية في عصر الملك العضوض.

وسوف تفتح روما في عصر الخلافة الراشدة الثانية القادمة قريباً بإذن الله ،فأبشروا ، ثم أبشروا، ثم أبشروا.