معشوقتي الفاتنة
معشوقتي الفاتنة
بقلم: أحمد جمال
عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام
أحبها جهد الهوى، حبّاً لا مزيد فيه ولا مطمع في مزيد، كما قال مصطفى صادق الرافعي إن جاز التعبير.أحب اسمها، وما قارب اسمها، أو كان منه مدانياً.
وإني لتعروني لذكراكِ
هزة
كما انتفض العصفور بلله
القطر
إذا سمعتُ اسمها ثبتُ من
خَبَلي
وثاب ما صرعتْ مني الحكومات
|
شوقٌ مقلق يكويني إن ابتعدتْ عني أو فارقتني، فأنا لا أستطيع فراقها، لا أستطيع.
إنني بكل صراحة ودونما مواربة، عاشق متيم بها، ولا أبالي بأن أعلن هذا بل إنني أعتز بهذا العشق.
ليلي طويل موحش إن فقدتُها، إنه ليل بطيء الكواكب، وأبطأ سارٍ كوكب بات يكلأ؟ كما قال شاعر الأندس، شاعر الحب والجمال، شاعر العشق والهوى: ابن زيدون.
عندما تغيب –وهي في هذه الأيام غائبة متوارية على الدوام- لا أعرف طعم الكرى، ولا يغمض لي جفن.
شمس الضحى سوداءُ مظلمة عندما تبتعد هذه الفاتنة الحبيبة، فلا الصور تظهر، ولا العيون تبصر.
وعندما تكون معي آخذ أنفاساً عميقة، فيمتلئ صدري من رائق شذاها وفاتن عبيرها، وإذ ذاك أشعر أنني أملك نفسي، وأرى الضياء يحطم الحواجز ويقتحم السدود، ويتسلل إلى كياني كله فيبلغ نخاع العظام، وأحس بالنشوة والسعادة قد غمرتني وغمرت كل شيء، وعندما أفقدها أو أفتقدها. أفقدُ نفسي ويضيع مني كل شيء، أجل كل شيء.
لقد علقها القلب صبياً وفتى وشاباً ورجلاً وقبل أن يشيب وبعدما شاب، لم يتحول عنها ولم تزده الأيام إلا تعلقاً بها.
ما مجنون ليلى الذي نسي الناس أن اسمه قيس وما حبه ليلاه.
وما كثيّر وحبّه عزّة.
وما عروة وحبّه عفراء في جنب حبي لها، وغرامي وهيامي بها.
إنها السحر الحلال والعذب الزلال، وإنها وإنها.. لقد نسخت بحبي لها آية العشق من قبلي فأهل الهوى جندي، وحكمي على الكل.
أتعجبون مما أقول؟ لا غرو فحبي لها عجيب، وغرامي بها فِتيّ لا يشيب، وبيني وبينها من الأسرار ما لا يعلمه إلا الذي يعلم السر وأخفى.
لكنْ تعست الجاهلية، تعست وانتكست، إنها لا تعرفُ الرحمة، وما أهون الوأد عندها، آه كم وأد الجاهليون من جميلات من غير ذنب اقترفنه أو عيب أتينه، ولعلك تقول وهل في عصرنا جاهلية؟ نعم في عصرنا جاهلية، تتخفى في ثياب براقة خادعة ولكن هذه الثياب كثوب الرياء يشف عما دونه ولا يخفي سوآت الجاهلية الحديثة، فلا عجب أن تبدو هذه الجاهلية على حقيقتها عارية قبيحة شوهاء.
أيها الناس يا أصحاب القلوب، اسمعوا ما سأقول:
بمنطق جاهلي وحشي أصدروا حكمهم بوأد جميلتي، لقد طاردوها وبحثوا عنها في كل مكان، بحثوا في الشوارع والأزقة، في الدور والغرف، في الكتب والقراطيس، بل بحثوا عنها في المساجد والتكايا فليس في الدنيا مكان مقدس يحميها، وأعجب من هذا أنهم بحثوا عنها في همسات الشفاه، يريدون أن يعرفوا مَن يتغنى باسمها كي يُحكم عليه بمثل ما حُكم به عليها، ولقد كان قرارهم قطعياً صارماً: هي ومحبوها إلى الفناء.
وإنني أعترف أن محبيها كثر، بعدد قطر البحر وورق الشجر، ولستُ أزعم أنني المحب الوحيد لها، ومع ذلك فإنني كلما ازداد محبوها ازددتُ فرحاً وسروراً. إنها من ذلك النوع الذي تهوي إليه الأفئدة وتحبه القلوب بلا تردد وتميل إليه النفوس بلا كلفة. إنها أعجب من السحر وأقوى من الجاذبية.
ولكن مسكينةٌ هذه الحبيبة، وكذلك محبوها، لقد كثر البطش فيهم والتنكيل بهم ومع ذلك فهم على حبها مقيمون ثابتون وبها هائمون متعلقون، وعن رسمها وأطلالها لا يتحولون، وأرواحهم ترخص من أجلها، ولكم قضى دفاعاً عنها محبوها المخلصون الصادقون.
أرادوا أن ننساها بالطعام فما نسيناها، وبالثياب فما نسيناها، وبالقصور والقباب فما نسيناها.
أيتها (الحرية) أيتها الحبيبة الجميلة المظلومة أين نلقاك؟ ومتى نلقاك؟
أيتها الحبيبة الضائعة في دنيا أدعياء العروبة وأدعياء التقدم والحرية، يا أنثى ليس لها إلا الوأد في حكم الجاهلية قديمة كانت أو حديثة.
لن ننساك، لن نتخلى عنك أنت في القلوب ولتسلمي لنا أيتها الحرية أيتها الحبيبة الضائعة.
عبودية واحدة أحبها، وأسعى إليها، وأجهد لأكون في زمرة المعدودين منها، إنها العبودية التي تمنح العز، وتفيض بالحرية. أعرفتم ما هي؟ إنها عبوديتي لله تلك التي بها أنال الرفعة والسمو ولله در من قال:
ومـما زادنـي شرفاً وتيهاً دخولي تحت قولك يا عبادي |
|
وكدتُ بأخمصي أطأ وأن صيّرتَ أحمد لي نبيّا |
الثريّا
اللهم اقبلنا في عبادك الصالحين المخلصين الذين ترعاهم وتحرسهم بعينك التي لا تنام وتحميهم بركنك الذي لا يضام يا رب العالمين.