إشارات
إشارات
بقلم: نبيلة الخطيب
في كتاب الله وسنة نبيه إشارات أو إضاءات ترشدنا
إلى أسلوب التعامل مع الآخر والطريق في الدعوة، وإنها ليسيرة على من يسرها الله
عليه، وعزَم وتوكل، فعلى المسلم الداعية –والأصل أن يكون كل مسلم داعية- أن يخلص
العمل لله وحده لا شريك له، يتوجه إلى الله بكليته ولا يبتغي من غير الله جزاءً ولا
شكوراً، ولا يطلب مالاً ولا سلطاناً ولا ثناء، فكل عمل لا إخلاص فيه هو عمل مُحبَط
غير مبارك، }قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين لا شريك له وبذلك أمرت{.
يبدأ العمل مخلصاً لله وحده، ومع الوقت قد يدخل حظ النفس أو الحزب أو الجماعة أو الكتلة.. فإذا تحول العمل إلى مثل ذلك ضاقت الرؤية وانحسرت الرؤيا، وتحول إلى فرعون بثوب جديد يرفع راية "لا أريكم إلا ما أرى".
ومع الإخلاص يكون الصبر، فالطريق طويلة والمسالك وعرة والعقبات لا تحصى.. فالصبر ضياء، فإذا ما نفد فقدنا الضياء، وليس بعد الضياء إلا الظلمة والضلال والتيه.. "والصبر ضياء" "وبشر الصابرين"، إذن إنها النتيجة الحتمية و"بشّر"..
على المسلم الداعية أن لا يتعجل النتائج:
}فإما نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك{..
اعمل ولا تقل عملت، وادعُ ولا تقل دعوت، فهذه الكلمات من وسوسات الشيطان للتخذيل وتثبيط الهمم، إن "سمية" لم ترَ النتائج، ولكن صبرها وتضحيتها كانا خطوة على طريق النصر والوصول، لقد فازت بالشهادة ولها الجنة في عليين _إن شاء الله تعالى- هذه العظمة لم يكن المشركون يفهمونها، وكانوا يتعجبون منها ولا يدركونها إلا بعد إسلامهم..
المسلم الداعية يعتبر نفسه الداعية الوحيد وأنه المسؤول عن الإسلام مباشرة، وأنه وحده حامل لوائه.. لا يلتفت يمنة ويسرة ولا ينظر خلفه "كلكم على ثغرة.. فلا يؤتينّ من قبله" "وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً" وفي الحقيقة أنك لست وحدك في الميدان.. فإخوانك الذين هم معك وعلى دربك كثر من أمامك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك.. ولا يقلون عنك عملاً وجهاداً وحرصاً، وإن كنت وحدك فكن الرائد والطليعة والقدوة فالأنبياء يبعثون للدعوة فرادى.
مهما قدمت وعملت لا تستكثر عملك ولا جهدك، فإذا قلت "أكثرت" فقد أقللت، }فلا تمنن تستكثر ولربك فاصبر{ }واعبد ربك حتى يأتيك اليقين{ فما أعطاك الله أكثر،}إنا أعطيناك الكوثر{.. فكم سنعطي الإسلام من عمرنا مقابل الكم الذي حفظنا به الله من الضياع والضلالة والخرافة والجهل، وكم سيعطينا الله من حياة فيها النعيم المقيم!
المسلم يعمل ويتعلم في آن، فلا خير في علم بلا عمل ولن يعلم العلم الحقيقي إذا لم يعمل، }فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون{.. وعندما أراد الله تعالى أن يعلم نبيه موسى –عليه السلام-جعله يتحرك ويسافر ويتعب }لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً{ }ثم أتبع سبباً{ ومن عمل بلا علم ضلّ وأضل }فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك{.
إن المسلم الداعية حتى يؤثر فيمن يدعوهم يجب أن يكون موضع ثقتهم، ولا تتحصل الثقة بكمية العلم والمعلومات التي يضخها للناس، بل تتحصل بمقدار إحساسهم بصدقه، وهذا الإحساس يتولد ويزداد إذا رأوا علماً ودعوة تسير على الأرض في حركة وعمل وتطبيق "سلوك" وليس جهاز تسجيل أو كتب تزين صدر المجالس أو أرفف المكتبات، وعندما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي r قالت: "كان خلقه القرآن".
وقد وصف الصحابة الكرام بأنهم مصاحف تمشي على الأرض، أما الذين يشبهون أجهزة الكاسيت والتسجيلات الصوتية والكتب المتنقلة فقد وصفهم الله تعالى بقوله:
}كالحمار يحمل أسفاراً{ وكما قال الشاعر:
والماء فوق ظهورها محمول |
|
كالعيس في البيداء يقتلها الظما |
وقد نعى الله على الذين يقولون بأفواههم ما ليس في سلوكهم وعملهم:
}كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون{.
ولن تضيء شمعة الظلام من دون احتراق:
بالعلم منك وينفع التعليم |
|
فهناك يسمع ما تقول ويقتدي |
إنها القدوة إذن، وإن خطوة نمشيها في الشارع إلى المسجد للجماعة لتعدل محاضرة عن صلاة الجماعة. وعلى ذلك فليكن القياس والصعود. "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه".
صعب أن يسلم الإنسان لغيره قياده ويستسلم له، وفي الوقت ذاته فإنه من أيسر الأمور.. فقط شيء من الحب والإحسان والتواضع، اجعله يحس بأنك تحبه لأنك إنسان، تحب له الخير، تريد سعادته وإنقاذه، وأنك حريص عليه.. قدم له يد المساعدة قبل أن يطلب ذلك منك.. أسأل عنه.. تفقده.. فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ، أحب له ما تحب لنفسك حقيقة، عندها سيحس بذلك من داخله.. لأنها لغة الأرواح الجنود المجندة ما تعارف منها ائتلف، عندها أفرغ قطرات الشهد في أذنيه فوراً في العقل والقلب.. فإذا ملأت جراب العاطفة فستملأ حتماً جراب العقل.. وأين من ذلك حمر النعم.
وحتى تثمر دعوتك فيه أولاً وفي نفوس الآخرين، أحس في داخلك أنك أنت المحتاج لهذه الدعوة أكثر من المدعو، عندها تحرص بكل الصدق والتواضع والإخلاص أن يقبل عليك ويسمع منك، لذلك لا تأتي المدعو من الأعلى، عندئذ لن يتقبلك، أشعره أنك محتاج إليه –وهذه هي الحقيقة- ألست تريد الجنة والنعيم المقيم والراحة النفسية والسعادة، عندما تضع في يد الفقير درهماً لن يغنى بدرهمك، أنت الذي تغنى في الحقيقة فإن الدرهم يقع في يد الله قبل أن يقع في يد الفقير فيربيه الله لك كما تربي المهر، حتى يصير كالجبل.. إذن أنت المحتاج للآخر فليكن هذا إحساسك وشعورك، إن هذا الأمر يجعلك تبذل الوسع كله كي تصل دعوتك للآخرين.. إنه التواضع وإنها الحاجة وإنه النجاح.
هذه خطوات نمشيها معاً ونمضي بها.. والألف ميل تبدأ بخطوة في الاتجاه الصحيح.. }فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً، فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب{.