نعم .. أنا المسؤول عن تخلف الأمة

د.مصطفى عبد الرحمن

نعم .. أنا المسؤول عن تخلف الأمة

بقلم :د.مصطفى عبدالرحمن

في عملية المخاض الحضاري العسيرة الذي تعيشها أمتنا منذ عقود.. ودرجات التخلف المختلفة التي تثقل كاهل واقعنا المعاصر ومنذ عهود وعهود.. وتشتت طاقات الأمة وعقولها وأدمغتها هنا وهناك.. سائحة في الشرق أوفي الغرب باحثة عن ملىء فراغها العلمي وشفاء غليلها البحثي.. كنت دائماً كأي واحد فيكم أبحث عن جواب لسؤال طالما أرق جفني.. وحير لبي.. وأقلق فكري وعقلي.. وأسلمني الى فترات من التفكير العميق.. والبحث الدقيق.. والتأمل الواعي السديد.. وهو : من يا ترى يكون المسؤول عن هذا التراجع الابداعي والتخلف العلمي والتوقف البحثي؟.. أو بمعنى آخر(هذا السبات الحضاري)؟...

ولاأخفي عليكم..اني أفكر في هذا السؤال منذ أمد بعيد، وكثيراً ماكنت أصل الى نتائج القي المسؤولية بها على غيري وأستريح.. لكنني وعندما تأملت في الموضوع أكثر، وغصت في أعماقه أبعد وأعمق.. وبعد أن لازمت فيه الموضوعية بشكل أكثر علمية وعملية، وصلت الى حقائق آلمتني، اسمحوا لي أن أضع اليوم بين أيديكم بعض جوانبها:

فبعدهذا البحث الطويل والتفكير الدقيق، اكتشفت أنني أنا أول المسؤولين عن تخلف أمتنا وتراجع حضارتنا وغياب دورنا وتكريس نكستنا وتراجعنا وهزيمتنا!!!...نعم أنا ؟.. فهل سمعتم أن أحداً من أصحاء العقول يوجه التهمة لنفسه !.. فإن لم تكونوا قد سمعتم بذلك من قبل، فها أنا ذا أعترف أمامكم جميعاً بهذه التهمة وأنا والله (اذا ما خاب ظني) بكامل قواي العقلية!!!..

فبعد أن حصلت من أوروبا على شهادتي بل شهاداتي، وزدت عليهن خلال بضع سنين، كثيراً من ممارستي المهنية وخبراتي الطبية، لم أقفل عائداً الى وطني (كما كان يجب أن أفعل) كي أفيده من علمي.. وابنيه بخبرتي.. وأساهم مع أبناء جلدتي، في بنائه ورفعته وتقدمه وازدهاره ونهضته.

وعندما استقر بي الحال في أوروبا.. لم أستطع أن أستغل وجودي.. واهيء ظروفي.. وانتهز فرصي..لأرفع اسم بلدي في اكتشاف أكشفه.. أو اختراع أسجله.. أو مرجع أصنفه.. أو مكاناً راقياً بين القوم أتبوأه.. وعندما آلمني حالي هذا، وبدلاً من أن أعيد النظر في قدراتي الكامنة.. وأجدد ما بقي من عزيمتي الواهنة.. وأشحذ الباقي من همتي المتثاقلة وتتطلعاتي الراقدة، فماذا فعلت يا ترى؟.. ألقيت بعجزي على الظروف التي لم تتهيأ لي.. والفرص التي لم تسنح لمثلي.. والوظائف التي لم تمنح لمن أصله مثل أصلي، ثم ما نسيت أن أتهم القوم بالعنصرية.. والعداء لأبناء العربية.. ومحاربتهم لكل وافد من البلاد الآسيوية والأفريقية.. فقط.. منها الاسلامية!!!...

وعندما استقر بي الحال في أوروبا .. لم يستطع ذهني حتى هذه الساعة ان يتفتق عن صيغة عملية أتواصل بها مع مراكز العلم في وطني، فاطور( وبالتعاون مع أساتذتي هنا) مركزاً جديداًً للبحث العلمي، أو قسماً خاصاً لجراحة دقيقة،أواختصاص علمي  نادر،أو أن اسعى لأستقبل هنا في مراكز علمية راقية مجموعات من طلاب العلم في وطني، فتتطور قدراتهم وتصقل مهاراتهم وتتبلور خبراتهم ثم يعودون، ويعود معهم خير عميم على الوطن ومن في الوطن.

وعندما استقر بي الحال في أوروبا .. عجزت حتى الآن!.. أن أعمل من أجل قضايا أمتي بمنهجية علمية مدروسة.. ودون انجرار بعاطفة تثور ثم تخبو ثم لاتلبث أن تنطفئ وتتلاشى..نعم عجزت مرة حين لم استطيع (وكأي محام فاشل) أن أستميل القوم الى قضايا أمتي على وضاحة عدالتها، وأحقية مناصرتها.. ثم عجزت مرة أخرى أن أمارس حقي كمواطن في بلدي الجديد فأوثر في مركز القرار فيه، لصالح موطني الأول الذي فيه مسقط رأسي ومرتع صباي ومدارج شبابي وموئل ذكرياتي!..

أرأيتم؟.. ألم أقل لكم أنني المسؤول عن تخلف هذه الأمة، وتباطئ تقدمها، وتراجع دورها،وانحسار مدها، وتضاعف أعدائها.

لكن مهلاً.. وقبل أن تتفرقوا،اسمحوا لي أن أنبهكم، مع أني واثق والله من فطنتكم ونباهتكم.. أن (أنا) تعني أيضاً (أنتَ) و(أنتِ).. و(هو) و(هي).. و(هم) و(هن)..

وأذنوا لي أيضاً.. وقبل أن تبتعدوا، أن اذكركم أن (أنا) التي تعني اليوم (نحن جميعاً) كما رأيتم، ستعني غداً (ابني وابنتي).. و(ابنك وابنتك).. و(ابنه وابنته).. و.. و.. و.. فهلا فطنتم ثم فكرتم، واستيقظتم ثم عملتم، وانتبهتم فصوبتم ،وخططم فنفذتم؟...