عوامل انتصار المؤمنين على الأعداء الكافرين
عوامل انتصار المؤمنين على الأعداء الكافرين
د . فواز القاسم |
قال تعالى في كتابه المبين : بسم الله الرحمن الرحيم (( يا أيها الذين آمنوا ، إذا لقيتم فئةً فاثبتوا ، واذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون ، وأطيعوا الله ورسوله ، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ، واصبروا إن الله مع الصابرين ، ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدُّون عن سبيل الله ، والله بما يعملون محيط ، وإذ زيَّن لهم الشيطان أعمالهم ، وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس ، وإني جارٌ لكم ، فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه ، وقال : إني بريء منكم ، إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله ، والله شديد العقاب )) الأنفال ( 45 _ 47 ). صدق الله العظيم
بالرغم من أن هذه الآيات الكريمات ، كانت قد نزلت بحق النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه الكرام ، من أهل بدر ، رضوان الله عليهم ، يوم واجهوا المشركين ، وعلى رأسهم أبي جهل مكة ، في العام الثاني للهجرة النبويّة الشريفة ، إلا أن مضمونها ينطبق على كلِّ مواجهة بين جمع الإيمان ، وجمع الشيطان ، في أي زمان وأي مكان ، كما هو حاصل اليوم ، في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان ، وغيرها من البلاد العربية والإسلامية ...
فعوامل انتصار المؤمنين على أعدائهم الكافرين في كل آن وكل حين هي : الثبات عند لقاء الأعداء ، والتوجّه إلى الله بالذكر الكثير والدعاء ، والطاعة لله ولرسوله ، ووحدة الصف المؤمن ، ووحدة الكلمة والموقف ، وتجنّب النزاع والفرقة والشرذمة ، والصبر الجميل على تكاليف المواجهة ، والحذر من البطر والرياء والبغي والعدوان ...
فأما الثبات ، فهو أولى الخطوات الموصلة إلى النصر ، وأثبت الفريقين في المعركة هو أغلبهما ، فإذا ما عانى المسلمون في المنازلة من أي جرح أو ألم ، فليعلموا جيداً ، بأن أعداءهم أيضاً يعانون كما يعانون ، ويألمون كما يألمون ، ولكنَّ المسلمين يرجون من الله ما لا يرجون .
قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : (( إن يمسسكم قرْحٌ فقد مسَّ القومَ قرحٌ مثلُه ، وتلك الأيام نداولها بين النّاس ، ولِيَعلمَ اللهُ الذين آمنوا ، ويتَّخذ منكم شهداء ، والله لا يحبُّ الظالمين )) آل عمران ( 140)
وقال أيضاً : بسم الله الرحمن الرحيم (( ولا تهنوا في ابتغاء القوم ، إن تكونوا تألمون ، فإنهم يألمون كما تألمون ، وترجون من الله ما لا يرجون ، وكان الله عليماً حكيماً )) النساء ( 104 )
وأما ذكرُ الله كثيراً عند لقاء الأعداء ، والتوجّه إليه سبحانه بالدّعاء ، فهو التوجيه الدائم لأهل الإيمان ، كما أنه التعليم المطّرد ، الذي استقرَّ في قلوب العصبة المؤمنة على مرِّ الأزمان ..
فمما حكاه القرآن العظيم ، من قول سحَرة فرعون ، عندما استسلمت قلوبهم لله ، وهم يواجهون فرعون وجنوده من أهل الطغيان : بسم الله الرحمن الرحيم (( وما تنقم منّا إلا أن آمنّا بآيات ربنا لما جاءتنا ، ربَّنا أفرغ علينا صبراً ، وتوفَّنا مسلمين )) الأعراف ( 126 )
ومما حكاه كذلك عن الفئة القليلة المؤمنة من بني إسرائيل ، وهي تواجه جالوت الطاغية ، وجنوده المتجبّرين: بسم الله الرحمن الرحيم (( ولمّا برزوا لجالوت وجنوده ، قالوا : ربَّنا أفرغ علينا صبراً ، وثبِّت أقدامنا ، وانصرنا على القوم الكافرين ، فهزموهم بإذن الله )) البقرة ( 250 ) .
وهكذا ، فقد استقرَّ هذا التوجيه الرائع في نفوس العصبة المؤمنة ، حيثما واجهت من أعدائها الظلم والطغيان، ولقد حكى القرآن كذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يوم أصابهم القرح والجرح في ملحمة أحُد الخالدة ، فلمّا دُعُوا لملاقاة الأعداء ثانية ، خرجوا وجراحاتهم تنزف ، فسجَّل لهم القرآن العظيم هذا الموقف الخالد ، بآيات تتلى إلى يوم القيامة : بسم الله الرحمن الرحيم (( الذين قال لهم الناسُ ، إنَّ الناسَ قد جمعوا لكم فاخشَوْهم ، فزادهم إيماناً ، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ، لم يمسسهم سوء ، واتَّبعوا رضوان الله ، والله ذو فضلٍ عظيم )) آل عمران ( 174) .
وأما طاعة الله ورسوله ، فتتمثَّلُ في التمسك الكامل بكتاب الله ، والسير المطلق على منهج رسول الله (ص)، فهما حبل الله المتين ، وعروته الوثقى ، اللتان لا يستمسك بهما إلا مفلح ، ولا يزيغ عنهما إلا هالك ...
وأما الصبر فهو الصفة التي لا بدَّ منها لكسب أية معركة ، إن في ميدان الضمير والوجدان ، أو في ميدان النزال والطعان ، قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (( واصبروا ، إن الله مع الصابرين )) الأنفال (46).
ثم ، لنقف قليلاً عند هذا التوجيه القرآني المبدع : بسم الله الرحمن الرحيم (( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ، ويصدّون عن سبيل الله ، والله بما يعملون محيط ، وإذ زيَّن لهم الشيطان أعمالهم، وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس ، وإني جارٌ لكم ، فلما تراءت الفئتان ، نكص على عقبيه ، وقال إني بريء منكم ، إني أرى ما لا ترون ، إني أخاف الله ، والله شديد العقاب )) صدق الله العظيم .
فبالرغم من أن المقصودين بهذه الآيات ، إنما هم المشركون ، وعلى رأسهم طاغوت مكة ، أبي جهل ، إلا أن مدلول هذه الآيات ومعانيها ، ينطبق تماماً على طاغوت هذا العصر ، أمريكا وأعوانها وأذنابها ..
ولقد كان البطر والرياء والصدّ عن سبيل الله ، سمة كلا الموقفين الظالمين أيضاً :
موقف أبي جهل مكة ، الذي أصرَّ على المواجهة مع المسلمين في بدر ، بالرغم من انتفاء أسباب ومسوّغات تلك المواجهة ، فلقد أجمع كتّاب السيرة المطهّرة ، على أن أبا سفيان _ وهو يومها المسؤول عن عير قريش_ كان قد أرسل إلى أبي جهل _ وهو يومها قائد الجمع الكافر _ يطلب منه الرجوع إلى مكة ، بعد أن تمكّن هو من إنقاذ القافلة ، التي خرج المسلمون لملاقاتها ، وبذلك تكون قد انتفت الحاجة الفعلية للقتال .
إلا أن أبا جهل استمرَّ في عناده ، ولجَّ في غطرسته ، وأصرَّ على المواجهة ، قائلاً : ( والله لا نرجع ، حتى نرد بدراً ، فنقيمَ فيها ثلاثاً ، ننحر الجُزُر ، ونطعم الطعام ، ونشرب الخمر ، وتعزف علينا القيان ، فلا تزال العرب تهابنا وترهبنا أبداً ) .!!!
ومن الجدير ذكره أيضاً ، أن الشيطان كان قد زيّن لهذا المتغطرس فعلته القبيحة هذه ، وهذا ثابت بنصِّ القرآن الكريم ، إذ قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (( وإذ زيَّن لهم الشيطان أعمالهم ، وقال : لا غالب لكم اليوم من الناس ، وإني جارٌ لكم )) .!!
قال المفسِّرون : إن الشيطان ، كان قد تمثَّل للمشركين ، في صورة سراقة بن مالك ، وهو من سادات بني مدلج ، وقال لهم كما حكى القرآن الكريم : (( لا غالب لكم اليوم من الناس ، وإني جار لكم )) ...!
فلما احتدم القتال ، ونزل جبريل (ع) على رأس ألف من الملائكة ، يدافعون عن المسلمين ، تولى الشيطان هارباً ، وجعل يقول لأتباعه ، كما حكى القرآن أيضاً : (( إني أرى ، ما لا ترون ، إني أخاف الله ، والله شديد العقاب )) .
فلما علم أبو سفيان بكل ذلك ، قال : ( واقوماه .!!! هذا عمل عمرو بن هشام _ ويعني أبا جهل _ كره أن يرجع لأنه ترأس الناس فبغى ، والبغي منقصة وشؤم ، والله ، إن أصاب محمّد النفير ذللنا ).
ولقد صدقت نبوءة أبي سفيان ، حيث سحق الرسول القائد ، ومن معه من جنود الرحمن _ البشرية والملائكية_ جنودَ الشيطان ، فقصم ظهر الشرك ، ودقَّ عظمه ، وقتل سبعين من صناديدهم ، وعلى رأسهم الطاغية أبو جهل نفسه ، وأسر منهم مثل ذلك ، في واحدة من أروع ملاحم الإسلام ، حتى سمّاها الله بما سمّى به القرآن العظيم ( فرقاناً ) ، فقال : بسم الله الرحمن الرحيم (( يوم الفرقان ، يوم التقى الجمعان )) .
ثم أعاد أبو جهل هذا القرن ، المجرم بوش ، نفس اللعبة الغبيّة ، فجاءنا معتدياً من وراء المحيطات ، قاطعاً هو وجنده آلاف الكيلومترات ، يزيّن له شيطانه الصهيونيُّ الحاقد فعلته الخسيسة ليعتدي على العراق والأمة، بدون أي وجه حق ، أو شرعة قانون ، اللهمَّ ، إلا قانون القوّة المتغطرسة ، وشرعة الكاوبوي ورعاة البقر.!
ولكنَّ الله كان لهم بالمرصاد (( والله من ورائهم محط )) .
وكما دحر جنودُ الرحمن ، من أصحاب الرسول القائد ، صلى الله عليه وسلم ، أبا جهل مكّة ، ومرَّغوا أنفه بالتراب .!!
كذلك فقد انتخى العراقيون الأماجد ، ومعهم كل الشرفاء من أمتنا ، أحفاد أولئك المجاهدين الأبرار ، في أروع وأسرع مقاومة عرفها التاريخ ، ليدحروا أبا جهل هذا العصر ( بوش الأرعن ) ويردُّوا كيد الأمريكان المجرمين المتغطرسين في نحورهم ، ويشرقوا الصهاينة الحاقدين بلعابهم ، ويثلجوا صدور قومٍ مؤمنين .
وما اليوم الذي تتهاوى فيه الطاغوتية الأمريكية الظالمة ، وربيبتها الصهيونية الغادرة ، ويندحر احتلالهم الظالم لبلادنا ببعيد ...
بسم الله الرحمن الرحيم (( يسألونك متى هو .!؟ قل : عسى أن يكون قريباً )) صدق الله العظيم .