نسبة وتناسب
نسبة وتناسب
د: عثمان قدري المكانسي
حين وقع ناظري أول مرة على البيت الشعري
لا تغرّنّك الأشكال والصوَرُ تسعة أعشار من ترى بقرُ
قلت سامح الله شاعرنا هذا، لفد وصل إلى حدٍّ من التشاؤم كبير. أيقول ما قاله لتصرف شائن من اثنين أو ثلاثة ، أوبعدد أصابع اليد ممن لا يحفظون ودا ، ولا يرعون ذمة ؟!
ومرّت الأيام والسنون، وكبرت السن ، وازددت بالناس معرفة ، منهم الصالحون وكثير منهم الطالحون، وقرأت قول الله تعالى " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله " فقلت : إن من عناهم الشاعر قد يكونون أكثرية مطلقة ، ولن يصلوا إلى النسبة التي قررها.
ثم تتابعت المحن على الأمة من أعدائها في الخارج – وهؤلاء أعداء ظاهرون – لا يرون إلا مصالحهم ، ولو على حساب الإنسان ، وقد يمالئهم من يخشاهم من أتباعهم في الخارج كذلك، فيكون لهم من قصعتنا الثريدية بقايا ينثرها أكابر مجرميهم، فيُرضون السادة الكبار ، وينالون على حقارتهم شيئا يناسبهم. وهؤلاء يزيدون النسبة البقرية الهائمة فيما ارتآه الشاعر ....
ثم ترى بعض من يحسبون على الأمة أعدى لأمتهم من العدو نفسه؟! فهذا أمر عجيب ..! لا لا ليس عجيبا فالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يقول عنهم: " دعاة على أبواب جهنم،من أجابهم إليها قذفوه فيها" قالوا : يا رسول الله صفهم لنا. قال: " هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا." وهؤلاء خطرهم أشد ، وإيذاؤهم آلم ، لأنهم عدو داخلي ينخر في جسم الأمة كما ينخر السوس.
وجلت ببصري وبصيرتي في أرجاء أمتنا الإسلامية لأراهم هنا وهناك ، وهم كثيرون كثيرون ...
وهناك من يقع الظلم عليه ولا يحس به ، وبعضهم يرزح تحته ولا ينبس ببنت شفة ، ومنهم من يكويه الظلم ثم تراه يبررلظالميه ظلمهم .! قلت : رحم الله الشاعر ، قد كان متفائلا جدا. لقد كانت النسبة التي وصل إليها أقل مما هي على أرض الواقع.