عولمة التشريع ومأساوية الواقع

د. محمد جمال حشمت

عولمة التشريع ومأساوية الواقع !

ذلك كان الاتهام الأول الذي اتهمت به الحكومة المصرية في أولى جلسات مجلس الشعب المصري في دوره التشريعي الثامن الذي بدأ عام 2000م  حيث بدأت تتوافد إلى المجلس قوانين مثل الجات وقانون العمل الموحد وغيرهما من القوانين التي كان شباب الفكر الجديد المترف يظن أن نقل مصر إلى مصاف العالم الغربي المتقدم يتحقق بأخذ القوانين التي تحكمهم لتحكمنا وبس خلاص !! ولم يراع هؤلاء الذين لم يعانوا يوما ما من الفقر والحاجة والظم والحصار أن حياة المصريين تحتاج أولا حماية من التعسف الذي يمارس ضدهم ! والى رصيد من الاحترام لدى حكومته نحوه كما يحتاج إلى الاعتراف بحقه في حياة كريمة تمنحه الحد الأدنى من المعيشة الكريمة وبعدها تأتى قوانين المحافظة على هذه الحقوق قبل القوانين التي تجعله أسيرا للقوى الأكبر في هذا العالم والتي تمنحه بعض الحقوق التي تعتبر ترفا لمن يحيا حياته البائسة !! تعجبت من الإصرار على الجودة وأنت تستورد كل شئ ! لقد فتح العالم المتقدم البلاد المتخلفة مثلنا باتفاقية الجات أمام منتجاته وتقدمه التكنولوجي الهائل بينما أغلق أسواق بلاده أمام منتجاتنا تحت شعار قانون الجودة والاعتماد !! هي إذن حرب شكلها المعلن التقدم العلمي وتطوير الذات والاهتمام بالبحث العلمي وتنظيم الحياة وفق قواعد تتسع لمن يحتفظ بكرامته وحقوقه كاملة في مأكل نظيف وسكن مريح وعلاج آمن!  لكنها لا تنفع ولا تشفع للجائع الخائف المرتبك الذي يقضى جل حياته فى البحث عن لقمة العيش أو كرامته ! والعجيب أن النظام المصري صاحب الفكر الجديد لا يفكر في تحويل حياة المصريين إلى حياة آمنة مستقرة تنطلق منها كل أفكار التطوير والإبداع بعد أن استوفت حقوقها الأساسية ! فكيف في غياب هذا الحد الأدنى الذي ذكر به المولى عز وجل في قوله تعالى " الذي أطعمهم من جوع وأمنهم في خوف " يمكن إدارة الجودة وتنفيذ قوانين المجتمعات الغربية بنصوصها المترجمة في مقابل حياة واقعية لا تتوافق ولا تتناسب مع مجتمعاتنا العربية الإسلامية التي تعانى من حكام مستبدين لا ينظرون إلا لمصالحهم الخاصة ! وسيبقى الانفصال بين الواقع والتشريع مستمرا طالما بقى هذا النظام بنفس الوجوه وذات السياسات و لا حول ولاقوه إلا بالله العلى العظيم .