حين جاء العيد
حين جاء العيد
مريم كمال المكانسي
قبيل العيد ببضعة أيام ........كانت عائلتي أنا (أبو عاصم) منهمكة في العمل بسبب قدوم العيد ...فزوجتي وابنتي (سلا) يقومون بإعداد (كعك العيد) وتنظيف البيت وأنا وابناي عاصم وسليم كنا نتجول في السوق لشراء ما نحتاجه من ثياب وحلوى للعيد وبعد انتهائنا من شراء كل ذلك والحمد لله كنت أنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر فأنا منهمك وتعب ....وصلنا إلى البيت بسلام ، دخلت وكنت أدعو الله
أن تكون زوجتي قد أنهت ترتيب غرفة نومنا حتى أرتمي مستلقياً على فراشي .وقد حقق الله لي مرادي وقد كانت زوجتي في غرفة المخزن تنظفها فحمدت الله أكثر حتى لا ترهق سمعي بصوتها وأخيراً ارتخى جسدي ...
* (بصوت مرتفع) يا أبا عاصم ... أبا عاصم .
· شهقت وقلت بصوت خافت يا الله .. إنا لله و إنا إليه راجعون وبصوت عال ماذا تريدين يا امرأة ؟
* أقبل إلى هنا ... أسرع... ما بالك لم تأت بعد ؟:
· بتضجر ماذا ... ماذا...(عندما وصلت قلت بعصبية) ماذا تريدين يا امرأة ؟
* قل لي هل أنت محتار ماذا سترتدي في العيد ؟
(حركت جسدي محاولاً إبعاد هذه العصبية وقلت متضجراً) أف ألهذا ناديتني؟... ما هذا السخف؟ . وتزيدين من سخفك علي عندما أكون متعباً ما هذا
* (بغضب) سخف؟!وجدت لك ثياباً وكنت أريدك أن تراها لترتديها ... هذا سخف ؟!
(ممسكاً بالثياب) أجل سخف .. ما هذا؟! بنطلون وقميص ومعطف؟ منذ متى أرتدي هذه الثياب.. ثم يا فهيمة .أنت
تعلمين أني لا أرتدي أشياء كهذه ..أنا أرتدي جلابية.!
* (بنبرة حادة) أجل أجل أعلم وأعلم أيضاً أنك كنت ترتدي أشياء كهذه قبل الزواج مني وما إن تزوجتني حتى صرت
تبهدل نفسك. (متجاهلاً ما تقول متابعاً تفحصي للبذلة) مممممم..... هي جميلة.. لكن هذه ليست لي فأنا لم أرتدها من قبل...
لكن أعتقد أني رأيتها....
* طبعاً.... وإلا كيف توضع في بيتك لا بد أنك كنت ترتديها قبل الزواج لكنك لا تريد أن تعترف.........
· (مقاطعاً بغضب) لا أنا لم أرتدها.....(لكن بدا لي كأني ارتديتها فعلاً... فعدت أحدق فيها مرة أخرى بتمعن علني أتذكر شيئاً...)..... أجل صحيح ارتديتها من قبل ..(ممسكاً رأسي محاولاً التذكر) لكن متىاااا..؟
* جميــــــل.. إذن فهي لك أريدك أن ترتديها في العيد بدلاً من ارتدائك بهدلة....
· (قاطعتها قائلاً) يكفي يكفي.. أنت تعذبينني بصوتك العذب هذا ! سأرتديها..سأرتديها...الآن 0أنا ذاهب للنوم
* (بصوت مرتفع) .. أبا عاصم نم على الأرض فأنا في التو قد انتهيت من تنظيف وترتيب السرير ..
· حسناً .. سأنام على الأرض المرتفعة قليلاً عن الأرض الطبيعية ..
· (بقهر وغضب)أبا عاصم يالك من رجل ..أف ..
صوت أذان الفجر يجلجل في المدينة .. لم لا فهو أذان فجر يوم العيد
قام عاصم الابن الأكبر البالغ من العمر( 17 عاما)ً وأيقظ أخاه سليما البالغ من العمر (15 عاماً) وتوضأ وأيقظاني أنا وأمهما ثم أيقظت ابنتي الصغيرة سلا البالغة من العمر( 6 أعوام ) وألبستها ثياب العيد ..ثم وضعت زوجتي في وجهي تلك الثياب واخفت ثيابي الأخرى حتى لا أرتدي غيرها فارتديتها وذهبنا مكبرين مهللين إلى المسجد .. كان كل الرفاق والأهل سعداء ..لكنني ولأول مرة في العيد .. أحس برغبة في البكاء.. بضيق في القلب.. ولا أدري لماذا.. حاولت أن أتذكر هل حدث لي شيء في هذا اليوم أو قبل ذلك .. أحس أن شيئاً ما حدث لعزيز علي لكنني كهل بلغ من العمر( 45 عاما) لم يعد لي ما أخاف عليه أو احزن عليه ..
صافحت الجميع بحرارة وسلمت عليهم متجاهلاً الضيق ولكن دون فائدة فقد غلبني ... خرجنا بعد الصلاة للتنزه وللغداء خارج المنزل... عدنا في المساء نام الجميع من شدة التعب لكنني لم أستطع النوم لشدة الضيق الذي خيم علي ، فأحببت الخروج لأتمشى في الشوارع المجاورة وقبل أن أخرج استيقظت زوجتي وأصرت أن أرتدي البذلة فارتديتها وخرجت ، لم أكن أعلم أين أمشي أو إلى أين تأخذني قدماي .. حتى هدني التعب فرأيت كرسياً تحت شجرة زيتون في شارع نظيف مظلم لا يضيئه سوى ضوء القمر .. تطيّر عمامتي التي ألفها حول رقبتي ريح باردة فذهبت وجلست على الكرسي بعد أن تنفست الصعداء ووضعت يدي في جيوب الجاكيت كي أدفئهما .. شددت حاجبيّ عابساَ بتعجب ..(ما هذا الذي أمسكت به في جيبي ؟) ..عجيب ..أخرجته من جيبي كان عبارة عن ورقة و.. و..صورة ما هذا .. أيعقل أن تكون هذه البذلة لأحد من أقربائي ... لا أدري... لقد تهت وأنا أحاول معرفة من بالصورة .. صورة من .. هل هي صورتي عندما كنت صغيراً لا أدري .. من هذا ..وفجأة ..قلبي كاد يسقط أحسست به ارتفع وهبط ذلك ... عندما اهتديت أن هذه الصورة صورة صديقي (سليم)أبو قاسم عدت ونظرت للبذلة .. وأخيراً تذكرت لقد أهداني إياها في يوم تخرجي من جامعة (العلوم) تخصص (الفيزياء)وأهديته بذلة يوم تخرجه من جامعة العلوم تخصص (الرياضيات) .
رويداَ..رويداً بدأت أعود مع الأيام للوراء ... حين كنا في وطننا وأردت الخروج في وقت متأخر من الليل قال لي عندها خائفاً علي مخفياً خوفه وقد ألح علي بذلك غير أني رفضت
وسيم..لا تكن غبياً ادخل للبيت
بل سأذهب أرجوك افهمني يا سليم لابد من إيصال الأخبار للجماعة في حي التوكل..
(بتضجر) فرقت قلبي ..انتظرني لأذهب معك
وذهب لارتداء ملابسه ثم عاد مسرعاً إلى باب المنزل وفتحه قائلاً ..
أسرع.. أسرع بالخروج نريد أن نصل في الوقت المناسب معذرة فأنا متطفل لن أدعك تذهب من دوني .
حسنا يا متطفل انتظرني حتى البس حذائي ..
أوه ذكرتني كنت أنسى لبس حذائي كنت سأذهب حافياً
متهور تمنيت لو أنك نسيت ذلك حتى أظل طول الطريق وأنا أقهقه ضاحكاً ...
وعندما خرجنا وأغلق الباب قال :هيا بنا..
انتظر يجب أن نغير بعض الشيء في إشكالنا ..فأشكالنا أشكال إرهابيين اعطني فردة حذائك .
ماهــ،ذا؟
هذا جنون ..
(ساخراً) أعطني نصف عقلك أعطك نصف عقلي .
فكرة افتح الباب لندخل وجدتها
لا بل أنا وجدتها
حسناً افتح الآن الباب ودعنا ندخل سيشكون بنا
دخلنا مسرعين إلى الحمام أخذت أداة الحلاقة وحلقت له نصف شعره من الأعلى حتى بدى وكأنه رجل ذو صلعة فأخذ وفعل بي نفس الشيء قائلاً :
العجيب أن ما يخطر ببالي يخطر ببالك هل تسرق أفكاري؟ لا تعتقد أني سأسامحك مرة أخرى فاحذر من سرقة أفكاري
حاضر حاضر معلمي.. لكن.. لا تسرق أفكاري أنت أيضا..ً لو سمحت يعني... فأنا أكلمك باحترام..!!أحم أحم
يا ولد... عيب أنا أكبر منك استح
ولما هممنا بالخروج قال لي:
يا وسيم ..أم أنك تفضل أن أناديك أبا عاصم ؟!
أجل ناديني أبا عاصم.
حسنا يا أبا عاصم أليس من الأفضل أن تسبقني بقليل بحيث أراك وأتبعك أنا حتى إذا (لا سمح الله)( لا سمح الله)امسكوا بك أستطعت أنا .....
قاطعته متمماً ما قاله ..
تستطيع أنت أن الهروب ...يا حبيبي ...تعتقد ني غبياً ...لماذا لا تسير أنت قبلي حتى إذا (لا سمح الله) (لا سمح الله) إن أمسكوا بك أستطعت أنا...أستطعت أنا ... الهروب ...أجل أستطيع أنا الهروب .(ونظرت إليه من زاوية عيني أنتظر ردة فعله)
يا حبيبي أنت فعلا غبي كي أستطيع أنا إنقاذك ..خلصني الله من غبائك ..
وخلصني الله من غبائك وجعلنا متساويين في الغباء (يارب أمين) ...
وضحكنا وتعانقنا وكل ذلك ونحن نرتجف خوفا من هذه المخاطرة لكننا كنا مصرين على إكمال ما بدأنا به
وفي الطريق كنت أمشي من جهة وهو من الجهة الأخرى ..كان يخفي خوفه بحركاته الطفو ليه التهريجية التي ترهق القلوب ضحكاً ..ولا أدري من أين يأتي أو يستطيع استخراج حركاته الهبلاء هذه فقد كان من ضمن حركاته يضرب لي تحيات عسكرية ..فجأة ..هكذا
فما كان مني إلا أن أردها له أيضاً تحيات عسكرية .. فكلانا ونس الآخر دون أن يدري ...
وبينما كنت شارد الذهن أفكر في الطريق الصحيح المؤدي لمقر الجماعة بحي (التوكل) وهو يتبعني ... سمعت صراخه ... انتفضت فزعاً.. جاريا نحوه صارخاً (سليم) دون قصد مني فخوفي عليه جعلني لا أدرك من نكون نحن ..فوجئت به ! يقول ...مقلداً صوت طفل يبكي خوفاً..
بابا.. بابا ..لقد ضربني هذا..(مشيراً إلى عسكري رماه أرضاً فوقع) متابعاً حديثه للعسكري .. أنا لا أحبك أنت (دب – وجحش)
(في البداية بدوت كالأبله عندما رأيت سليم والعسكري خفت وفوجئت ولكم عجبت لمنظر العسكري فاتحاً فاه و
عينيه لأقصى ما يمكن ذلك مندهشاً من سليم ثم تقدم نحوه وتلمس جبينه معتقداً أنه مريض بحمى ..
فهو في البداية رأه أبو قاسم يتحرك كالمجنون ويضرب التحيات لأي ّ أحد وعندما أوقفه صار يتكلم كطفل صغير ...ماذا في الأمر ؟!! وبصراحة لا أعتب على الشرطي فأنا شخصياً تلمست جبينه في البداية لكن تداركت الأمر بعد ذلك سألني العسكري ما به ؟
أرجو أن تعذره يا سيدي فهو أبله بعض الشيء ...
وكنت خائفاً من سؤال يسألني فلا أستطيع الإجابة ...
وعندما أراد أن يسأل قاطعته متابعا...ً
منذ صغره ... يا سيدي ...
وعندما أراد التكلم قاطعته متمماً :
وهو على هذه الحال ... يا سيدي .
احمر وجهه غضباً وكاد أن ينفجر صارخاً غير أني قاطعته مرة أخرى :
مسكين ... أنا أحزن عليه ...كثيراً ...وأنت يا سيدي ؟!
وعندما عاد يريد الكلام مخفياً غضبه ..قاطعته قائلاً
عندما أراه ...بـــهــذا .......
عندها انفجر بي مقاطعاً سائلاً بغضب وبصوت مرتفع ...
يا هذا كم عمره ...وكم له....
قاطعه وأفزعني صوت سليم وصراخه بطريقه مخيفة وكأنه قام من نومه خائفاً
بابا إهئ ...إهئ ...أنا خائف ...فصرخت بالعسكري يا سيدي أنت تخيفه بصراخك هذا ..
فغضب العسكري غضباً شديداً وأمسك بي يجرني ... أه.. أه أرجو لو يا سيدي لحظه إلى أين ؟
أنا لا أصدقك يا هذا ساَخذك إلى المخفر ليتصرفوا في شأنك ...
وعندما وصلنا للمحقق حاولت بشتى الوسائل أن أفهمه أننا كنا ذاهبين لبيت أختنا وحضر هذا العسكري وحضرته أفزع أخي الأصغر الذي هو الأبله بعض الشيء أو يسميني بابا لكنه رفض ذلك ولم يخرجنا حتى دفعت له ما كنت أملك من مال 50 دولارا أه حينها أطلق سراحنا .خرجنا نهرول ونجري ونهرول علنا نصل في الوقت المناسب وبعد أن ابتعدنا عن المخفر التفت نحوي قائلاً : كان تمثيلك رائعاً
و أنت كذلك لم أكن أعلم أنك ماهر في التمثيل
وتعانقنا عناقاً كاد يقتلني غير أني لم أكن أرغب بفك هذا العناق فقد كنت فرحاً لتخلصنا من الشر وكنت أحس أن هذا الصديق سليم الذي يكبرني بـ(7 سنوات)وكأنه أبي أحس بحنانه عندما يضمني لذا ظل يضيق عليّ ضمته ويضيق حتى تركته فتركني .
وعندها أمسك بأذني قائلاً
عمي ....هل أنا ابله ؟!...
أمسكتً برأسه أضربه بإصبعي السبابة قائلا:ً
بل لا عقل لك أنا بابا يا من تكبرني (7 سنوات) يا صغيري ..وصرنا نتجادل بهذا الموضوع ويؤنس أحدنا الآخر به حتى وصلنا والحمد لله وصلنا في الوقت المناسب رغب المصاعب التي لاقيناها في الطريق .
وبعدها أن فتحنا الباب (باب المقر )ودخلنا أغلقناه كانت الفجيعة الكبرى ... صوتهم يقهقهون ضاحكين بصوت مرتفع وكأنهم كانوا ينتظرون أن نغلق الباب بفارغ الصبر حتى ينفجروا ضاحكين ... ونحن لا نعلم لماذا لكنّ (أبا قاسم) قال لهم :
ما بكم أسكرتم ؟!!...(بغضب هادئ)
اعتقد أن أحدا يدغدغهم من الخلف ...(ساخراً)
وكنا غاضبين أشد الغضب منهم وهل نحن مهرجان حتى يضحكوا منا .. أم أن منظرنا فيه ما يدعو للضحك .لدرجة أنهم يتمايلون ضحكاً ؟!!
فقال أحدهم والضحك يكاد يميتهم
(وسيم) (سليم) متى ستعقلان ؟لماذا تفعلان بنفسكما هذا ؟
لماذا حلقتما رأسيكما بهذه الطريقة ...
فقد كنا نأتيهم كل مرة بشكل مضحك أكثر من الأخر .
عندها ذبنا خجلاً من منظرنا المخجل وأخذت بيدي وصرت أضرب بكفي على صلعته وأخذ هو بدوره يضرب بكفه على صلعتي سائلاً ساخراً .مبتسما جميلة .....الصلعة هذه ... صح ؟!!..
عندها ضحكنا جميعاً حتى أنا وهو ... ثم ما لبثنا أن عدنا لهدوئنا وقال زعيم الحاضرين (هيا نبدأ العمل)
أوه يا للمصيبة تذكرنا أن كلينا يلبس( فردة ... فردة )... جرينا نحو الزاوية بهدوء وبسرعة قال هامساً:.
نسينا....
فأكملت هامساً..
أن نبدل أحذيتنا...هات هات الفردة
بسرعة بسرعة ..هيا ..سرعة سرعة تلزمنا السرعة تكفي فضيحتنا قبل قليل
الحمد لله ستتم العملية بسلام...
لكن ما أرهب قلوبنا وهزها صوت عال مخيف...(هاهاهاها) كان ضحك الجماعة
لقد كشفنا وا خجلتاه واحمر وجهنا وهذا ما زاد ضحكهم .. فضحتنا قلناها(أنا وهو) تبريداً لخجلتنا هذه .. ثم عدنا للعمل بعد أن تزودنا بالمرح قليلاً.. والذي جعلنا نصبر على هذا الإحراج أنهم شكرونا على هذا المشهد الترفيهي كما أسموه (وبصراحة لو أنهم سكتوا ولم يشكرونا لربما بكيت من شدة الإحراج) ثم عدنا بعد انتهاء العمل ولكن هذه المرة كلٌ يلبس حذاء كاملاً أما الصلعة فيا للأسف سوف تبقى وقتاً لا بأس به .
إن مهمتنا هي إيصال الأخبار من هنا وهناك إلى بقية الجماعات ولقد اكتسبت هذه الخبرة من (أبي قاسم) .
ومر (3) أشهر ولا زلنا نعمل .. لكن في هذا اليوم بالذات كان الخبر الذي كنا نحمله للجميع ... يجب إيصاله بأقصى ما يمكن للجماعات الأخرى وكالعادة كنا نتمشى بنفس الطريقة فــهذه هي الطريقة الوحــيــدة لا بعاد الشكوك عنا ... غير أن (أبا قاسم) كان يحس بفرح شديد وسعادة لا توصف لذا كان طول الطريق يغني ويرقص .
أما أنا فأحسست بخوف شديد كاد يقتل قلبي ... فلم أتحمله بهذه الحركات لذا اختلفنا اختلافا شديدا وصرخت بوجهه ...أنت لا تحس إلا بنفسك أما تراني ممسكاً قلبي يكاد يسقط أرضا .
(بالله عليك ما الذي يخيفك أنا لا أرى مبرراً لخوفك أنا في غاية السعادة، اعلم أنت جبان )
فما أحسست غير يدي تنقض على وجهه بلكمة خفيفة قوية قائلاً له ...
أصبحت رجلاً عجوزاً سخيفاً ....لا تكلمني .
وعدنا للمشي كل منا لا يرغب التحدث مع الأخر غاضباً منه فقد كنت أقول لنفسي .
ما به؟ أجن حقاً فلم يعد يحس بي كما كان من قبل ...(ولم اعد أستطيع أن أحدثه خجلاً من نفسي لأني لكمته) وبينما كنت شارد الذهن فوجئت بـ ...بلكمة قوية من يده ... نظرت إله غاضباً مخفياً حزني فنظر لي مبتسماً واضعاً يده على كتفي (وكأنه كان يحس أني لم أعد أكلمه لأني لكمته فردها ) ثم قال رددتها لك دعنا الان نتحدث كما كنا قبل قليل ...فإني أحس أني ....أني ...
أخرس لا تقلها هيا بنا
ما بك جلفا اليوم هكذا ؟
لا ..لا شيء فقط أحس أني ....أني .........
اخرس لا تقولها هيا بنا ..
وأصبحنا نمشي مقتربين نتحدث بهدوء عن الأحداث التي كانت تحدث لنا وكان كلانا يحس انه ....انه ....لا أريد نطقها
مشينا(10 دقائق) وفوجئنا بخمسين من الجنود الطغاة حولنا أمسك بي سليم قائلاً
اذهب يميناً ..ثم لف شمالاً أول لفة تراها ثم أكمل مستقيماً حتى ترى بناية عليها إشارة( صقر) ادخل بوابة المبنى إلى الطابق اخامس ثم الشقة التي هي أمامك ادخلها وخبرهم.... هيا اجر ....
لكن أنت
دعك مني يجب أن يصل الخبر في الوقت المناسب
أخذت الخبر وجريت وكانت هذه أول مرة أسرع فيها بهذه الطريقة فلم يستطع عشرة جنود اللحاق بي فقد كنت أتخفى وأسرع أما سليم فبقي في الطريق يدافع عن نفسه. وصلت باب الشقة وفتحت الباب وصرخت بسرعة
يا جماعة احذروا ظهرت خيانة بين صفوفنا لم أسمع أحداً يتكلم نظرت حولي فلم أجد غير خيالي صورة حمراء في أرض الشقة لم أدرك في بداية الأمر ما الذي حدث غير أنى صرت أرتعش وسقطت أرضاً مغشياً علي لم يوقظني سوى صراخ أحد العساكر
خذ هذا وادفنه.. أسرع أريد أن تصبح الشقة نظيفة من هذا الدم ....
تسللت بهدوء للخارج عبر النافذة وصرت أجري عائداً نحو سليم لأطمئن عليه
!!لكن الغريب أننا خرجنا في بداية شروق الشمس وعدت ولا زال نفس الوقت .....
التفت يميناً شمالاً ... رأيت جثة هامدة وحولها الدماء ...
جريت نحوه منادياً .
أبو قاسم ...قم .. انهض أبا قاسم.
ففتح عينيه قائلاً :
ما الأخبار .. طمئني ...
الأخبار !!.. أنت مصاب الآن وتحتاج للراحة ليس وقته (محاولاً حمله للمستشفى)
(صارخاً)ما الأخبار أبا عاصم؟؟...
(بهدوء حزين) لقد... لقد انتصرنا ..بل نصروا ...نصرهم الله ..هم وحدهم ..(وانفجرت باكياً
وانفجر باكياً هو أيضاً و ابتسم يقول):
آه .... رأيت شهيداً يعاتبني ...لماذا لم أقتل الخونة ... يعتقد أنى كنت أعرفهم ...لكنه معذور ..لقد تمنى لو أنه حيّ يقتلهم و استمررت أبكي رافعا ً رأسه على يدي أضمه إلى صدري، واستمر يبكي هو أيضاً حتى أغمض عينيه وفتح شفتيه مبتسماً لم أدرك ذلك إلا بعد أن تجمع حولي ذئاب البشرية حاولت انتزاع جثمانه مني فقاتلت بكل ما بقي لي من قوة حتى أمنعهم من أخذ جثمانه فأنا من سيدفنه غير أنهم انتزعوه مني بقوة وأخذوه ... لا أدري إلى أين، وأنا أخذوني إلى المعتقل ... ونحن في طريقنا للمعتقل على عربه يجرها فرس كنت أفكر بسليم هل مات حقاً ؟... هل استشهد هل ذهب تعبنا سدى؟ وبينما كنت منهمكا في الحديث أظلمت الدنيا فجأة و.. عاد الليلن حينها أدركت أني أنا وسليم خرجنا عند شروق الشمس... ورحل عند غروب الشمس ....وبقيت أنا في المعتقل أعذب مدة سنتين ثم هربت من السجن إلى خارج الوطن .......
يكفيك بكاء يا عم وسيم ...ستتعب صحتك ....
ما هذا الليل الدامس ... من أنت يا بني ؟
ما بك يا عم؟ أتيت إليك وجلست بقربك وسألتك من أنت فأخبرتني أنك (وسيم أبو عاصم)وسألتك عن صاحب الصورة فأخبرتني عن اسم (سليم أبو قاسم)وصرت تبكي منذ ذكرت اسمه ... أرجوك يا عم
يكفي دموعاً أنا خائف على صحتك ... قم .. قم معي أوصلك لمنزلك .... امسح دموعك بهذا المنديل وحاول نسيان كل ما ذكرت لي
سليم ... هكذا الليل يفعل بنا يطاردنا حتى يجعل أمنيتنا الموت ... وفي النهاية لا يختار منا غير الذي نحب، ولازال الليل يطاردني حتى هنا ليجعلني وحيداً مع الذكرى المؤلمة .... كل أحبتي رحلوا لم يبق في غربتي سوى قولي الذي أردد
مضى اللذين شغاف القلب يعشقهم من الأحبة من حولي فوا لهفي