ويستمر الحلم
د. محمد جمال طحّان
كان يتحمّل غربته وهو يلاحظ التغيّرات التي تطرأ على صوته وملامحه .. الحزن يداهمه لأسباب غامضة فيغوص في تأملات قصيّة ينتقل خلالها إلى التفكير في الكون .. في هدف الإنسان ، وفي مصيره .
ينزوي ويحزن وهو يرى أصدقاءه يسقطون من ذاكرته ، وتبهت صورهم حين تتضح قلّة الوفاء عند أول اختبار للإيثار .
ينزوي ويحزن .. ولكنّه أيضاً يحلم ..
لو أن فتاة تمسح الحزن عن جبينه لتغيّر وجه العالم وغدا مبهجاً يستحق أن يعيش فيه.
غداً يعثر على فتاة أحلامه .. يجوبان العالم معاً ، ويقاومان الفراق ... يسيران في الشوارع ويستقبلان المطر بفرح طفولي لا يعرف الوحدة أو الوحشة . كف يلامس كفاً .. وكتف يساند كتفاً .. والعيون تتعانق برهافة تجلو صدأ القلب .
العالم جميل عندما يكون إلى جانبك من تحب .. تحكي له عن أفراحك وآلامك وأمانيك.. وتتعاونان معاً على مجابهة القهر الذي قد يمارسه الآخرون وهم يلهثون خلف مكاسب مادّية فانية .
ومرت الأيام ...التقى بها فأدار ظهره للماضي مستقبلاً أياماً يملؤها الفرح الغامر..
لم يدم الفرح طويلاً ..عادت إليه أحزانه .. وعاد وحيداً يقتله الاغتراب ...
انشغلت عنه باهتماماتها ، واعتادت وجوده كالأشياء المحيطة بها ... كخزانة الملابس .. أو الكرسي .. أو النافذة، تحتاجه أحياناً .
بات وسيلة تطلب إليه اللهاث من أجل شراء حاجياتها وتأمين مطالبها . كان يحلم بفتاة يبادلها الحديث عن الهموم .. تزوّج .. صارت هي همّه .
ينزوي ويحزن .. ولكنه أيضاً يحلم ...
غداً يحمل الأبناء بعض أعبائه ويواسونه .. يستمعون إليه ويخففون أحزانه .. يمسحون جبينه المتغضّن التي خطّت الأيام فوقه آثارها فيعود الطفل بداخله وترفرف الروح .
انشغل الأبناء عنه وهم يكتمون بداخلهم إدانته لأنه سبب وجودهم المباشر في هذا العالم المتعفن ، وبالتالي ، يبقى مسؤولاً أمامهم عن تأمين كل ما يطلبون .
ينزوي ويحزن .. تُرى في العالم الآخر ، هل يجد ما يعيد إليه رونق الروح بعيداً عن عقدة الذنب التي تلاحقه للتكفير عمّا ليس له يد فيه .
ينزوي ويحزن .. ولكنّه ، أيضاً ، يحلم .