شجون وأشجان في عالم اللاإنسان

د. عبد الحق الهواس

شجون وأشجان

 في عالم اللاإنسان

د. عبد الحق الهواس

وليعذرني القارئ الكريم إن نكأت الجرح باسلوب يعاف الظلم ولا يتلذذ بالألم، ففي القلب والنفس والروح كلوم وأيّ كلوم؟..

أجل ينكأها واقع مرُّ نتجرع مرارته وأساه حدَّ الصُّبابة والثمالة عندما نرى صورة رجل الأمن العربي دراكوليةً أبعد من كل تصور ، وهو منا ابن بلدنا وربما من أقرب الناس أرومة لنا ومنهم من زاملناه على مقاعد الدراسة ، أو عايشناه أيام الطفولة ، أو رافقناه سنين الشباب قبل أن يفرِّقنا ويباعدنا أكثر من سبب .

لقد كان لي رأي لامني عليه بعض الأخوة المخلصين الذي يرون الإسلام أساس الأخوة في الله والنسب في الأرض وفي السماء ، ولم يكن قصدي ما ذهبوا إليه ، وملخص رأي هو "أنَّ العربي لا يمكن أن يكون ذا شخصية إنسانية فاعلة وقويمة إلاّ إذا كان مسلماً بحق أي يقرن الإيمان بالعمل الصالح ." واعتقادي أن للعربي ميزة في تكوينه لا يصلحه إلاّ الإسلام وكأنَّ الله سبحانه وتعالى قد خلق العربي ليكون مسلماً ؛ واستند في ذلك على التفسير التاريخي ولا أقصد التعصب من قولي أبعدنا الله جميعاً عن كلِّ أشكاله المرضية وأصلح حالنا في حبنا واعتزازنا بإسلامنا قبل أي اعتزاز آخر ، وإنما أرى في ذلك تكريماً من الخالق لحامل الرسالة والناطق بلغة القُرآن العظيم فإذا نأى عن هذا التكريم تدنى إلى أسفل سافلين .

وحتى لا نخرج عن موضوعنا أودُّ أن أضرب مثالاً حاضراً بيننا أجعله ميزان قسط لتفسير الظواهر ومن ثم سبر النفوس ..

فقبل أيام انتفض شعب جورجيا ضد رئيسه إدوارد شيفرنادزه الذي اقتسم الكعكة السوفيتية مع رفاقه الذين آثرو الانقلاب على الشيوعية أخذاً بنصيحة البرويستوريكا الغورباتشوفية ، ورغم أن هذا الرئيس قد رضع اللينينية الستالينية من نعومة كفيه ، واستهواه اللون الأحمر الفاقع بكل ما فيه ، وكان أحد منظري سياسة القمع والتعذيب وتغييب أثر الإنسان في الحياة وركوب ظهره كأدنى حيوان، ورغم أنه ساهم بشكل فعّال في نقل الأفكار والأساليب عندما كان الرجل الأول في الخارجية السوفيتية ، إلاّ أنه سجَّل بعد المشيب كلمة للتاريخ بأنه آثر الانسحاب من السلطة حتى لا يكون سبباً في إراقة دم شعب جورجيا.

وربما يقول من لا يأخذ الأمور على عواهنها بأنه كان عاجزاً أمام الضغوط الخارجية وأنه كان مكرهاً على الوطنية لا بطلاً فيها … وربما يقول آخر: إن الرجل خلع ثوب الشيوعية الفاضح ولبس ثوب الديمقراطية الخادع أو الواضح وأن السنين وتجاربها كفلت له بناء فكرياً وثقافياً وأخلاقياً شكل له منهجاً عقدياً تبناه وأخلص له .

ونقول : ربما والله أعلم بالسرائر وما تخفي الصدور ، ولكن ليس الأمر وقفاً عند الرئيس وإنما لدى رجال السلطة وفي مقدمتهم رجال الأمن ، فحين كان ينوي إلقاء كلمته أمام البرلمان اقتحم الشعب هذا البرلمان فكانت المفاجأة أنْ تنحى رجال الأمن فاسحين للمقتحمين المجال لدخول البرلمان وإعلان إسقاطهم لرئيسهم ، ولم نر هراوةً ولم نسمع لعلعة رصاص ، ولم نشاهد برك دم ، ولا أكوام جثث كما هو المشهد في بلادنا ولأمور هي دون ذلك بكثير ربما للاحتجاج على مسؤول غير مسؤول ، إذاً لماذا يرفض الجورجي سفك دم الشعب هل لأنه يدرك حقاً أنه دمه وأنه إنما يقتل نفسه ؟ ولماذا يستبيح رجل الأمن في بلدي كلَّ شيء وكأنه لا يمت له بأيِّ شيء ، هل رجل الأمن في بلدي غير واعٍ ، أظن أن الوعي وعمقه لا علاقة له بالجريمة والاستعداد لاقترافها بكل أشكالها ، هل رجل الأمن في بلدي انتهازي بحيث يعيش اللحظة ويغتنم الفرصة للاستئثار بكل شيء على حساب مآسي شعبه ويلغي من تفكيره أن أحفاده ربما سيكونون ضحية اضطهاد متوارث في يوم ما فتسيل دماؤه من خلالهم ويُدمر بساعة كل ما بناه هذا يغتنم الفرصة للاستئثار بكل شيء على حساب مآسي شعبه ويلفي من تفكيره أن أحفاده ربما سيكونون ضحية اضطهاد متوارث في يوم ما فتسيل دماؤه من خلالهم ويُدمَّر بساعة كل ما بناه.. هذا إن نسي أو تناسى عقاب الآخرة والدنيا وأنه مثل ما يدين يُدان ، وهل رجل الأمن في بلدي منافق كمنافقي فرعون أو أشد يقدّم لربه الحاكم أكثر من تضحية المجاهد لربِّ العالمين ، وعليه يجب أن نلغي الفطرة في خلقه ونجتث بذرة الخير منه لنقول إنه مصنوع آلي لا إحساس ولا مشاعر؟

أم علينا أن ندرس الإنسان العربي دراسة نقدية تأخذ بكل الآساليب النقدية التاريخية والدينية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية ، ونعرضها على علم السلطة الحديث وفنونه لنحلَّ معضلة الإجرام لدى رجل الأمن في بلدي المستباح.