صلاة التراويح

خالد البيطار

كنا ننتظرها في كل عام في رمضان، لنجتمع في المسجد بعد صلاة العشاء فنصلي عشرين ركعة ونحن في شوق ورغبة.

وكان أئمة المساجد يتنافسون في سرعة الانتهاء من الصلاة، فبعضهم يقرأ آية واحدة في كل ركعة،، والمتريث يقرأ ثلاث آيات قصار، ويسرع حتى كأنه يقـرأ

آية أو بعض آية.

وكنا كلما صلينا ركعتين جلسنا ودعونا وقرأنا الصمدية (قل هو الله أحد) ثلاث مرات، ثم قمنا أكثر نشاطاً حتى نتمم العشرين.

ثم ينقسم المصلون إلى قسمين لصلاة الوتر؛ فــ "الشافعية" يصلي إمامهم ركعتين ويسلم ثم يصلي بهم ركعة. و"الحنفية" يصلي إمامهم ثلاث ركعات متوالية كصلاة المغرب، مع القنوت ثم يسلم.

وكثيراً ما كان التشويش يحدث من الجهر بالقراءة والتكبيرات؛ فيركع هذا لتكبير ذاك، ويسجد ذاك أو يرفع من السجود لتكبير الآخر وبخاصة عندما يكون المسجد صغيراً.

وكنا مجموعة في المسجد ننصح المصلين بأن يصلوا الوتر معاً، فالصلاة تصح على أي مذهب. لكنهم يرفضون. وكنت أشكو الأمر لبعض العلماء، وكان مسموع الكلمة، وأتمنى لو يأمر الناس أن يصلوا معاً لكنه لم يفعل، وكان يقول لي: دع الناس وما هم عليه فهم في خير. وكنت أصارحه فأقول له:

- ألا يصح  أن يصلي الشافعي وراء الحنفي، والحنفي وراء الشافعي؟

فيقول: يصح وهو أحسن، لكن العادة جرت على ذلك فإذا استطعت أن تغير؛ لكن بدون خصام ولا تشويش،، فافعل.

ودار الزمان ومرت الأيام، وأصبح بعض الأئمة الشباب يصلون التراويح بقراءة متمهلة؛ في كل ركعة صفحة من القرآن، ويختمون القرآن كله في صلاة التراويح.

وغاب إمامنا في رمضان في إجازة، ورغب الناس إليّ أن أصلي بهم التراويح كل الشهر.

وكان كثير من الناس يقدرونني ويحبون الصلاة مؤتمين بي، فقبلت.

وصليت العشاء والتراويح في أول يوم، وعند صلاة الوتر قدمت لهم مقدمة وأني أرغب أن نصلي الوتر جماعة واحدة، ورغبتهم في ذلك، وبينت لهم أن الصلاة تصح بأي طريقة من الطرق التي اختارتها المذاهب، وحسنت لهم الأمر، وأعانني على ذلك بعض الشباب،، وأثنى على هذا الفعل، وسكت بعضهم على كره منه... وصلينا في المسجد جماعة واحدة واستمرت الصلاة إلى آخر رمضان على هذا المنوال.

وانطلقت إلى الشيخ أبشره بعد أيام من بداية رمضان أنني صليت بالناس جماعة واحدة، ولم يعترض علي أحد والحمد لله، فحمد الله على توفيقه وشجعني على الثبات.

وبينما أنا جالس عنده في زاوية يكاد لا يراني الداخل، جاء أحد المصلين ممن كان يصلي عندي في المسجد وأخذ يشكو للشيخ أن الإمام في المسجد والناس معه بدؤوا يصلون جماعة واحدة فماذا يصنع؟ وأخذ يقول:

- أنا شافعي لكني أجبر على الصلاة ثلاث ركعات متوالية كالحنفي... وهذا الإمام الشاب عندنا يرغمنا أن نصلي معاً فماذا نفعل؟!!

فهم الشيخ أن الخطاب شكوى علي، وأني أنا المقصود، فقال له:

- يا عم، الأصل أن يصلي كل واحد منا حسب مذهبه. والشباب في هذه الأيام يتساهلون في هذا الأمر ويصلون معاً حتى لا يكون هناك افتراق في المسجد، وتشويش من قبل بعضهم على بعض.

فقال السائل:

- يا شيخي، كل عمرنا ونحن نصلي هكذا فلا تشويش ولا افتراق... فمن أين جاء هؤلاء الشباب؟!!

وهنا نصحه الشيخ وقال له:

يا عم لقد تغيرت الحال، وكثر المصلون والحمد لله،، والاقتداء بإمام واحد فيه خير، وفيه ثواب أكبر... فادع لهؤلاء الشباب بالتوفيق والقبول وكن معهم، فهم على فقه وعلم، ولا ينبغي أن يضيق صدرك بهم طالما كانوا على تقوى ونية صالحة..

فقام الرجل وهو يقول:

- لا حول ولا قوة إلا بالله. سأدعو لهؤلاء الشباب، لكني أحب أن أصلي الوتر كما كنت أصلي.