امرأة في ظل الإسلام

عبد الله الطنطاوي

 بقلم: عبد الله الطنطاوي  

[email protected]

بعد غياب طويل أطلت علينا الكاتبة الإسلامية السيدة ابتسام الكيلاني بكتابها الروائي الموسوم بـ (امرأة في ظل الإسلام) ولعلهما امرأتان لا امرأة واحدة, هما الكاتبة -راوية الحوادث- والدكتورة زينب.... عالجت فيه قضايا المرأة التي يثـيرها أعـداء الإسـلام في الداخـل والخارج,ويرد عليهم شبهاتهم هذه مفكرو الإسلام ودعاته, حتى شغلت هذه القضايا الحساسة مجتمعات المسلمين في ديار الإسلام وسواها من بلاد الدنيا, كعمل المرأة, والطلاق, واختيار الزوج, وضرب الزوجة, ومفهوم القوامة, والمساواة, (المرأة في عطائها وإنسانيتها مساوية للرجل) والاختلاط, وتعدد الزوجات, ودافعت عن التوحد بعاطفة وعقلانية معاً, كما تحدثت عن تعدد الخليلات عند الغربيين, وقارنت بين التعددين ودعت المرأة إلى المحافظة على زوجها بشتى الوسائل والأساليب المشروعة طبعاً, وما إلى ذلك من شؤون المرأة كالغيرة والتقليد الأعمى للمرأة الغربية, نتيجة الغزو الفكري الذي تعرضت له أمتنا وما تزال تتعرض.. عالجتها الكاتبة بأسلوب بسيط ولكنه حي ينسجم وعقلية المرأة المتواضعة الثقافة.. أسلوب قصصي لطيف لا تحس فيه بثقل المباشرة, بل بالموعظة الحسنة المؤيدة بآيات الكتاب العزيز, وأحاديث الرسول القائد, والمنمنمة بنقول بديعة لكبار الكتاب الإسلاميين وغير الإسلاميين, الأمر الذي يشير إلى ثقافة الكاتبة, واطلاعها على علوم الحديث والفرائض والإرث, وفهمها السليم لهذا العلم الإسلامي الصرف, واطلاعها على علم الاجتماع وسواه من العلوم العربية والعصرية.

تحدثت الكاتبة عن تنظيم النسل, وأيدته, وشجبت تحديده, كما تحدثت عن تربية الأولاد في الإسلام تربية لائقة تؤهلهم لقيادة الأمة ( البنت سمية صائمة وهي بنت ثماني سنوات) وتحدثت عن حسن التعامل مع غير المسلمات الذي كثيراً ما يدفعهن إلى اعتناق الإسلام -كما في شخصية مريانا.. وهذا ما شاهدته ولمسته وسمعت به أثناء زيارتي لأوكرانيا وإيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا وألمانيا وسواها قبل سنوات.

وناقشت الكاتبة مشكلة السفر إلى أوربا لاستكمال الدراسة, واشترطت على المسافر أن يصحب معه زوجته, حتى لا يقع في الإثم في بلاد الفوضى الجنسية.. في الغرب المتفسخ, وناقشت دعوى أدعياء الحضارة من أن الشذوذ الجنسي بأنواعه, سببه الكبت, وغلق الأبواب, والفصل بين النساء والرجال, وأن مثل هذه الأمور لا توجد في المجتمعات المنفتحة, ثم تساءلت: إذا كان الكبت هو سبب الشذوذ كما يدعون.. فلماذا انتشر بينهم الشذوذ الجنسي بأنواعه, وهم المتحررون.. المنفتحون.. كما يزعمون? حتى صار للشواذ من الجنسين كنائس ترعى أمورهم, وتعقد لهم عقود الزواج? حتى لم يسلم من هذه الطامات شخصيات كبيرة, من وزراء وأدباء ومفكرين وفنانين.

وتحدثت عن ضرب الزوجات عند المسلمين وعند الأوروبيين, وقارنت, وخلصت إلى أن العطف هو الذي يحكم العلاقة الزوجية عند المسلمين, والظلم عند الغربيين الذين يقسون على زوجاتهم بالضرب المبرح, المتوحش, وعن شذوذ الغربيين, وتفشي الزنى والفجور بينهم, وحمل الصغيرات القاصرات نتيجة للزنى.

تحدثت عن صلة الرحم, وعن الإحسان إلى الأبوين الذي قرنه الله بعبادته في عدة سور: (البقرة - النساء - الأنعام - الإسراء).

وتحدثت عن هيبة الأب في نفوس الأبناء والبنات, ليبقى مثلهم الأعلى في هذه الحياة.

وتحدثت عن الصبر على فقد الولد, وعن الشهوات التي تفضي إلى الدمار, وعن حقيقة الجمال: "لفت نظري بساطة البيت وجماله بكل ما فيه: نظام ونظافة وجمال" وهكذا تكون بيوت المسلمات.

وعن الطغاة في حياة أمتنا وواقعنا المعيش.. وأنى لها أن تنسى ما فعلوه ويفعلونه بأبناء شعبنا, وأحرار أمتنا.. فقد اعتقلوا في روايتها هذه أخا زينب, واستشهد على أيدي الجلادين, وفي حديثها عن أسرة الشهيد بيان لما ينبغي أن ينهض به الأقرباء والأصحاب من عناية ورعاية لأسر الشهداء والمعتقلين..

في حديثها عن قضايا الحرية والسجون والمعتقلات شجن وآلام وأحزان..

وتحدثت عن الحرب الخفية والمعلنة على الإسلام, ومن مظاهرها انتشار المدارس التبشيرية الأجنبية, وإهمال مادة التربية الإسلامية والحرب الفاجرة على الحجاب, وعلى نظام الإرث في الإسلام, ودعت إلى أن يكون الإسلام منهج الحياة التي يحياها المسلمون, لأن جوهر هذا الدين, يكمن في حفاظه على نظرة متكاملة لهذا الكون, إذ يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة, وبين الدين والعلم, وبين العقل والمادة, على حد تعبير ولي عهد بريطانيا, في حديثه في مركز الدراسات الإسلامية في إكسفورد.

هذا والرواية مشحونة بالقيم الإيمانية والتربوية التي تطالعك في كل لقاء من اللقاءات أو الفصول الثمانية التي شكلت الرواية..

أما أسلوب الكاتبة فكان لطيفاً, جميلاً, مؤثراً, قريباً من النفوس, فيه وصف جميل يشير إلى تمكن الكاتبة, ولنتأمل معاً هذه اللوحة التصويرية في بداية اللقاء السادس: "قطرات المطر تضرب النافذة بشدة.. منذ لحظات كانت أشعة الشمس ظاهرة من خلال الغيوم, أما الآن فقد غطت الغيوم جوانب السماء.. واستباحت قطرات المطر الأفنية والشوارع, أما التراب فهو في شوق لها, وسيمتصها بسرعة, ويتفاعل معها.

أما الشجيرات العطشى فقد فتحت الأكف تنتظر اللقاء بشوق ولهفة كأنها إنسان اشتد به الظمأ لقطرات من الماء."

واستخدمت الكاتبة أسلوب الحوار, فأشاعت الحياة والحركة في النفس والعقل, وابتعدت بقارئها عن الملل والسأم في السرد والتقرير.

وحفلت الرواية بالآيات والأحاديث النبوية الشريفة التي كانت تستشهد بها لتبرهن على صحة ما تذهب إليه من رأي.

ولكن ثمة هنات أساءت إلى الأسلوب الجميل, أرجو أن تتداركها الكاتبة في طبعتها الثانية, من مثل: (التقيت بها: التقيتها - نفس تطلعاتها: تطلعاتها نفسها - خاصة وأن: خاصة أن - تستحي: تستحيي - يُعيب: يَعيب - ومن الكتب التي ذكرها, كتاباً: كتاب - تخرجت من كلية الهندسة: تخرجت في - في كافة المجالات: في المجالات كافة - استخدام (حيث) للتعليل, وهي ظرفية لا تأتي للتعليل, ويحل محلها (إذ)..

وشخصيات الرواية غير واضحة الملامح والسمات بأبعادها الجسدية والنفسية والاجتماعية, فجاءت مسطحة.. زينب طيبة, وكذلك زوجها, وأولاده: محمود: طبيب مسلم متزوج من إيطالية أسلمت.. إسراء: (رياضيات) طارق: (كمبيوتر)..

وقد كانت الكاتبة وزينب شخصيتين متكاملتين; فقد كانت الكاتبة التي استخدمت ضمير المتكلم شريكة لصاحبتها زينب في كثير من الأفكار والتطلعات..

ابتسام الكياني التي قدمت هذا الكتاب/ الرواية, لا بد أن يكون في خزانتها أخوات لهذه الرواية, نرجو أن نطالعها مع بناتنا المسلمات الطاهرات العفيفات اللواتي يتطلعن إلى مثل هذا العمل الإبداعي الملتزم البعيد عن صرعات العصر والأدب (الحداثي) الغارق في التفاهات والآثام, بناتنا المؤمنات اللواتي لم يتلوث فكرهن ولا عاداتهن بالفكر الغربي, والتقليد الأعمى للحياة الزائفة التي تحياها الغربيات كما تظهرهن السينما الغربية والعربية معاً, وهن مسكينات يعلو أنينهن في الغرب, يسمعه الأحرار في الشرق, وهنّ يعانين ما يعانين من ضروب الاضطهاد والشقاء, فلا تنخدعن -يا فتياتنا بالمظاهر البراقة الخداعة على الشاشات الكبيرة والصغيرة, فهي محض افتراء على الحقيقة والواقع; فالمرأة الغربية في كثير من حالاتها، مجرد سلعة رخيصة.. فاكهة.. لعبة يلعب بها ثم ترمى.. هكذا يعاملها الذكور فاقدو الإحساس بالرجولة بمعناها الإنساني العميق.. لا الحيواني الصفيق.