المتدينون وترويج الخصوم

د. مأمون فريز جرار

[email protected]

ليس أحب إلى الخصم من أن يروج له خصمه أفكاره ويقدمها للناس نيابة عنه، لأنه في هذه الحالة يقوم بدعاية مجانية له، وهذا ما دأب كثير من المتدينين على القيام به تجاه أفكار كثير من خصومهم بدءا من موقفهم من كتاب الشعر الجاهلي لطه حسين ومرورا بكل الخصوم، ولعل من أشهرهم سيئ الذكر سلمان رشدي الذي تحول إلى كاتب شهير ونال من العناية الدولية ما لا يستحق وصارت كتبه من الكتب الرائجة عالميا، وقل مثل ذلك في قائمة طويلة ممن اتخذوا الطعن في الدين والتطاول على رموزه وسيلة إلى الشهرة مما جعل كتبهم مطلوبة مرغوبة، مع أنها لو تم التعتيم عليها وتجاهلها وأهملت، لأكلتها الرطوبة في المستودعات، ولعنا نستذكر هنا رواية وليمة لأعشاب البحر مثالا على ذلك حيث إن الروايات من الكتب غير الرائجة عموما إلا أن تكون ذات خصوصية.

ومن امثلة ترويج الخصوم ما تجده على الإنترنت من رسائل تعجب كيف يتداولها (الطيبون) من المتدينين من باب الحمية، ولو تنبهوا لوجدوا أن من الأفضل وأد مثل تلك الرسائل، وأذكر منها تلك الصور القبيحة لجندي أمريكي يهين القرآن الكريم في صور متعددة، فهل القصد إثارة الحمية الدينية والكره تجاه الاحتلال الأمريكي للعراق؟ إن كان ذلك فلا بأس، ولكن هناك وسائل أخرى.

وردتني رسالة إلكترونية من مدة ملخصها أن أحد السفهاء من الرسامين الغربيين رسم صورا مسيئة للإسلام وحاول نشرها في بعض الصحف والمجلات الغربية لكنه لم يجد الأبواب مفتوحة فجاءته مشورة خبيث شرقي مهاجر إلى ديار الغرب أن خير وسيلة لنشرها هي المواقع الإسلامية باستغلال سذاجة بعض المتدينين، وكل ما عليه أن يعمله كتابة رسالة تثير حمية المتدينين يقول فيها: انظروا ماذا فعل هذا الرسام المجرم وماذا رسم، ففعل ذلك وانتشرت صوره في كثير من المواقع وحملها المتدينون نيابة عنه.

أقول هذا بعد أن وجدت صدى ندوة عقدت حول اتفاقية (السيداو) ووجدت من بعض المتدينات حماسة للحديث عنها بصورة مفصلة لبيان أخطارها على المجتمع ووجدت أن السعي في هذا الاتجاه سيكون على طريقة: (اللي ما دري يدري واللي ما عرف يعرف)

هل معنى كلامي ألا نقاوم الباطل؟ وجوابي البديهي: لا، ولكن علينا أن نحسن التصدي له بالوسائل التي تكبته ولا تروج له، فنواجه البحث (العلمي) ببحث مضاد لا بحملة إعلامية ترويجية، ونواجه الأمور المصيرية والخطيرة بالاتصال مع صانعي القرار الذين بيدهم الحل والعقد ونسعى إلى إقناعهم بالحق الذي نرى دون ان نعمل على تحقيق مآرب الخصوم من خلال النية الطيبة التي تبلغ السذاجة أحيانا، والأمر بحاجة إلى حكمة وحنكة ووضوح رؤية في التصدي لأفكار الخصوم لا إلى انفعال يحقق غاياتهم