أُسْطُورَةُ طُفُولَةٍ

محمد سمير صبحي أبو دلو

[email protected]

 

فِي زَهْرِالطُّفُولَةِ ..

كُنْتُ فِي رَغَدِ البَرَاءَةِ وَشَذَى الإِبْتِسَامَةِ ..

وَكَانَ لَا مَنَاصَ لطِيبِهِمَا مِنَ الفَوْحِ ..

فَفَاحَا فِي نَجْدَيْنِ عُلْوِيَّيْنِ صَعَدَا عَلَى عَتَبَاتِ العَلْيَاءِ ..

وَاخَتَرَقَا خَيْمَةَ الزَّرْقَاءِ بِسِهَام ٍكَسُرْعَةٍ البُّرَاقِ..

مُرَفْرَفَةٍ بِجَنَاحَيْ القِطَامِ(1) الوَقَّادِ بِوَهْجِ الشِّهَابِ ..

فَأَضْحَتْ كَهَمَالِيلِ الثِّيَابِ(2) المُرَقَّعِ بِنُورِ المُوَشَّحَاتِ ..

فَأَنَارَتْ مِنَ الكَوَاكِبِ مَا أَنَارَتْ ..

وَزَيَّنَتْ مِنَ الحَالِكَاتِ مَا زَيَّنَتْ ..

إلَّا أَنِّي حِينَهَا ...

كُنْتُ لُا أُعْلُمُ مِنْ كُنْهِ الحَيَاةِ(3) إلَّا شَمْسَاً وَ قَمَرَاً ..

أَرَاهُمَا سَنَابِلَ بَرَّاقَةً كَعَنَاقِيدٍ لُؤْلُؤِيَّةٍ مُرَصَّعَةٍ عَلَى رَيَّاشِ(4) الزَّمَانِ ...

يَنْسَدِلُ مِنْهَا خُيُوطٌ إِشْعَاعِيةٌ نَفَّاثِيَّةٌ ..

تُنِيرُ كُلَّ قَلْبٍ مُسْتَطِيرٍ قَدْ تَجَرَّعَ كَأْسَاً مِنْ الغِنَاطِ(5) المَرِيرِ ...

وَعَلَى طَرِيقِ الوَمِيضِ مَا يُذْهِلُ الأَلْبَابَ وَيُبْهِرُ النُّهَى...

أَلَّا وَهُوَ قَصْرٌ مِنْ غَيَاهِبِ الْأَلْوَانِ ..

مَرْفُوعٌ عَلَى أَعْمِدَةِ النُّجُومِ ...

بَيْنَ أَنْسِجَةِ جُدْرَانِهِ شَرَايِينٌ أَلْمَاسِيَّةٌ..

يَجْرِي فِي زُقَاقِهَا نَامُورٌ(6) وَرْدِي ٌ مُتَدَفِّقٌ مِنْ شَلَّالَاتِ القَلْبِ النَّبِيضِ ...

فَكَانَتْ طُفُولَتِي .. لَهَا مِنَ الفِطْنَةِ صِرَاطٌ ..

فَتَرْجَمْتُ مَا يَلْحَظُهُ طَرْفِى ...

مِنْ أَطْيَافِ الأَلْوَانِ ...

وَمَزِيجِ الْجَمَالِ البَدِيعِ ..

حِكْمَةَ الأَرْضِ ...

أّنَّ كُلَّ مَا تَدَهَّمَتْ(7) مِنْ أَيَّامٍ ...

ومَا تَغَدَّفَتْ(7) مِنْ شُهُورٍ ...

وَمَا تَدَلَّمَتْ(7) مِنْ سِنِين ..

فَإِنَّ الدُّنْيَا بِمَخَالِبِهَا السِّحْرِيَّةِ ..

تَنْثُرُعَلَى أَبْنَائِهَا ذَرَّاتُ نَسِيمٍ جِرْيَالِيَّةٍ ..

فَتَفْتَحُ سَاجُولَ(8) السَّمَاءِ .

وَيَتَآخَى السَّحَابُ أَخَوَيْنِ أَخَوَيْنِ .. فَتَتَلَبَّدُ غُيُومَاً ..

فَتَسْكُبُ بِتَجَاوِيدِهَا(9) عَلَى كُلِّ دَهِيمٍ وَغَدِيفٍ تَلْعَبُ رِئَتَاهُ بِشَأْوي النَّفَسِ ، مَاءَ السَّعَادَةِ

فَيَسْعَدُ لَهَا نَاشِيَاً وَ لِعَذْبِهَا يَغْدُو صَادِيَاً ...

حَقَّاً ..

كُنْتُ لًا أَعْلَمُ أَنَّ لِلْطُّفُولَةِ أَسْرَارَاً ..

وَلَعَلِّ هُنَا أَبْدَأُ بِقَذْفِ أَسْرَارٍ مِنْ أَسْرَارِ طُفُولَتِي بِمَخَاذِفِ الحُرُوفِ ..

مِنْ مَيْدَانِ الخَاطِرِ إِلَى عَرَصَات الوَرَقِ الوَرِقِ ...

فَتُشْعِلُ سَقَرَاً مَا بَيْنَ السُّطُورِ مِنْ يَحْمُومِ جَمْرِهَا .. وَ زَمْجَرَةِ نَارِهَا ...

فَتَتَبَاعَدُ الْمَسَافَاتُ وَتَتَخَلَّلُهَا الْمَتَاهَاتُ ... وَتَنْهَمِرُ الأَسْرَارُ كَسَحْسَاحِ مَطَرٍ عَلَى غَبْرَاءِ الْصَفَحَاتِ ...

وَمَا هَطَلَ عَلَى الْصَفَحَاتِ من أَسْرَارٍ... قَدْ قَرْمَدَ(10) سُطُورَهَا ..

أَنَّني عِنْدَمَا كُنْتُ فِي رَيْعَانِ الْطُّفُولَةِ .. وَ رَيْحَانِ الْعُمْرِ ..

هَمِّي لُعْبَتِي ...

وَزِينَتِي دَمْعَتِي في تَسَبْسُبِها وَسَيْرِهَا عَلَى بِسَاطِ الْخَدِّ ..

وَكَانَتْ قَبُلًاتِي لِأَبِي وَ أُمِّي رَأْسُ سَنَامِ يَوْمِي ..

فَأَتَهَلَّلُ مُسْتَبْشِرَاً كَضُحَى الشَّمْسِ عِنْدَمَا أُرْسِلُ بَرْقِيَّاتٍ مِنْ قُبُلَاتٍ هَوَائِيَّةٍ

مُنْطَلِقَةٍ مِنْ رَاحَةِ يَدِي وَ أَنَا رَافِعٌ للرَّأْسِ .. بَاسِمٌ للثَّغْرِ ..

أَحْبَبْتُ الصَّبَاحَ فِي بُكُورِهِ ..

وَعَشِقْتُ صَبُوحَهُ وَ أَنَا مُتَرَنِّمَاً مَعْ شَقْشَقَةِ عَصَافِيرِهِ وَ تَغَارِيدِ كَرَوَانِهِ ...

وَأَحْبَبْتُ المَسَاءَ فِي بِدَايَات ِغَسَقِهِ ... وقَمَرِهِ فِي الدَّيَاجِي ...

فَكَثِيرَاً فِي مُسَلْسَلَاتِ الأَحْلَامِ .. مَا كَانَ يَدُورُ بَيْنِي وَ بَيْنَ القَمَرِ ... أَحَادِيثُ السَّمَرِ ...

وَأَنَا رَاقِدُ الأَطْرَافِ عَلَى مَصْفُوفِ النَّمَارِقِ أوْ مُتَرَبِّعَأً عَلَى مَبْثُوثِ الزَّرَابِي(11) فِي أَوْقَاتِ السَّحَرِ ..

فَيَشْحَنُ أًقْطًابَ عِظَامِي بِشُحْنَاتٍ قَمَرِيَّةٍ ...

فَأَقْطَعُ مَسَافَاتٍ فِي الأجْوَاءِ ... وأَصِلُ أَرْضَهُ الظَّلْمَاءَ ...

وَأَتَعَرَّشُ هُنُاكَ عَلَى عَرْشِ المُلُوكِ ... والصُّولْجَانُ (12) عَنْ اليَمِينِ وعَن الشِّمَالِ قَرِيبُ ..

فَأَتَعَكَّزُ عَلَيْهَا بِالمَسِيرِ عَلَى بَيْدَائِهِ.. وَ أَنْقُشُ أَطْلَالِي عَلَى دَقْعَائِهِ(13) ... وَ أُزَخْرِفُ فُسَيْفُسَاءَ طُفُولًتِي عَلَى طُولِ تَشَقُّقَاتِهِ..

وَأَتَحَادَلُ كِبْرِيَاء ًبِقَعْرِ نِعَالِي عَلَى صَفْوَانِه .. فَأَشْدُوْ بِأَلْحَانِ دَرْدَابِهِ (14) ..

وَأَنْظُرُ إِلَى الأَرْضِ وَأَهْلِهَا ...

فَأَعْتَبِرُ نَفْسِي بَأَنِّي مَرْكَزُ جَاذِبِيَّتِهَا ... وَعَلَى القَمَرِ أَنَا جَاذِبِيَّةٌ.. وَاَ عَجَبِي* ..

وَيَأْتِينِي الصَّبَاحُ الغَادِيُ ... عَلَى مِنْوَالِهِ المُعْتَادِ ..

وَيَنْقَطِعُ المُسَلْسَلُ إِلَى حَلَقَةٍ مَا ...

فَأَصْحُوا وَعَقْلِي شَارِدٌ مِنْ سِيمْيَاءِ(15) الأَحْدَاثِ ...

وَهَذَا حَالُ كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ ...

وَلَكِنْ رُغَمَ أَحْدَاثِ الغَدَاةِ وَ العَشِيِّ ...

كُنْتُ أُلُاحِظُ صَقْلاً فِي شَخْصِيَّتِي ..

وَنَمُواً رَاقياً وَأَنَا فِي مَهْدِ طُفُولَتِي ...

بِحَيْثُ أَسْحَقُ الفَوْزَ عِنْدَ إِصَابَتِي للهَدَفِ مِنْ بَيْنِ عُيُونِ اللَّيْثِ بِفَلْسَفَةِ أَفْكَارِي ..

وَ قِرَاءَتِي لِلُغَةِ العُيُونِ...

فَأَرَى مِنَ الفَوْزِ .. كَأَنَّهُ تَمْرَةً .. أَتَحَنَّكُ بِشهْدِ قِشْرِهَا .. وَأَلْتَاذُ بِعَسَلِ أَحْشَائِهَا ...

وَأَتَقَوَّى بِقُوَّةِ نَوَاهَا وَأَتَرَقَّقُ فَرَحَاً كَرِقَّةِ قِطْمِيرِهَا (16)..

وَإِنْ سَقَطْتُ فِي حُفْرَةِ الخَسَارَةِ ...

فَلَا أَذْعَنُ لِرُعُونَةِ النَّفْسِ .. وَلَا أَقَعُ فِي شَرَك ِاليَأْسِ ..

وَلَكَنْ ..

أَرَى فِي نَفْسِي حِبَالَاً مِنَ التَّحَدِّي تُحَفِّزُني للصُّعُودِ ..

وَشَحْذَاً لِلْهِمِمِ فِي الوُصُولِ إِلَى القِمَمِ ..

وَأَخِيرَاً ...

إعْتَبَرْتُ طُفُولَتِي أُسْطُوَرةً سُطَّرَتْ فِي كُتُبِ الخَيَالِ ...

تَأْسِرُ عَقْلَ مَنْ يَقْرَأُهَا بِعِقَالِ الخمر .. وَتُكَبِّلُ تَلَافِيفِهِ بأَغْلَالِ السِّحْرِ ..

أَوْهِي سَرْدٌ مِنَ الحِكَايَاتِ تُقْرَأُ لِلْكِبَارِ فِي غِنَاجٍ(17) مِنَ الكَلَامِ ..

فَتُهَدِّءُ نَفْسَهُ مِنْ صَخَبِ الحَيَاةِ وَشَقَاءِ الأيَّامِ ..

فَتَحْلُو حَيَاتُه .. وَ يَذْهَبُ رَوْعُهُ ..

1. القطام : الصقر

2. هَمَالِيلِ الثِّيَابِ : الثوب الرقَّع

3. كُنْهِ الحَيَاةِ : أي سر الحياة

4. رَيَّاشِ : الثوب الفاخر

5. الغِنَاطِ : الهم الشديد

6. النَّامُورٌ : الدم

7. تَدَهَّمَتْ ، تَغَدَّفَتْ ، تَدَلَّمَتْ : معانٍ توحي بالسَّواد

8. السَّاجُولَ : هو غلاف القاروة

9. التَّجَاوِيدِ : الأمطار الغزيرة

10. قَرْمَدَ : أي زيَّنَ - قرمدت الشئ : أي زينته وجملته

11. النَّمَارِقِ : الوسائد - الزَّرَابِي: السجاجيد ( المبثوث : المبسوط )

وهي مقتبسة من القرآن الكريم .. قال تعالى ( ونمارق مصفوفة * وزرابي مبثوثة ) سورة الغاشية

12. الصُّولْجَانُ : مفردها صولج وهي عصا يمسكها الملك وهو على عرشه وهي

رمز للسلطة عند الملك

13. دَقْعَائِهِ : ترابه .

14. الدَّرْدَابِ : صوت الطبل

15. السِّيمْياءِ : السِّحْر والاحداث الخيالية

16. القِطْمِيرِ : قشرة رقيقة تكون على النواة ،

والقطمير هو ايضا الشئ الهيّن القليل وهي كلمة مقتبسة من القرآن الكريم

قال تعالى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ

وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ

وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير )

أي أن الذين يدعون من دون الله آلهة وشركاء لا يملكون من السماوات والأرض شيئا ولا بمقدار هذا القطمير

17. الغِنَاج : وهو الدلال