عباءة الليل ممزّقة على شاطىء التوبة

عباءة الليل ممزّقة على شاطىء التوبة !

فدوى محمد سالم جاموس

  يعود المساء ، متدثّراَ بعباءته السوداء ، دامساَ ، مخـيّماً ، ملوّناَ الأرجاء ..

 مثقِلاَ كاهلـَه بأصناف شتّى ، ومتع لاتحصى ، ولا تعَـدّ ..

يعزف على قيثارته ، مدندِناَ بأغنيته..

 يجلجل في الأجواء ، ليحيل الآمال والأماني ، سلعةً سهلة المنال ..

تضجّ المتع ، بألوانها المثيرة .. متراقصة تحت عباء ته..

تتهافت النفوس والأهواء ... فيجذب العيون التي تتوق إليه ..

تستجيب لندائه الأزلي .. فتنطلق لتتصيّد الأمنيات ..

 وتهيم معه في كل واد ، تستقي من رحيقه الملذات ..

فتحطّ هنا وهناك .. ملبيّة النداء ..

 تتقاطر من كل حدب ، تنهل من مائدته التي حوت ما تشتهيه ..

وتنطلق عجلة الوقت ، لتنهب الدقائق والمسافات..

 فتهيم الرغبات والملذات .. تتعرّى من الحدود والقيود ..

متخفّية تارة ، ومنطلقة أخرى ، غير عابئة بمن حولها .. منتعشة مبتهجة ..

لقد نالت الرغائب ، وتحقّق لها المراد ..

 في زحمة الانتعاش ، تتذوّق نفس أبيّة ، المرارةَ من رحيق الملذّات ..

 تتلوّن النفوس .. وتتعرّى ، كما تعرّت من الحدود والقيود ..

متعجّلة ، لينهش بعضها من لحوم بعض ، لا ترعى ذمّة ولا عهداً  ..

تنـثني على جرح ، أدمى القلب ، وصدّع الفؤاد ..

بعدتْ ، هربتْ ، افترشت التراب .. تصارع الأفكار المتناثرة ..

تطارد الفكر الشريد ، تتعثّر حيناَ ، وتتجاسر بعض الأحايين ...

تنفجّر دمعة حرّى ، فتتدافع العبرات .. تصحبها الزفرات ..

ويـُنكأ الجرح ، ليستنزف الماضي الأليم ..  

فيحيل المكان بقعة نديّة ، تساقطت من خلالها الذنوب ..

تغتسل النفس من الآثام ..  فتتقاذفها الأمواج يمنة ويسرة ..

فتجرّعها علقماَ ، يلقي بما كان ، وبما علق من ذكريات  ..

وتعود العباءة الليليّة بأشلائها .. تقيّدها، وتجرّها الى الوراء ..

وتعيد الكرّة مرّات ومرّات ..ثمّ تلوذ بصخرة بريئـة من الآثام ..

 ربما .. أو لعلّها .. أو عساها .. تكتسب بعض براءتها .. 

ويلوح في الأفق حبل متين .. تتمسّك به..

تعضّ عليه بنواجذها، ليثبت القلب الكليم ..

 تتحرّر .. تمسك بطوق النجاة.. مقتربة من شاطىء التوبة ..

 تبزغ شمس هداية نقيّة .. بعيدة عن براثن الآثام ..

 يضاء الدرب من جديد .. بعيداَ عن كل زائف دنيء ..

فما أكثر مازافت الدناءة .. وزيـّفت ..

وما أكثر ما بهَرت ، بالزيف ، من أبصار كليلة ، وقلوب عليلة ..

لقد استنار القلب ، وتحصّن بالإيمان ..

لم يعد يخدعه الزيف ، ولو تلبـّس بألف لبوس ولبوس ..!