اختلاف الأخوة

عدنان عون

[email protected]

ليس غريباً أن يختلف الأخوة ، فالإنسان ليس بمعصوم ،وكثيراً ما يستذله الشيطان ، ويزين له الأهواء ،ويدفع به إلى الخصومات ، أو يجنح به إلى الشر . ولكن الغريب أن يلج الإنسان بالخصومة واللدد .

وما من شيئ أقدر على ضبط النفس ، وكبح جماح الغضب ،من الإيما نٍٍ والخلق الجميل . فكم قيد الإيمان من نفوس ؟ وكم ارتقت الأخلاق بأناس ؟

ورحم الله " الفاروق "،  كم كان الإيمان يحول بينه وبين غضبه؟ ويقول: ً    " الإيمان قيدني " ..

 و كثيراً ما كان يقع الاختلاف بين المسلمين، ولكن سرعان ما تفيئ القلوب المؤمنة ـ إذا ما ذكرت بالله ـ إلى منهج ربها وهدي نبيها ، وإلى صفائها وودها .

وقد حدّث التاريخ : أن عبيداً لمعاوية (رضي الله عنه) اغتصبوا أرضاً لابن

الزبير.. فكتب ابن الزبير إلى معاوية ، كتاباً شديدة لهجته ، واضحاً تهديده ،

يقول فيه : "... يا معاوية ! إن عبيدك قد اغتصبوا أرضي ،فمرهم بالكف وإلا كان لي ولكم شأن "

قرأمعاوية (رضي الله عنه) ـ وهو داهية العرب ، وحليم الإسلام ـ كتاب ابن الزبير ،فلم تستثيره لهجته ،ولم تخرجه عن هدوئه ووقاره ،وإنما دفعه إلى يزيد ، وقال : " ما ردك ـ يا بني ـ على ابن الزبير ؟

وما إن قرأ يزيد الكتاب ،حتى ثارت ثائرته وقال : " أرى أن تبعث إليه جيشاً يأتيك برأسه وتستريح منه ". وهيهات أن تستثير عجلة المتعجل، حلم الحليم

فكيف إذا كان الحلم عن قدرة ؟

وقديماً قالوا : (والحلم عن قدرة فضل من الكرم) . وأكرم بالحلم خلقاً يستهوي الكرم  ،ويستعبد الأحرار..

 وكيف لا يضرب معاوية(رضي الله عنه ) صفحاً عن اقتراح ابنه ،وهو الذي عرف بحلمه ،وسعة صدره ، وهل من أحد لم يسمع "بشعرة معاوية" ؟

وهل الحلم إلا أن تصل من قطعك ،وأن تعطي من حرمك ،وتعفوعمن ظلمك؟

فماذا فعل معاوية (رضي الله عنه)؟ لقد كتب إلى ابن الزبير يقول : "وقفت على كتابك، ياابن أخي ، وقد ساءني ـ والله ـ ما ساءك ، والدنيا وما فيها ،

هينة في جنب رضاك ،وقد كتبت على نفسي كتاباً مسطوراًًًً ، أشهدت فيه الله وجماعة من المسلمين :ان الأرض وما فيها من العبيد ملكك، فضم الأرض   إلى أرضك ،والعبيد إلى عبيدك . والسلام "

وصل الكتاب إلى ابن الزبير، ففعل فعل السحر في نفسه، واستل منها ثورة الغضب ،وانتزع منه هذا الاعتراف الجميل ،فكتب إليه : "وقفت على كتاب أميرالمؤمنين ـ لا أعدمني الله بقاءه ـ، ولاأعدمه هذا الرأي الذي أحله هذا المحل والسلام "

فتدبرـ أخي القارئ ـ هذا الموقف ،وتأمل أثر الحلم ،وفعل الصفح الجميل،

كيف أطفأ نار عداوة كادت تسيل الدماء ؟ ، وكيف استل من النفوس ضغائن

كادت تعصف بإخاء القلوب وصفائها؟ .

ولله درالشاعر العربي،كأني به يجسد هذا الموقف ، وهذا الخلق العظيم ، بقوله  :   

وصبراً على أشياء منه تريبني

                           وكظمي على غيظي وقد ينفع الكظم

           وأطفأت نار الحرب بيني وبينه

                          فأصبح ـ بعد الحرب ـ وهو لنا سلم                                  

ألا ما أعظم الإسلام ! وما أروع أخلاقه !  

وقديماً قال الحكماء:"أربعة لا يثبت معها الملك :سوء التدبير،وخبث النية ،

وغش الوزير وظلم الرعية "  فاللهم هيئ لولاة المسلمين بطانة خير ،ووزراء صدق، يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر .