لحظة صحو
د. مأمون فريز جرار
قليلة هي لحظات الصحو في خضم الحياة ، حيث يشغل بال الإنسان أمور شتى في ليله ونهاره وتملأ عليه قلبه وحواسه بل تملأ عليه أحيانا حياته كلها فينسى غاية وجوده ، وينشغل بالأمور العاجلة في هذه الحياة التي قد تصيبه بالهم والحزن أو تلقي عليه ظلال العجز والكسل
وكم من الناس من تمضي عليه السنون وهو في نفق الغفلة لا يكاد يبصر نورا أو يلتفت إلى مصير هو مقبل عليه شاء أم أبى ، أو يكون في جب ألقاه فيه أعداؤه من النفس الأمارة بالسوء والشيطان من إنس وجان ، والدنيا الغرور التي تتزين بحلية الصبية وهي عجوز شمطاء تخفي تجاعيد القرون بأصباغ لا تخدع إلا من أصيب بعمى الألوان ، وأما من تسلح بالبصيرة وامتلك حدة الرؤية فإنه يعيشها كما يحب الله وعلى منهج رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام من غير أن تخدعه أو تغره ، وقليل من يفعل ذلك .
وفي جب الغفلة وعتمة الهوى تطل أنوار مختلفة القوى ، وتأتي نذر من شتى الجهات لتوقظ الإحساس الباقي ، وتنبه الإنسان إلى حقيقته وحقيقة وجوده وغايته التي هو صائر إليها حتى لا تتحول الوسيلة إلى غاية والممر إلى مقر وأنى فيه القرار والرحيل عنه لا بد كائن ؟؟؟
أليس موت الأقران جرس إنذار يقول للغافل تنبه فكما رحلوا أنت راحل، وكما مضوا في درب الخلود أنت ماض فاختر بوابة عبورك بتحديد وجهتك وغايتك.
أوليس الشيب نذيرا بأن الزرع قد استحصد وأن مرحلة الشباب والقوة والغرور قد بدأت تخبو وأن مرحلة الظهيرة قد بدأت تتراجع ليحل محلها العصر ثم لا بد أن يأتي الغروب
ورحم الله بديع الزمان سعيد النورسي الذي كانت بداية صحوته وبوابة تغيره مما سماه سعيدا القديم إلى سعيد الجديد شعرات بيض لحن لعينيه في المرآة فكن بوابة الصحوة بعد رحلة عناء طويلة من التفكر في الحياة والوجود والمبدأ والمصير ، فاستنار منه القلب ووضح الدرب ، امتلأ القلب نورا ، ولاح الدرب صراطا مستقيما وجرى قلمه بما يضيء القلوب والدروب في
( رسائل النور ) التي كانت نورا من نور القرآن، وفقها للحياة والوجود والإنسان مستمد من القرآن الذي آمن أنه شمس لا تغيب أنوارها وكرس حياته لجلاء الغشاوة عن العيون لتبصرها
كم نحن بحاجة إلى مسّاحات من العيار الثقيل لتجلو الأمطار الطينية التي تغشى زجاج قلوبنا ، والسكرة التي تجثو على حواسنا ، والغمرات التي تغشانا .