سَيَحْرِقُك بَريقُهُ
سَيَحْرِقُك بَريقُهُ ..!
رجاء محمد الجاهوش
بَعدَ غِيابٍ ...
رحتُ أتَمَشَّى في مَدينةِ الأدَب، أجوبُ شوارعها مُستنشِقًا شذى الياسَمين وأريج الذِّكرياتِ ...
هُنا في بُستان العَمّ "صادِق" احتسيَتُ قهوتي برفقةِ القلم والورقة، وهُناك تحتَ ظلِّ شجرة التُّوت توَسَّدْتُ كتابي لساعاتٍ وساعات، وعَلى جانبِ الرَّصيفِ ـ عندَ عَمُود الإنارَة ـ كَم ناجَيتُ القمَر، وكَم رَقَّ قلبي للدِّيَمِ الهَتون !
أثناءَ تجوالي وقعَ بَصَري على لوْحة مُعلّقة على أحدِ جُدران مَنزل قديم، بَهاء اللَّوحَة جَذبَني فتقدَّمتُ نحوَها بخطى هادِئَة تعرف وُجْهَتها فلا تضلّ !
تأمَّلتُ تفاصيل اللَّوْحة، والصّدمَة تنسَكبُ داخلي قطرَة تِلوَ قطرَة !
حُروف جُمِّعَت بمَهارَة، لتصوغ قصِيدَة/قصَّة بقلم "فلان بن فلان" لكنَّها مِن أفكارِ الغَيْر !
بينَ السُّطورِ يَرقدُ جُزء مِن فكرَة مَوضوع "فلان"، والخاتِمَة كانت مِن فكرَة مَوضوع "فلان"، وإعادَة الصَّياغةِ كانت مِن نسْج الأدَيب القَدير والكاتِب الألمَعيّ "فلان بن فلان " الذي توّج اسمَه ـ بكلِّ فخر ـ أعلى اللَّوْحَة ..!
لمْ يِزلْ خَطّه جَميلا يَسرّ النَّاظرين، وما زالَ لونُ الحِبْرِ الذي يَستخدمَه كما هُوَ إلا أنَّه باتَ مِن النَّوع الرَّخيص ..!
فالحِبْر النَّفيس يأبَى أن يَستوطن ريشَة مَسْروقة، أو ريشَة تُحاول التَّسلّق على أفكارِ الآخرين لِتَبدو أطولَ وأرشقَ !
فيُصَفّق لها الجمهور طويلا، وتَنقل أخبارَها وسائل الإعلامِ المُختلفة فتصبحَ نجمَة يُتطلَّع إلى نورِها كلّ مَساء، أو ربَّما أُهدِيَت الصَّفحات لتملأها حُروفا وكلمات، فكلماتها ليسِت كالكلماتِ، وحديثها يَفوق كلّ الأحاديث حِكمَة وأمانَة وأدَبًا !
رفعتُ رأسي إلى السَّماء، حيثُ السُّمُوّ والنَّقاء، ثمّ طأطأتُه بحَزن، وشَيء مِن الضِّيق جَثمَ على صَدري !
يَسرقُ اللِّصُ مَالَ الغير وأمْلاكَه الخاصَّة أمَلا بالغِنى، أو هُروبًا مِن الفَقر و العَوَز ، فلِمَه يَسرقُ الكاتِب أفكارَ الغَير ؟!
أيَسْرقها أمَلا بالشُّهرةِ ؟ وهُروبًا مِن شُحِّ الدُّواةِ ..!
أيخسَر دينه، ويضيّع أمانته مِن أجلِ حَرفٍ يسْعى إلى نشرهِ في مَجلَّة أو جَريدَة غَرَّاء؟!
أينكث العُهودَ والمَواثيقَ الغَليظة مِن أجل لقبٍ سَيَحرِقه بَريقهُ وَلَوْ بعدَ حِين ؟!