متى يتم تفعيل الأدمغة بجميع مشاربها

تحسين أبو عاصي

– غزة فلسطين –

[email protected]

عندما نردد مفردات : فلسطين والوطن والوطنية والهوية ، والشعب والانتماء والعقيدة والعروبة ، والأيديولوجية والنضال والجهاد ، والتنظيم والدماء والشهداء ، والجرحى والاعتقال وما إلى ذلك .... فإنها ترتبط مباشرة بالعقل والتفكير والإدراك ، كما ترتبط بالشعور واللاشعور ، و تحدث تغييرا على صعيد الذات ، من الناحية النفسية والذهنية والانفعالية والسلوكية لدى جميع الأدمغة المؤطرة والغير مؤطرة ، والمستقلة  والمنتمية والغير منتمية ، والعربية منها والغير عربية ، وربما المنتفعة والوصولية واللامبالية .

ولعل الحالة العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص ، وبكل فسيفسائها وتركيباتها وتعقيداتها وتشابكاتها وتفاعلاتها ، لابد من أن تفرض حراكا جديدا ولو من نوع ما ، لدى كل من يملك القدرة على التفكير، ويشعر بالانتماء لبني البشر ، خاصة أمام حالات الانحطاط والتردي والتخلف ، والانهيار والضياع والتشرذم ، ورهن القرار، وفشل الفاشلين وعجز العاجزين ، وتآمر المتآمرين ، وضياع الحقوق ، حراكا على الأقل يجمع بين أصحاب تلك الأدمغة والانتماءات والرؤى فيما بينها من قواسم مشتركة ، كالاحتلال ، وعجز النظام العربي ، والفساد المستشري ، والاستبداد السياسي ، والظلم الاجتماعي ، وفقدان الأمن القومي و الغذائي ، إلى آخر تلك القواسم .

وإنني لأعجب من أولئك الرجال بكل ألقابهم ونعوتهم ومراتبهم ، كيف يهنأ لهم عيش ؟، وكيف يهدأ لهم بال أمام هذه الأوضاع المأساوية الكارثية التي نعيشها ، وهم يرون ويسمعون ويقرؤون ما آلت إليه الأمور ؟ .

الكثير من المعطيات التطبيقية والميدانية تتحدث عن نفسها بالقرائن والأرقام والبراهين القوية ، ولكن بدون أن يتحرك منهم ساكن ، أو يهتز لهم ضمير، باستثناء ردات فعل غير عفوية وغير مسيسة من هنا وهناك . ويبدو أننا نعيش في زمن تخدرت فيه العقول إلى حد كبير ، أو بيعت به الضمائر ، أو أصبحت رهينة المال السياسي والرشوة والوصولية المقيتة ، التي أعمت على الكثير بصائرهم وأبصارهم ؛ فصارت  كل مؤشرات الضياع والتشرذم والانحطاط لا تعنيهم في شيء على الاطلاق .

فمتى تحرك جميع تلك الأدمغة مسألة فقدان الأمن القومي العربي ، والتمزق الإقليمي ، وغياب الكرامة العربية ، وسوء التخطيط والإدارة ، وفشل النظام العربي الرسمي ؟ ولماذا لم ترتفع من تلك الأدمغة أصوات الغضب ؛ لتعبر عن الكرامة المفقودة ؟ ولماذا لم تجمعهم مصيبة ولا كارثة ولا نازلة ، ولا مأساة ولا دماء ولا ضياع أوطان ، وتلاشي هوية وتمزيق وجود ؟ وكأنهم يسمرون على مسلسل درامي ، أو حلقة تمثيل ، أو لعبة لكرة القدم ، دون أن نسمع منهم صرخة حق تنسجم مع الحدث الجلل ، وقد صمت الجميع صمت الموتى في قبورهم .

فلا نامت أعين الجبناء.