أشواق منتصف الليل
(رام الله أنا عائد )!!!؟
محمود خليل /الأردن
بين بيت جدي و دوار المنارة وردة بيضاء ,إن نبشت جذورها وجدت قلبي .......
شاء الله أن أكون الوحيد من إخوتي الذي نال شرف الولادة في رام الله , أن أول أنفاسي أستنشقه من هوائها , أول دمعة في رام الله ,و عشقي و جنوني الأول , ها أنا وفي عامي الثالث والعشرين أكتب وصيتي الوحيدة : إن وافتني المنية فليكن مثواي الأخير رام الله.
مدينتي حيث يجتمع القديم بالحاضر إن سألت حجارة أرصفتها نطقت بصوت من عبروا
,ترا الشوارع و المقاهي بضجتها كأنها موسيقى تراثية يعزف وقعها أصوات المارة ,باعة الخضر في حسبتها , رجل خسر أمام شريكه المعتاد طاولة النرد ......
السماء فيها لم تتغير منذ عهدتها ,لكن تصبح أجمل في كل مرة أزورها ,رائحة البن من محامصها ,تدخلني أجواء الشرق الساحر, أتوقف عندها لا إرادياً أغلق عيناي و أرفع رأسي للسماء , حينها فقط أعلم أنني في الوطن .
في رام الله مشيت أنا وجدي قديماً في رحلة العمر من منزله وحتى مكتب البريد , آخر ذكرياتي معه ,ذهب جدي و بقي موطئ قدميه يفوح مسكاً ,يروي حكايته حين كان يمر من هنا .
زيارتي الأخيرة كانت في أكتوبر من العام الماضي ,عشرة أيام قضيتها أتوحد مع مدينتي التي أحب ,عشت لأول مرة عيد ميلادي في رام الله , كنت وحيدا ,رام الله ما تركتني ,احتضتني طوال الليل تلقي علي ذكريات الورد فيها وتقبلني ألفاً و تغمض عيناي أخيرا لأنام.
الثالث عشر من أكتوبر الساعة الثامنة مساءاً , بعد ساعة قضيتها أتأمل وجوه المارين على دوار المنارة وألتقط الصور من هنا و هناك ,قررت أن أمشي حتى منزل الخال الحبيب أبو محمود في حي الإرسال , مشيت وقد خلت الشوارع إلا من بعض الشباب هنا و هناك ,بدأت أرسل مع نظراتي قبلاً للشوارع و الشرفات الحيطان المزخرفة بشعارات الثورة , قبلت كل شئ حتى أستوقفني مبنى المقاطعة ,ها هو يومي الأخير وصار لابد أن أزور مثوى الشهيد الرئيس "ياسر عرفات" ,كانت خطواتي كلما أقتربت تزداد بطئا ,لله كم للمكان رهبة , أدخل البوابة الرئيسة للمثوى المعطر برائحة الثورة ,ألقي السلام على حراسه , أمشي في الممر وأعيني تقبل الرخام الأبيض .... يتوقف الوقت في داخل المبنى العظيم ,تحبس في العين دمعة ,أرفع يداي أتلو على الشهيد الفاتحة ,ترتجف يداي ,قدماي ما عادت تحملني ,الدمعة السجينة تحررت هربت إلى الخد , ألقي عليه السلام أخيرا ً و أتراجع للوراء بخطوات مرتجفة ,فكيف أوليك يا زعيم ظهري .
أكمل مسيرتي للمنزل وفي القلب آه و ألف دمعة ,أمل بمستقبل , حنين للماضي .
الرئيس الراحل ياسر عرفات ,الشاعر الراحل محمود درويش و جدي الأستاذ محمود حسن" أبو مازن" , رحلوا لكن خطاهم باقية ها هنا , تحفظها الأرصفة و تضمها , لتنقل لنا جيلا بعد جيل أصواتهم ,حين في يوم من الأيام ... مروا من هنا .
من عمان يا رام الله أرسل لك باقة أشواق و قبلات ورسالة عشق في نهايتها كتبت " أنا عائد ".