خواطر إسلامية إنسانية "1"

خواطر إسلامية إنسانية "1"

المفهوم الخاطئ  للذكورية ولغة الحب

رد على خواطر حوائية

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

ما نقلته الباحثة السورية القديرة السيدة هبة الله شاهين في مقالتها "خواطر حوائية " عن مجتمعاتنا الشرقية ، وما يتم ترويجه كما قالت من الأفلام والقصص عن تطلعات النساء بصورة خاطئة وقاصرة ، وما يجب أن تكون عليه المرأة بنظر الرجال كما شاهدت ذلك في المجتمعات العربية المُتعددة التي زارتها أثارني للجرأة في الطرح والموضوعية والصدق في نقل المشاعر النسائية ، وذلك بغية وضع اليد على الجرح النازف الذي يُهدر حقوق المرأة ودورها كأم وزوجة وإنسان  ، وذلك من خلال تناول الكاتبة هبة للنظرة القاصرة في المجتمعات الشرقية لدور المرأة في الحياة والمجتمع الذكوري كما ذكرت ، الذي يقتصر على المفهوم القبلي المتخلف لدورها ويُنسب ذلك زوراً إلى الإسلام ، وينحصر فيما يجب أن تكون عليه المرأة بنظر الرجل الشرقي بما أسمته بالخارقة مثل شبيك لبيك عبدك بين يديك ، أي النظرة الدونية للمرأة التي خلقها الله مُساوية للرجل في جميع الحقوق والواجبات ، ومما يؤسف له هو فهم البعض المُتدين التقليدي لإسلامنا لنفس هذا الفهم القاصر ، وهذا يُخالف ما تعلمناه من نبي الإسلام مُحمد صلى الله عليه وسلم من حياته العائلية العملية ، فقد تزوج صلى الله عليه وسلم العديد من النساء ، وكان يُعامل كل واحدة بما هي عليه أو بما تريد أن تكون من المكانة عنده، فلم يُحاول صلى الله عليه وسلم تغير بيئة أي واحدة منهن، وطبيعة الارتباط به ، لأن لكل زوجة سبب في الارتباط  ، فبعضهم اكتفى بالاقتران به شرفاً ، وأُخرى لتكون في حماية النبي ورعايته لكبر سنها والبعض الآخر كان لتعميق الصلات بينه وبين أصحابه صلى الله عليه وسلم كحفصة بنت الفاروق عمر بن الخطاب التي حاولت أن تصل إلى كل قلب محمد صلى الله عليه وسلم ولكنها بقيت أقل درجة من عائشة بنت الصديق أبي بكر رضي الله عنها التي استطاعت أن تكون الحبيبة للرسول صلى الله عليه وسلم ، والذي سئُل مرة عن أحب الناس إليه بين جمع من أصحابه فقال عائشة ، ثم قيل له ثم من قال أبوها ، بهذه البساطة وهذه العفوية أعلن الحبيب عن حبه لحبيبته وعن قيمة المرأة التي عنده ، والذي أحياناً يستحي أحدنا عن ذكر اسم زوجته ، ومن باب أولى أن يُعلن عن حبه لزوجته وتفاهماته معها، وليس ذلك إلا كدليل في أغلب الأحيان عن عدم التجانس والانسجام بين الطرفين ، لأن الرجل إن كان بالفعل يُحب زوجته والعكس صحيح فإنه لا يخشى من شيء مع شريكة عُمره وحياته التي ستؤانسه وتُشاركه في كل مشاريعه وهمومه ، وبالتالي فهو ليس لوحده بل اثنان في واحد ، بعيداً عن الأنانية والاستعلائية والتفاضلية التي نراها في كثير من البيوت القائمة على أساس الذكورة المُفضلة ، ولنا في ذلك مثال آخر للنبي صلى الله عليه وسلم في خديجة بنت خويلد الشريفة العفيفة الطاهرة التاجرة والزوجة والحبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ، الذي رفض أن يتزوج عليها أثناء حياتها وفاءاً لها وإكراماً وحُباً ، والتي معها عاش أروع قصة حب وتعاون لم تجعله بحاجة الى غيرها ، وغطته مالياً للإنفاق على دعوته وما يؤمن به بعدما آمنت بما عنده اتوماتيكياً كونها تزوجته عن اختيار واقتناع وفضلته على جميع الرجال الذين تقدموا لها لأخلاقه وصدقه وأمانته ، وحتى سُمّي العام الذي توفيت به عام الحزن لفراقها رضي الله عنها ، لتتكرر الزيجات فيما بعد لغايات متعددة لسنا بصدد الخوض فيها

 ومن هنا نستنتج بناءاً على ما جاء في كلام الأخت هبة الله بأن الزواج الغير مُتكافئ لا شك سيجعل الحياة الزوجية فيما بعد مشكلة يصعب تجاوزها، وأنّ المرأة التي تدخل إلى بيت زوجها كربة بيت وطباخة وغسالة فهي ستبقى كذلك إلى نهاية العمر ، ومن تدخل إلى بيت زوجها كشريكة وحبيبة وتعاون بين الطرفين وانسجام وتكامل بينهما وروح واحدة وأهداف مُشتركة ، ستبقى كذلك معه إلى نهاية العمر ، ولن يتخلى عنها أو ينظر إلى غيرها مادام هو وما يحمله من مبادئ قيمة الأهم في حياتها وكذلك العكس صحيح ،  وأنا باعتقادي بعد مضي العديد من السنين من الارتباط والزواج سيصعب تغيير الأوضاع التراكمية التي استقرت في البيوت والعلاقات الزوجية لأنّ كلا الطرفين ارتضى من الأساس بهذا الوضع الذي لم يُغيره أو يسعى إلى تغيرة ، أو لم يستطع ذلك  لظروف ، وبالتالي مما يجعل الأمور في المستقبل أكثر تفاقماً بين الطرفين ، ومما يجعل بعض الرجال يبحث عما يعوضه من الحرمان ، ولذلك سيكون على استعداد لأن يتزوج بالثانية والثالثة إن اقتضت الضرورة بمجرد أن صارت عنده الاستطاعة لفعل ذلك ، وقد يكون محظوظاً بأن تسعى له صاحبة إمكانيات ويتلاشى أمر الاستطاعة المالية ، بينما أحياناً يكون هذا الرجل المغلوب على أمره مُحاصراً أو مُكبلاً بقيود ولكن تبقى عينيه زائغتين مثلما يقولون،  يتطلع إلى الثانية والحلال الذي يروي غليله، بينما الصنف الآخر الذي اعرف منه بعض الأمثلة الفريدة ، والتي هي بكل أسف محدودة ، نراه يُعلن ومن صميمه على الخلائق بأنه لا يستعيض ولا يرضى أن يكون له شريكة سوى رفيقة دربه ، ليس خوفاً أو حياءً بل لأنه بالفعل لا يرى الحاجة لذلك البتة كونه يعيش حياة الحب والتفاهم والكينونة الواحدة مع حبيبته شريكة عمره التي أحبته وأحبها بكل ما للكلمة من معنى ، لأنه بوجود الحياة المُتسامية التي تتلاقى بها الأرواح ، وتذوب معها الأنانية والذكورة وأي تفضيليات ، يكون البقاء والديمومة بين الشريكين  ، اللذين يُعطيان النتائج المُثمرة اجتماعياً وما ينتج عن ذلك الاستقرار والتعاون من معطيات تستمر حتى ما بعد الممات

 نعم قد يموت أحدهما قبل الآخر ، ولكن ليس معنى ذلك النهاية أو آخر المطاف ، لأن أحدهما سيبقى وكون الشريك مقرون معه بأسمى المعاني فهو يعيش معه مُخلداً في ذكراه ، هذا عدا عما قد ينتج من هذا التوافق من أعمال تؤسس لمثالية تبقى في ذاكرة المجتمع ينهل منها المعاني ، تماماً كما كانت علاقة الانسجام للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم مع كل زوجاتة اللاتي كُنّ المثل الأعلى لجميع نساء المسلمين ، وفي اختيار كل فريق بما يُناسبها من دور مع شريك حياتها وتحمل مسؤولياتها عن ذلك الدور الذي اختارته من القرب والابتعاد ، أو الهامشية والبروز ، والذي سيؤدي إلى نتائج قد تكون مفهومة لدى الكل ، وأنا من جهتي وكذلك لغة العقل تقول ليكون مثلنا الأعلى رجالاً ونساءً سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وخديجة أولاً وعائشة ثانياً في الانسجام والتفاني مابين الشريكين ، الذي يجعل الحياة مُتجددة على الدوام وترتقي العلاقات بينهما إلى أسمى المراتب ، حتى ولو زُلزلت الأرض من تحتهما تكون علاقتهما الأثبت والأقوى من أي اهتزاز ، كما رأينا بالفرية الكاذبة التي أطلقها المنافقون على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، والتي تحمل  رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببها من المُعاناة والألم عند اتهام زوجته حبيبته  وهو يعرف ببراءتها وطهرها ، ولكنه تعرض لامتحان قاس لأحكام تشريعية ستتنزل تُفيد الأُمّة، فلم يتهم أو يدخل الشك لحظة إلى قلبه على تلك المرأة العظيمة أو يُطلقها أو يضربها أو... ، بل كان قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم يتقطع ألماً عليها ، كما أبوها الذي وقف عاجزاً عن فعل أي شيء ، كونه لم يكن هناك تشريع يحمي تلك الحالات ، وهو صلى الله عليه وسلم يتألم لألم حبيبه عائشة رضوان الله عليها ، وهي كانت تتألم لحزنه صلى الله عليه وسلم عليها  ، فلم يتبادلا كما يفعل البعض الأحمق التهم بينهما مع عِظم المُصيبة ، أو يسيء أحدهما للثاني بكلمة  لأنه كان بينهما الحب الصادق والتلاقي الروحي الذي لا يخترقه أي شيء ، إضافةً إلى  مُشترك الإيمان الأقوى في علاقتهما ، ويقينهما بأن ما جرى حالة استثنائية لفرية ظالمة سيتكفل الله سبحانه في كشفها ، ليستسلما لأمر الله وحكمته فيما جرى ، ويُنتج عن ذلك تشريعاً يحمي الأعراض المُسلمة من رب العالمين إلى يوم الدين، ويكون لهذين الحبيبين من الأجر ما دفعا به عن الأمّة من السوء وأجر المسلمين ، وذلك بما تفضل الله عليهما من هذه المكرمة نتيجة صبرهما واحتسابهما هذا الأذى عند الله الخالق العظيم.