صورتان
يحيى بشير حاج يحيى
عضو رابطة أدباء الشام
يرسم لنا التاريخ صورا يتخيلها الذهن ، فتبدو في أحيان كثيرة أعظم دلالة ، وأكثر وضوحا من الصور التي تنقلها آلات التصوير ، وتبصرها العين وتتملاها.
فقد نشرت إحدى الصحف صورة لمسؤول دولة كبيرة يخطب في حشد جماهيري من خلال غرفة زجاجية لايخترقها الرصاص ، وحوله آلاف من الحراس !
وذكر لنا التاريخ صورة لعمر بن الخطاب ، وقد انهى أعماله ، واتجه إلى المسجد ليرقد لحظات في وقت الضحى ،لايفصله عن جماهير المسلمين فاصل ، يدخل عليه من شاء بلا حاجب ولاحارس
فماالذي جعل ذاك المسؤول يسجن نفسه ، وما الذي جعل عمر – رضي الله عنه – ينام قرير العين هانيها ؟ إن الذين يسجنون شعوبهم يسجنون أنفسهم أيضا ، وأماالذين يؤرقهم أن تعثر دابة على شط نهر ؛ لأنهم لم يعبدوا لها الطريق ،فإنهم ينامون مطمئنين . والصورتان مختلفتان ؟! فالذين أرَّ قوا شعوبهم لابد أن يأرقوا والذين حرصوا على أمنها ينامون هانين قريري العين .