درس في الحب...
سمعاً وطاعة
سميح الجعبري - القدس الشريف
إعلم أن الحب مقرون بالطاعة. ولربما كثيرة هي المرات التي رددت فيها "إننا لم نعد نحب بعضنا"، وعلى الأرجح في مجالس صلح لمشاكل أصبحت يومية المزاج. وربما أنك تقولها استطراداً لحديث سَلَف أو مجاملة لكبير القوم. ولكن، من أين أتت مثل هذه التعابير المشخصة لمرض في المجتمع أصابه ؟ أرى أن الحب مقرون بالطاعة، فإن أنت أحببت أطعت، أو على الأقل جعلت نفسك تقف موقف الرضى ممن تحب. وعندها تجد نفسك مذعناً له لأنك... تحبه. والحب عاطفة جُبِلَ عليها الإنسان، وهو بأشكاله كلها، يلامس جزأً واحداً في الكتلة البشرية: القلب. سواءً أكان حب الأم لطفلها أو حب العاشق للمعشوق، أو أي حب تريد أن تتخيل، بل وأزيد، حب العبد لخالقه، حينها نقول "مطمئن القلب بالإيمان"، فوقع القلب بين مطمئن وإيمان في إشارة إلى سرٍ من أسرار استمرار الحياة على هذا الكوكب. من آدم إلى حواء، التي خلقت من ضلعه، لتكون مساوية له، ولم تُخلق من رأسه فتكون أعلى منه، ولم تُخلق من قدمه فتكون أدنى منه. وهي من آنس وحدته في جنة لم يغنه كل ما فيها من النعم بلا حساب عن حواءه، وبدونها لا تستقيم حياة.
وإن لم تخنني ذاكرتي فإن علماء الدين يقولون "أمر الأمير نافذ ظاهراً وباطنا" ومنها سراً وعلانيةً. فقد أفهم كيف ينفذ أمر الأمير في الظاهر، من احترام قوانين البلد وأهلها، ولكن ينفذ أمره سراً حين تحبه... لأنه يحبك، وحين يكون هو جزء منك لا جزاءٌ عليك.
في يوم من الأيام كان الكبير يطاع لأنه يُحب، ولأنه كبير باتجاهين، يطاع لأنه حنوّ يعرف كيف يحب. فأن تكون كبيراً هو تكليف لا تشريف.
في يوم من الأيام، كان العشق عذرياً برداء أبيض، عندما كان أثاث العروس فرشة ولحافاً ونمليّة. أيام كانت طبلة العجوز تُرقِص سَمتَ صبية لم تعرف بعد بقية الحكاية لنهاية حفل زفافها.
في يوم من الأيام، كان الجار يطعم جاره بعضاً من المفتول، فابن الجار كان يراقب جارته وهي تُعدّه أمام الموقد في الفناء الخارجي لمنزل ليس به مرحاض، فخدمات البلدية لم تصل إلى الحارة بعد... والاحتلال طازج.
ثم هب جدلاً أنك لم تجد من تحب !
هذا كلام أجد صعوبة في تصديقه، فأنت تحب إذاً أنت موجود، ولست أمزح! فإن لم تجد من تحب فأنت تحب نفسك. وأنا لا أدري كيف أقول هذا ولكن، أليس صحيح أنه إن أنت متَّ فلن يعود هناك أنت ؟! وعندها يكون حقيقة أنه لم يعد هناك من تحب. يعني "أنا أحب إذاً أنا موجود"
والذي يحسب أن ليس له حب، فلينظر حوله، فالحب جرعة قد تأخذها في غير غير حبيب، فلعل ذلك المسكين هو ابن استعاض بحب أبون عن حب وردي، أو أرملة يكفيها عناق الصغار، وعلى ذلك قِس. فالقلب وعاء متى وجد فيه حب لم يكن فارغاً، وهو يتسع للكثير من الحب إلا في العشق، فقد تحب كل أصدقاءك، وتحب كل أولادك على كثرهم، لكن قلبك لن يتسع إلاّ لمعشوق واحد قد يخرج الآخرين.
والحب يتلون كل مرة بصباغ جديد. فأنت تبدأ بكتشافها حين تكبر... ولماذا كبرت؟
فحب الماضي حنين وحب المستقبل أمل...
أما حب الآن، فعشه بين حنين الماضي وأمل المستقبل، لأنك لا تعرف ما سيكون لونه بعد حين