ولِلّهِ الشّكوى
ولِلّهِ الشّكوى!
مصطفى حمزة
النساءُ هُنّ على أعْلى رؤوسِنا ، كُنَّ ، و سيبقَيْنَ .. ما دُمنَ نساءً بالطّبع !
فيهِنّ أحلى قصائدِنا التي لهجتْ بها ألسنتُنا قديماً وحديثاً ، ومِنْ أجلِهِنّ مَرِضَتْ قلوبُنا هُياماً وهَمّاً ، وبينَ أيديهِنّ نقومُ جاهدينَ وساعينَ لِنُقَدّمَ لَهُنّ . وما كانَ مِنْ شبابٍ فلَهُنّ ، وما بقيَ منه فَلَهُنّ ، وما ذهبَ منه فبِهِنّ ! ولسوفََ يبقينَ حبّاتِ القُلوبِ ، وما بينَ الأهداب ..
رَضيتا نحنُ ، ولكنّهنّ ما رَضينَ ؛ رَضينا بالتعبِ والعَناءِ مِنْ أجْلِهِنّ ، فأبَيْنَ الراحةَ والرّخاءَ وسَعَيْنَ بأرجُلِهِنّ إلى ما نشقى به نحنُ ونكدّ ! قَبِلْنا أنْ نكونَ لهُنّ طينَ " اعتِماد " يَخُضْنَ فينا تَنَعُّماً ورَغَداً وتسليةً ولَهْواً ، فما قَبِلْنَ إلاّ أنْ يَكُنّ هُنّ طينَ الحياةِ ؛ يخوضُ فيهنّ دودُها و جرثومُها و قذاراتُها !
قُلنا لهنّ : قَرنَ في بيوتكنّ ناعماتٍ هانئاتٍ ، ونحنُ لكنّ جنودٌ ندرأ عنكنّ سِــهامَ الأيّـام ونَقيكُنّ شُرورَها ما نستطيع ؛ فأبينَ ذلك ، وتقدّمنَ الرجالَ بالنواهدِ و الأحْجال ؛ يُواجهنَ بها السّهامَ والنّبال ، وما كانتْ معركةُ الحياةِ يوماً لهُنّ ، وما كانت لِتقومَ بِهِنّ !
فلِلّهِ الأمرُ ، ومن النّساءِ العجَبُ العُجاب !!
فُتحتْ لَهُنّ أبوابُ التّشغيلِ على مَصاريعِها ؛ ففرِحْنَ بها الفرحةَ الكُبرى ، وصفّقْنَ ، وطَرِبْنَ وقُلْنَ : إنّها حياتُنا رُدّتْ إلينا ، وحُرّيتُنا حُزناها ، وكرامتُنا كلّلتْ هامتَنا ، وعمِلْنَ في الحكومة وفي غيرِ الحُكومة ؛ فما كانت عاقبةُ الأمورِ إلاّ أنهنّ لم يَعُدنَ نِساءً ، وما صِرْنَ رِجالاً ! وقُسّمتِ الخسارةُ بينَ ثلاثة : النساء ، والمجتمع ، والجَمال !
خَسِرنَ أنوثةً كانتْ لَهُنّ سِلاحاً لا يَنْبو لهُ حدٌّ وتاجاً ليسَ كمثلِهِ تاج ومَطْلَباً غاليَ الثّمن ؛ هو مِنْ أمانيّ الرِجال ! لقدْ أضعنَها خلفَ مكاتبَ مِنْ حديد ، وأمام آلاتٍ مِنْ فولاذ ، وفي التراب وخلفَ الأبواب ، وبينَ نظراتِ الباحثينَ عنِ الرّخيصِ ..
وخَسِرْنَ كرامةً كانتْ مَصونةً بكراماتٍ ، ومكنونةً في قلوب ، وكانتْ لهنّ سِمةً تَميزُ حرائرَ النّساء من الإماء .. فأضعْنَها في زِحامِ المَسير ، وفي رجاء المُدير ، وفي جِدال مَنْ هبّ ودبّ من المُراجعين .. مِن كِرام الناس ومِن طَغامِهم ..
وخَسِرْنَ راحةَ الجَسَدِ ، وقد كُنّ يرفلْن فيها لو بقينَ ملكاتٍ في بُيوتهنّ ؛ يسعى في أمورهنّ رِجالٌ قوّامونَ عليهنّ ، مسؤولون عن إسعادِهنّ وإراحتهنّ ، ويكفونهنّ الأعمالَ المُضنية في هذه الحياة ..
خَسِرَ النساءُ ذلكَ كلّه – وأكثر – بإرادتهنّ هنّ ، ومع سبقِ الإصرار والترصّد .. فإذا هُنّ كمن يُحرّق نفسَهُ بيديه ، أمام الملأ من الناسِ !!
وأغلى ما خسره المجتمع بفعلتهنّ بَنّاءٌ ماهرٌ خلقه اللهُ – سُبحانه – ليبنيَ صَرْحَ المُجتمعات على أسسٍ راسخةٍ ضاربةٍ في الأعماقِ ، وكان ذلك حينَ لم تجدِ الأسرةُ مَنْ تُربّي أبناءها ، مَنْ تصنع اللبنةَ الأولى في بناء المجتمع ؛ اللبنةَ المجبولةَ بالأخلاق العظيمة ، والفضيلة الورقاء والمروءة ، وشِيَمِ الإنسانِ الشامل الذي يبني نفسَه ليبني غيرَه ..
وخَسِرَ الجمالُ قارورةَ عِطْرِهِ التي وصّانا نبيُّنا الحبيب – صلى الله عليه وسلّم - بالرّفقِ بها لقد انكسرتْ وأهرِقَ المِسْكُ الطيّبُ على أرضٍ لم تكن دائماً طيّبة ! وراحَ رخيصاً بَخْساً ! ونظرَ الجَمالُ فإذا الحياةُ بلا ريح طيّبٍ ، يُعطّرها !!
ثمّ ماذا ؟
ثمّ ..
هذه خواطرُ عبرتْ أفقَ خيالي ، أخاف أن تقرأها ولو واحدة ٌ من النساء ، لا سيّما زوجتي ! ولكنني أرجو أن ألقى اللهَ بها ..