محاضرة

حمد الخنفري القحطاني

محاضرة

حمد بن فهد بن جنبان الخنفري القحطاني

[email protected]

كنت متوتر الأعصاب، مضطرب الجسم، محمر الوجه، في ممرات الأسياب أترقب دخول المحاضرة، وإذ بجرس الساعة يُعلِن دخول الوقت ،اتجهتُ إلى قاعة الاجتماعات، وإذ بالإضاءة تزداد نوراً، جلستُ في مقعد قريب، وما لبثت بضع ثوان إذ يجلس بجواري رجل غريب الشكل، مظلم الوجه عليه عمامة ٌ حمراء ، أسنانه سوداء ، يكتئب منها الطفل الصغير الذي لا يميز القبح من الحسن، مسكت يدي على صدري وقرأتُ ما يحميني من آياتٍ، وإذ به ينظر إليّ نظرةٌ كئيبة تشمئز منها النفوس، صددتُ عنه وما هي بضع ثوان وإذ به يمدُّ يده على دفتري وقلمي ويأخذهما بدون استئذان، تجاهلتُ ذلك الموقف، كأنني لم أشاهد ولم أر، قام بتصفح دفتري، وأخذ ورقة ومزعها ثم أخذ القلم وكتب :

إن أنت أكر مت الكريم ملكته

إن أنت أكرمت اللئيم تمردا

ثم رمى عليَّ  كل ما بيده، وأشار بمقت واستهتار... و مازال صامتًا ، ويا ليته كان أخرس ، تكلم يردد الشطر الثاني ويؤمي برأسهِ ويشير إليّ بعينين كأنها شراراً في ظلمة الليل، إنه لئيم... إنه حقير...إنه شيطان، فتذكرت حديث نافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه رائحةٌ خبيثة ، أخذت أوراقي وقلمي و هممت بالقيام، وإذ به يمسكني بيدي، فنزعتها منه بقوةٍ وشجاعةٍ ،ولطمته لطمه ،غمغم وأخذ بعمامته على وجههِ، ذهبتُُ إلى مقعد قريب من المنصةِ ، وجلست  وإذ برئيس الجلسةُ يبدا بحوارهِ ، وقد أزداد ألمي ألماً ، وغيضي غيضاً ، ولبثت قليلاً في غايةٍ من التفكير والاشمئزاز ، وإذ بإحساس رقيق ، تفجرتْ منه عروق البؤس والاكتئاب، وانعكست بفرح وسرور، رفعت بصري وإذ بالمقعد المقابل لوجهي فتاة جميلة، عينان واسعتان ،ووجه مبيض، وشفتان محمره، توحي بابتسامة، يا لها من زعامة، روعة ويا لها من روعة ، نظرتُ بها نظرة، تساقطتْ عبرة تلو عبرة ، غظيتُ بصري ثوان، وإذ بقلبي يزداد جنان ، وشوق وحنان ، نظرتُ لها مرةٌ بعد مرةٍ ، وإذ بها تزداد فناً وجمالاً، عليها مغربي أخضر يشبه البستان، بل هو بستان ، لفافتها ورديَّة ، كأنها ورد وريحان ، تنتقل إليها النظرات كما ينتقل النحل بين الأغصان ، أهي بستان : به جميع الورود والريحان، إنها صورةٌ فنية ، بل حقيقةٌ واقعية ، يفتر بها المقعد يمين ويسار ، كما تتمايل الأزهار من الأغصان، دفترها وردي به حمرةٌ جذابة، يا لها من كتابه، كأنما أناملها حينما تُسيّر القلم ؛ إشارةٌ إلى الراحةِ والاطمئنان، لكنها تزيد دقات قلبي رجفان ، حتى أشار إليّ رئيس المحاضرة، قال: هل بك مغايرة؟

فخفت من المنافرة ، ستصبح نهايتي محاصرة ،وأحاسيسي مبعثرة ،ومشاعري متناثرة ، بل أنها متشاجرة ، محاضرة لكنها مناظرة ،أعلنتْ صافرة الإنذار  انتهاء وقت المحاضرة لم تمتلئ عيناي من تلك النظرة في تلك الفترة ؛ إنها حسرة ، يا لها من حسرة ..

محاضرة ..

لكنها مناظرة ..

نعم مناظرة

مناظرة...