خجلةٌ أنا
خجلةٌ أنا ..
سحر المصري
طرابلس - لبنان
منكِ يا غزّة..
أُخفي وجهي بين يديّ وأجهش بالبكاء..
ثم أردّ الطرف إلى التلفاز لأرى الأشلاء منتشرة على الأرض الطاهرة..
ونساءٌ.. وأطفالٌ.. وبكاءٌ وعويل..
وعبارة يردِّدونها بحرقة لو وجدت معتصماً لكوَته!
"حسبنا الله ونِعم الوكيل"
ونِعم بالله يا أهل غزة!
فمن غيره ينصركم ومن غيره يعطيكم ومن غيره يُدخِلكم بصبركم وفضله فردوساً أعلى.. ويزيد!
خجلةٌ أنا منكِ يا غزة!
لأني لا أملك كلماتٍ أضمّد بها الجراح..
ولا أفعالاً تصلح لدعمكم.. ولا أفكاراً لنصرتكم..
لا أملك إلا الدعاء والدموع..
خجلةٌ أنا من عزمكم وهواننا..
ومفتونة.. بثبات.. كالجبال..
وبعزمٍ وإصرار.. والتزامٍ بالثوابت
وتحدّيكم حتى للموت..
فكانت الشهادة الحلُم..
ففرقٌ شاسع بين الموتِ على سررٍ وبين الموتِ في ساح الجهاد.. هازمين العار!
خجلةٌ أنا أن أكتب عن أي شيءٍ إلاّكِ!
وخجلةٌ أنا أن مدادي لا يسعفني فأسطّر ملاحم بلون النار!
والدم.. والدمار!
وخجلةٌ أنا لأننا تركناكِ وحدكِ تدفعين ثمن الصمت العربي والخذلان..
وتُعيدين مجداً غابراً تاه من الوجدان!
خجلةٌ أنا من تفاهة أحلامنا..
وحقارة إنجازاتنا..
وسذاجة آمالنا..
أمام عظمة إيمانكم.. وثباتكم.. وإصراركم.. وتحدّيكم للألم! ورضاكم بالقدر..
وخجلةٌ أنا..
فما زالوا يناقشون جدوى المقاطعة..
ويرمون المجاهدين بانجرارهم لاقتتال داخلي وصراع الجبابرة!
ما علموا أنها معركة بين الحق والباطل..
وأن أولئك هم أذنابٌ ينفّذون المؤامرة!
مهولةٌ تلك المحرقة يا غزة.. وغريبةٌ أيدي الحقد والخيانة والعمالة!
ومع كل سطوتها بقيتِ أنتِ الطاهرة الرابحة.. بامتياز!
ولو عرفوا أين يحفرون اسمك لكفّوا أيديهم عنكِ.. ولذابوا غيرة وخجلا..
ولو علموا إلى أين يرسلون مجاهديكِ لماتوا غيظاً وكمدا !!
ولو استنشقوا عبير الجنان التي فتحت أبوابها لتستقبل أبناءكِ لدقوا بنعالهم الرأس والبدنَ !
ولو عرفوا معنى أن الله عنك راض.. لأحالوا انتصارهم المزعوم هزيمةً وجزعا!
الله يا غزة كم أهواكِ!
بعدد المتآمرين على نهجك.. والخائنين للإسلام أهواكِ!
وبحجم خجلي الذي يأكل بعضي.. أهواك
خجلةٌ أنا يا غزة.. فيدي مشلولة.. وتهرب مني الكلمات حتى لا أقيّدها بلجام فكري التعِبِ!
ولكن قلبي الغاضب ينبض بحبك صيحات لو سمعها الإنس والجنّ لصعقوا..
وددتُ لو كنتُ باروداً يدكني مجاهد في بندقيته لأقتل كل صهيوني وخائن وعميل ومتآمر..
وددتُ لو كنتُ صرخة في وجه حاكمٍ جائر..
يرى الدماء والأشلاء فيقول: لستُ بقادر!
اليوم يمطرونك برصاصهم المصبوب يا غزة..
وأدعيتنا رصاصٌ مصبوب في قلوبهم!
وغداً يمطرهم الله جل وعلا بحميم..
يكوي بها جباههم وأمعاءهم..
وجلودهم..
كلما نضجت يبدّلهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب!
وشتّان بين عذابٍ وعذاب!!
ثم يعتقدون أنهم نالوا من عزّتك يا غزة!
كلا وربّ الكعبة.. لن ينالوا منكِ إلا الجسد..
أما الروح فمستقرها حيث النعيم المقيم..
وما دروا أنهم كلما طغوا ليُركِعوك أكثر.. كلما زادوا فيك الإصرار والثبات أكثر!
"لسنا طلاّب دنيا.. وميلادنا يوم استشهادنا" ألم يفهموا بعد؟!
ويحهم مما اقترفت أيديهم.. وويلهم من غضبٍ لا بد قادم..
خجلةٌ أنا !!
من الشجب والتنديدِ والاستنكارِ والوعيد..
ومن المؤتمرات والقمم والمظاهرات..
ومن المكالمات الهاتفية للحكام يتداولون فيها مجزرة غزة..
ثم يصدرون بياناً..
عنوانه "أوقفوا القصف على غزة"..
تقرأه ليفني حين تشرب قهوتها وتضحك!
من ذل العروبة تضحك..
ومن الخضوع والخنوع والعمالة تضحك!
ومن حقارة ودناءة الراقصين على الجراح تضحك!
ومن أممٍ متحدة ومجلس أمنٍ وجامعة عربية يرتكسون في أحضان الخيبةِ تضحك!
وشهيدنا أيضاً يضحك..
فقد فاز ونال إحدى الحسنيين..
وشتّان بين ضحكة وضحكة!!
خجلة أنا من صدقهم ونفاقنا.. من سعدهم وبؤسنا.. من عزّتهم وذلنا!!!
وأبقى أنا وحدي..
أخطف النظر إلى الجرحى على أرض الرباط..
ثم أخفي وجهي بيدي.. وأبكي!
وأدعي!
"اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزم اليهود وانصرنا عليهم"
وأردد.. لكِ الله يا غزة!
وأبقى..
خجلةٌ أنا منكِ يا غزة..
أقسم بربي أني..
خجلةٌ أنا !!!!!!