شغف !
بسام الهلسه
- 1 -
* خططتَ للكتابة عن موضوعات سياسية وتاريخية وأدبية.. هيأتَ مراجعها ودونت ملاحظاتك الأولية عنها.. لكنها اعترضت مسارك واقترحت عليك ما تكتب!
كنتَ قد نمت للتو بعمق بعد يوم وثلثي ليل حافلين، عندما صحوت فجأة على ألم في يدك اليسرى وأصوات سقوط!؟
لم تغضب حينما رأيتها ممددة بجوارك، فابتسمت لها بحنان وأخذت في جمعها برفق وإعادتها إلى مكانها المعتاد بجانب سريرك.
- 2 -
سنوات طويلة مرت على العلاقة بينكما.. ربما لا تذكر بداياتها.. مثلما لا تذكر أن أحدكما قد اشتكا من الآخر.
وما حدث بالأمس كان جديداً.. فلم يسبق لكتبك أن واجهتك بمثل هذه المعاملة! كيف، وصداقتكما تعود لسنوات الصبا أيام كنت بعد طالباً في المرحلة الابتدائية، حينما تعرفت بالكتب وشخصياتها الثرية؟
أثارت فضولك وشغفك عوالمها التي كلما إرتدتَ واحداً منها قادك إلى الآخر تماماً كالأبواب السحرية في "ألف ليلة وليلة"، وأطلقت خيالك وعواطفك وفكرك مثلما أثرت معلوماتك التاريخية والجغرافية واللغوية والعلمية والثقافية.
وإذ لم يكن في المدرسة حينها مكتبة، فقد تعرفت بمكتبة المدينة التي كنت تزورها مع عدد من أصدقائك أو منفرداً بشكل شبه يومي.
هناك توطدت المعرفة بينكما، فلم يعد يكفي اللقاء في المكتبة العامة، فكنت –بقدر ما يتاح لك- توفر المصروف القليل الذي يعطيه أهلك لك لتشتري ما يعجبك منها.. وشيئاً فشيئاً تكونت لديك مكتبتك الصغيرة الخاصة التي كنت ترعاها وتحرص عليها كأغلى ما عندك. ومع وجود المكتبة الخاصة بك صار بإمكانك تبادل الكتب أحياناً مع من يشاركونك حبها.. بعد التأكد طبعاً من أنهم يحسنون معاملتها ويحرصون عليها.. فلا يثنونها كيفما اتفق، ولا يخربشون بأقلامهم على أوراقها، ولا يتركونها في أي مكان في البيت دونما عناية!
والأهم هو التأكد من أنهم سيرجعونها في الوقت المحدد، وهو ما جعلك فيما بعد تتردد كثيراً –أو حتى تمتنع- عن إعارتها لأحد، بعدما لاحظت أن البعض يسيء إليها فيعاملها بفظاظة أو إهمال.
- 3 -
لا تذكر أنك شغفت بشيء وداومت عليه قدر شغفك بالكتب وبالمعرفة عموماً. فحينما كنت في العطلات الصيفية تزور بيت جدك في الريف مع العائلة، كان يدعوك للجلوس معه في "الليوان" (الديوان) لتسمع حكايا الكبار قائلاً لك: "المجالس مدارس".
ورغم تبرمك في بعض الأوقات من هذا الطلب، إذ كنت ترغب بمرافقة من هم في عمرك في لعبهم، فقد كنت تجد متعة في عالم الكبار هذا.. خصوصاً لما يمنحك من شعور بأنك كبرت وهو ما كنت ترغب فيه بقوة آنذاك!
- 4 -
ولما كبرت وانتقلت إلى المرحلة المتوسطة –في آخرها على وجه التحديد- وبدأت تجاربك الأولى في الكتابة، صار للكتب وظيفة جديدة بالنسبة لك إضافة لوظيفتها السابقة: تقديم المتعة والمعلومات.. فقد أخذت تعود إليها كمراجع لما تكتب؛ وهو ما وثق مع الوقت صلتك بها، صلة ازدادت أكثر مع إزدياد حاجتك لفهم الأوضاع التي تمر بها المنطقة، فتعرفت على المكتبات المهمة وباعة الكتب في المدينة. وحينما انتقلت إلى المرحلة الجامعية وأخذت تسافر إلى الدول العربية، كان أهم ما تفعله هو التعرف بمكتبات مدنها لتنتقي منها ما تبحث عنه.
ومع السفر المتكرر نشأت لديك عادة جديدة هي اصطحاب بعض الكتب معك لتكون رفيقتك حيثما تذهب.
- 5 -
لكن السفر الذي وسع مدى معارفك، سبب لك من جانب آخر ألماً وحسرة! فبنتيجة ترحالك وانتقالك بين بلدان عربية عديدة، كنت تضطر لترك قسم مهم من كتبك التي لا تستطيع تأمين نقلها معك. وحينما كنت تفعل ذلك، فكأنما تودع أعزاء عليك يعاودك الحنين إليهم إلى الآن.
- 6 -
ولكي تبقى في أمان وفي متناول نظر عينيك، وزعت كتبك في أماكن قريبة منك في البيت.. ومع أن غرفتك قد حظيت بالكتب المهمة، فقد خصصت المكان الملاصق لسريرك تماماً، للكتب التي هي قيد القراءة والمراجعة.. وقد تجمعت فوق بعضها وعلت وكأنها تطل عليك وتحرسك وأنت نائم!
- كيف هوت إذن؟
لم تشغل نفسك بالسؤال! فأنت تعرف أنك حمّلتها في الآونة الأخيرة فوق طاقتها بما أضفته من كتب ومجلدات لم يتسع لك الوقت لترتيبها كما تفعل عادة...
فهوت...
- يا لهذا الهوى!