هِلالُ عَباسٍ أَمْ هِلالُ إسماعيل؟
عوني وتد - عرب 48
شارفت الشمس على المغيب ، وجلس أفراد العائلة الواحدة حول المائدة الرمضانية ،
يبتهلون الدعاء، ويُسمعون الرجاء ويرقبون مَدفـع الإفطار . "لله درّك يا مدفع الإفطار!"
ألست أنت من يُحكِم علينا الحصار؟ ويفتت شمل الكبار والصغار؟
ألست أنت من يصدنا عن الاقتراب من الجدار؟
فما بالنا اليوم بكل الحماسيات وفتحات الأمل،
نلتقي جميعنا حول مدفع فلسطينيّ واحد ليكون صاحب القرار! وسيّد هذه الديار؟
لعل هذه إحدى مقامات بديع زماننا الفلسطيني الحديث ! " سيذهب الظمأ وتبتل العروق ويثبت الأجر، بإشعال فتيلٍ وإطلاق نار".
لا تعجبوا ! أبداً لا تعجبوا . فقد قيل في إحدى المقامات الفلسطينية على لسان الختيار : " ستتحدون يا عرب بالأفراح والأتراح ، فلِمَ لا تجعلون كل أيامكم أفراحا؟ ".
فهل هنالك أبهى من رمضان لكي تلتحم فيه اليدان؟ يد رام الله تمسح هامة غزة ، وتُخَضّب خصلات شعرها النابلسيّ ببخور بيت لحم، وحناء قدس الأحرار.
وعندها سيردد على مسامعنا مدفع الإفطار:
" يهوى شموخك يا جبل /
ما بين آلامٍ مؤكدةٍ، وصبرٍ محتمل /
ما بين عينٍ لا ترى إلا الأنين إذا اشتعل/
وفمٍ يردد بعض أبيات الزجل /
أسرج شموخك يا بطل /
كن كالربيع إذا تألق بالبشاشة واحتفل/
كالفجر حين يزفًّ للدنيا.. تباشير الأمل /
أسرج شموخك يا بطل/
لا تقترف إثم النكوص إلى الوراء /
فقد يفاجئك الأَجلْ"
موائدنا الرمضانية أضحت " كفلسطين "..
تعددت واختلفت كما تعدد واختلف الوطن، وتناثرت كما تناثر وهج الوطن،
وتبعثر أهلها كما تبعثرت حدود الوطن، وجُرِدّت أحاسيسها كما جُرِدّت مشاعر الوطن. والصائمون منا والجاحدون ، والشرقيون عندنا والغربيون ، وكل الفصائل والأسرى والعابرون أصبحوا كتائب أكَلَةٍ ، وأضحوا وحدات قَصَعاتٍ، وأمسوا جماعات موالدٍ وولائم.
هِلالُ عَباسٍ أَمْ هِلالُ إسماعيل؟
وها هم أفراد العائلة الواحدة يجلسون حول مائدة الوطن ،
ينتظرون دويّ مدفع الإفطار المنطلق من باحة المقاطعة،
هذا يَسْتَلُ سكيناً ينوي تقطيع أواصر اللُحْمة الفلسطينية،
وذاك يقبض شوكة ليغرسها في قلب أصلاب القضية،
هذه ترفع ملعقة لتحرك الضغائن وسموم الطائفية ،
وتلك تحتسي كأس الجراحات الدموية.
وأما أب العائلة فقد أضاع الهوية، وترك أبناءه ينهشون الأطباق الوطنية.
فلا حول له ولا قوه .
آهٍ يا شعب الجبّارين !
ما بالنا نرتضي المطامع والمهازل، ونختلف حول المطالع والمنازل ؟
وإفطارنا واحد، ومائدة وطننا واحدة ومدفعنا واحد.
أليست شربة الماء "الهنيّة " هي من ذات الغمامة "المازنية" ؟ فلسطينية، فلسطينية، فلسطينيه!
غداً ستشرف طلقات مدفع الإفطار على الانتهاء، وشهر الصيام يعدو للانقضاء،
وستخرج جميع أطياف وطننا الرمضانيّ تَرْقُبُ الهلال، وأهلنا (والحمد لله) مُتَمَرِسُون في التماس الهلال ! فلطالما انتظروا الهلال الأحمر والهلال الأخضر في رمضان، وسائر رمضان
وعشقنا نادي الهلال ، ولبن الهلال ، وأقمشة ماركة الهلال وحلاوة الهلال .
لكن شعب الله المختار لا يؤمن بالأشهر الحُرُم، ولا يفرق بين رجبٍ وشعبان،
ويرى نجمته اكبر من كل هلال . فلن ينتظرنا لرؤية الهلال ، ولن يفرح لثبوت الهلال، بل ربما يطلق المفرقعات ليحجب عنا الهلال! ولربما سينتظر بفارغ صبره أي الهلالين سيحدد لنا العيد ، هلال عباس أم هلال إسماعيل ؟
والله قد بت أخشى قصة هابيل وقابيل ، وأحزن لدموع شموع المهد ونفحات حرم الخليل ،وكنيسة القيامة تناجي المسجد الأقصى : "هل اقترب موعد الرحيل ؟ هل حجب الهلال دخيل؟ ".
آهٍ يا شعب الجبّارين !
أليس فيكم رجل رشيد ؟ يزرع التراحم والوحدة ، صاحب موقف سديد ،
لا يرقص في عرسيْن ..ولا يمشي فوق حبليْن ،
فشعبنا لا يريد غير هلال فلسطيني واحد، وما تبقى له من كرامة عيد ..
غب يا هلالْ /
إنِّي أخاف عليك من قهر الرِّجالْ /
قِفْ من وراء الغيمِ لا تنشر ضياءَك فوْق أعناق التِّلالْ /
غِبْ يا هلالْ إني لأخشى أنْ يُصيبَكَ - حين تلمحنا - الخَبَالْ /
أنا يا هلالْ طفلةٌ عربيةٌ فارقتُ أسْرتنَا الكريمَةْ /
لي قصةٌ دمويَّةُ الأحداثِ باكيةٌ أليمة /
شاهدتُ يوماً عنْدَ منزِلِنا كتيبَهْ /
ساقَ الجنودُ أبي وفي عيْنيه أنهارٌ حبيسَهْ /
ورأيتُ جندِّياً يحاصر جسم والدتي بنظرته المريبة /
مازلتُ أسْمع – يا هلال – ما زلتُ أسمعْ صوتَ أمِّي وهي تسْتجدي العروبة /
مسكينةٌ أمِّي فقد ماتتْ /
وما عَلِمتْ بموتها العروبهْ.
لكن على أبي مازن وأبي العبد أن يعلما !
بأننا سنخالف أهلتهم، فلن نتذوق حلوى العيد، ولن نرتدي الجديد،
ولن نزور ضريح الشهيد! ماذا سنقول لهذا الشهيد ؟
أنقف عند شفير القبر، نحدثه عما انتاب قضيته من عار وذلّ وقهر؟
أما آن لهذين الهلالين أن يكتملا بدرا فلسطينياً واحداً ، لتكون كل أيامنا وليالينا عيدا؟
صوما مقبولاً وإفطاراً وطنياُ !
(الأشعار المرفقة للشاعر عبد الرحمن العشماوي)
عرب الداخل